«التثمير السياسي» معبد بالمواجهات
خاض الشعب الفلسطيني انتفاضته الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، وعلى الرغم من مستوى الإقدام الذي أثبته الفلسطينيون في هذه الاستحقاقات، إلا أن النتيجة السياسية تمثلت في «اتفاق أوسلو»، وما تلاه من مفاوضات عبثية تواصلت على مدار 20 عاماً.
حتى الآن، يبدي الحريصون على استمرار حركة الشارع الفلسطيني تحفظاتهم على التسرع في تعميم وصف الانتفاضة على ما يجري اليوم من مستوى عال- ومتسارع- في تعبير الفلسطينيين عن التزامهم بخيار المقاومة، كسبيل وحيد لاستعادة مكتسبات تاريخية تسمح اللحظة الراهنة، والأوزان المتغيرة، بالانطلاق نحو استعادتها.
تستند النظرة السابقة إلى واقعية وعملية تستندان، بدورهما، إلى فهم واضح لميزان القوى الدولي ومتغيراته، وما سيتركه في الإقليم من تغيرات بات من الواضح أنها تتسارع اليوم. وتبنى هذه الواقعية على أساس جلي قادر على رؤية المسارات بحركتها الموضوعية، حيث من التهور بمكان حصر القضية الفلسطينية ومآلاتها اللاحقة بهذه الموجة من الحراك، مع عدم استبعاد إمكانية التثمير السياسي الواسع الذي من الممكن أن تنتجه هذه الموجة، فيما لو استكملت المهام التي تطلبها المرحلة، عبر الاستفادة من مرحلة التراجع الأمريكي في المنطقة، وملاحقة قوة عطالته بالضربات القاصمة.
إذا ما استثنينا الموازين الدولية السابقة، التي لعبت بطبيعة الحال دوراً معرقلاً في وجه محاولات التثمير السياسي للانتصارات العسكرية والهبات والانتفاضات الشعبية الفلسطينية، يدخل عامل الانقسام الفلسطيني كواحد من أوائل المعيقات في طريق إنجاز هذا التثمير.
ولا بد من الإشارة هنا إلى تبعات هذا الانقسام الذي فتح هامش مناورة أمام كيان الاحتلال لتحييد الجبهات الفلسطينية الرئيسية عن بعضها البعض، حيث كان فيما مضى قادراً على الاستفراد بالضفة والقطاع وأراضي الـ48، كل على حدة، وبالتالي، خوض الحروب مع ضمان عدم مواجهة الطاقات الشعبية الفلسطينية كلها. ما يدفع اليوم للتأكيد على ضرورة دفع هذه الطاقات وتأطيرها وتنظيمها بما يفضي إلى خوض المعركة بأعلى مستوى من القدرات.
وإن كان هذا الانقسام مستنداً في أساسه على الاختلاف الحاصل لدى الفصائل الفلسطينية حول المشاريع مختلفة المشارب، فلن تستوي عملية التجميع إلا من خلال حشد طاقات الفلسطينيين حول مشروع وطني موحد، مشروط بالالتزام التام بثوابت الشعب الفلسطيني في تحرير الأرض عبر المقاومة بمختلف أشكالها.