التوتر سيد الموقف في العراق..

تشهد عدة مدن عراقية مظاهرات سلمية حاشدة ضد سياسات الحكومة العراقية، وبالابتعاد قليلاً عن نظرية المؤامرة بمعناها السطحي التي تتبناها معظم حكومات المنطقة القديمة منها والجديدة، فإن لهذه المظاهرات أسبابها الموضوعية،

ويمكن تلخيص هذه الأسباب ب:

1-الاحتلال الأمريكي وماولده من التفتت وضياع البوصلة الوطنية وانتشار لظواهر الميلشيات الطائفية والتكفيرية.

2-السياسات الاقتصادية الاجتماعية المطبقة على أساس مبدأ الليبرالية و التي خلّفها الاحتلال لورثته في الحكم.

الاحتقان الاجتماعي

نلمس يومياً النتائج الكارثية للأسباب السابقة إلا أن للأحداث اليوم وإن بدت اعتيادية بعض الشيء، إلا أنها تحمل بعداً إقليمياً مشتقأ من الأزمة السورية ففي هذا السياق جاءت العديد من الأحداث، فقد قتل 5 أشخاص وأصيب عدد آخر بسلسلة انفجارات بعبوات ناسفة وقعت صباح يوم 13 آذار في منطقة أبو غريب غرب العاصمة بغداد، وأدت هذه التفجيرات إلى أضرار مادية وبشرية.

كما قالت الشرطة أن أربعة انفجارات هزت قضاء أبو غريب نجمت جميعها عن عبوات ناسفة ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة سبعة آخرين.

وفي مشهد مواز لمشهد العنف المتصاعد نجد أيضاً مظاهرات عدة، حيث يشهد العراق على حدوده الشمالية والشرقية مظاهرات ضد التهميش الذي يطال العراقيين بالعموم. وفي مساعي لعدم تطور الأزمة

تقدم عدد من شيوخ عشائر الأنبار بمبادرة لتخفيف التوتر القائم بين الحكومة والمحتجين في المحافظة، وتتضمن المبادرة تنفيذ أحد مطالب المحتجين وهو تحقيق توازن مدني وعسكري في مؤسسات الدولة.

أزمة الكيان السياسي

يضاف إلى كل ذلك نشوب بعض الاحتجاجات على الحدود العراقية-الكويتية التي قام بها أهالي القرى التي تم ضمها إلى الجانب الكويتي وفقا لقرار فرضه مجلس الأمن الدولي على العراق عام 1993. وفي هذا الإطار دعا الكثير من السياسيين العراقيين الحكومة لإعادة صيغة ترسيم الحدود، حيث طالب عدد من النواب بإعادة التصويت داخل قبة البرلمان العراقي على تعديل القرار الأممي على اعتبار أنه فرض بالقوة على العراق، وإعادة ترسيم الحدود بالاتفاق مع الجانب الكويتي.

تندرج مشكلة الحكومة المركزية وإقليم الشمال أيضاً في إطار التوتر المستمر، وجاءت تصريحات مسعود بارازاني رئيس أقليم كردستان العراق الذي أكد على رفض «التبعية» موجهاً الانتقاد للمركز لتدلل على استمرار الأزمة، كما تحدث عن عرض «الشراكة الحقيقية» عارضاً على الحكومة العراقية المركزية إلا أنه ترك خيار الفراق مشروعاً فيما لو لم يتحقق ذلك. وقال بارزاني في افتتاح «المؤتمر الدولي حول جرائم الإبادة بحق الأكراد» في أربيل عاصمة الإقليم يوم 14آذار «هل نحن شركاء وحلفاء أم لا؟ لماذا لسنا شركاء حتى الآن؟

ازدياد النهب كنتيجة

إن مكاشفات قضية إعادة الاعمار تعتبر أيضاً إحدى بؤر التوتر حيث لايزال الغموض يلف هذه القضية فلا أحد يعرف كم النهب الذي سرق من العراقيين وماذا تحقق من برنامج إعادة الإعمار «الليبرالي» الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة بالتنسيق مع المحتل الأمريكي، وفي هذه القضية اعترف ستيوارت بوين المفتش العام المختص في شؤون إعادة إعمار العراق في الحكومة الأمريكية أنه قد تم انفاق أكثر من 60 مليار دولار لإعادة إعمار العراق بعد عام 2003 من الأمريكيين، إلا أن نتائج هذا الإنفاق كانت دون مستوى هذه المبالغ بكثير، وهو مايعني فشل هذا المشروع إما لعدم كفاءته أو بسبب النهب المتوافق عليه من الأمريكين والفاسدين في الحكومة. وقال المفتش العام في تقريره الذي قدمه إلى الكونغرس الأمريكي الأربعاء 6 آذار، إن مختلف الميزانيات التى خصصت للنهوض بقوات الأمن وإصلاح شبكات الكهرباء وتوزيع المياه «كانت أقل فائدة بكثير من المنشود»!!

اعتماد المشروع على التناقضات ذاتها

يتوضح اليوم بشكل جلي أن أمريكا والغرب وعملاءهم بالداخل العراقي لم يحلوا أزمة الحكم السابقة في العراق بل أخذوها من مستوى معين من التعقيد إلى مستوى أعقد من السابق بهدف عدم السماح للعراقيين ببناء الدولة الوطنية المنشودة. يبدو أن كل مافعله الغرب الإمبريالي حتى اللحظة لم يكن إلا مشروعاً تفتيتياً في العراق كجزء من مشروع التفتيت الكبير للمنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط، حيث اعتمد ولايزال في جوهره على حجم التناقضات الموجودة في دول المنطقة، وخلال الفترة الماضية لم تستطع الأنظمة الموجودة في هذه الدول إدراك ضرورة إحداث التغيرات البنيوية في مجتمعاتها، مما أدى إلى تعمق هذه التناقضات والدخول في أزمات وطنية كبرى مما فتح الباب للتدخل الخارجي بكل أشكاله وبالتالي استيعاب هذه الدول في إطار المشروع الأمريكي.

 

آخر تعديل على الأربعاء, 07 أيلول/سبتمبر 2016 01:57