حرب مصرية على جبهة الاقتصاد الساخنة..؟!
في وقت سابق من هذا العام، رحب صندوق النقد الدولي بنجاح الحكومة المصرية في خفض عجز الموازنة الأساسي، مرجعاً ذلك إلى تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات، شملت قطاع الطاقة، واحتواء فاتورة الأجور، وزيادة الإيرادات الضريبية..!
لم تطلب مصر، حتى الآن، قرضاً من صندوق النقد الدولي. إذ يحتاج القرض لتمرير شروط الصندوق على شكل اتفاقيات، عادةً ما تتضمن تسهيل حركة رؤوس الأموال الخارجية، وتصفية تدريجية لدور الدولة في التحكم بقطاعات الاقتصاد السيادية، لتفتح داخل جهاز الدولة معركة جديدة في سياق المعارك المستمرة منذ موجتي الحراك الأولى والثانية.
نشاط الصندوق والتوجهات الاستراتيجية
تكتسب الجهات النافذة داخل جهاز الدولة المصري، والمكثفة بمؤسسة الرئاسة، أهمية مرتبطة بمركزة القرار السياسي والاقتصادي، وهو ما يرتفع نسبياً في مراحل محددة من تاريخ مصر كدولة، وفي مرحلة كهذه، حيث تجد مصر نفسها في محيط مشتعل من الحروب، كان من الطبيعي استمرار هيمنة الدولة إلى حد بعيد على القرارات، ولاسيما السيادية منها، لكن قدرة الدولة على حسم التوجهات العامة ليست بتلك السهولة لسببين أساسيين:
الأول، هو مستوى التدخلات الخارجية التي لم تتوقف في العصر الحديث إطلاقاً، وفي ظروف دولية وداخلية راهنة أفضت إلى خلع حركة الإخوان المسلمين عن السلطة. إذ يرجّح استمرار العمل الأمريكي على تحصيل وضع مشابه لما كان عليه وزن الولايات المتحدة في مصر منذ اتفاقية «كامب ديفيد» وحتى موجة الحراك الأولى، وهو ما بدا في أحداث سيناء، وتوتير الحدود مع ليبيا. أما الثاني، فيتمثل في حجم الاختراقات الكبير داخل جهاز الدولة، هذه الاختراقات التي كونت مركزاً للنهب داخل الدولة.
بناء عليه، يمكن ترجمة نشاط صندوق النقد الدولي، في المرحلة التي تحدد فيها مصر توجهاتها الخارجية الاستراتيجية بالاتجاه نحو شراكة جدية محتملة مع روسيا وحلفائها، وداخلية بإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة ذي الطابع الوطني، باعتبارهما التوجهين الأكثر تحديداً لرؤى القيادة السياسية المدعومة من المؤسسة العسكرية.
الخرق من بوابة الاقتصاد
لا ينفك صندوق النقد الدولي عن الإشارة مراراً وتكراراً، على لسان مديره العام، كرستين لاغارد، أن الصندوق على أتم الاستعداد لـ«دعم» مصر بالطريقة التي تراها الحكومة المصرية مناسبة. بمعنى آخر، فإن صندوق النقد يطلق شارة البدء بمعركة داخل جهاز الدولة حول التوجهات الاقتصادية لمصر، مستثمراً الحاجات الاقتصادية المصرية الملحّة.
وعليه، فإن الاختراقات المتمثلة بمراكز النهب الكبير من الممكن أن تضغط على القرار السياسي بين حدين واسعين، الأعلى هو السير فعلاً وفق وصفات صندوق النقد الدولي، بما يحمله ذلك من «إعادة هيكلة مؤسسات الدولة»، وإعادة النظر في سعر الصرف.. إلخ، وفي الحد الآخر، عرقلة التوجّهات المعبّرة عن الحالة المستجدة لميزان القوى الدولي، بما فيها التوجه شرقاً.
المعركة شعبية.. أولاً
في المعارك التي يخوضها داعمو الحراكين الأول والثاني داخل جهاز الدولة، يبدو حتى اليوم أن الوزن النسبي لقوى الفساد الكبير مازال مؤثراً، إلى ذلك الحد الذي يستغلون فيه حقائق موضوعية عن الحالة الاقتصادية الاجتماعية لمصر، للضغط على مراكز القرار وتسريع البحث عن أية «حلول لإخراج مصر من ضائقتها»، بما فيها عروض صندوق النقد المغرية بالأرقام، والكارثية بالنتائج المتوسطة وبعيدة المدى، ما يبدو للشارع المصري أنه حديث مسؤول وملتزم اتجاه قضايا الشعب المحقة. وفي هذا الصدد، يقول الكاتب، محمد حسنين هيكل، إنه «على القيادة السياسية في مصر أن تصدر للمواطنين ما يسمى بتقرير حقيقة، يعمل على مصارحة الشعب بأوضاع وطنه كما هي».
وفي السياق نفسه يؤكد الباحث أن «مؤسسة الرئاسة ستكون اللاعب الرئيسي خلال الفترة المقبلة، لأنها القوة الوحيدة المتماسكة حتى الآن»، مضيفاً، أن يكون للقيادة السياسية تواجد حقيقي في الشارع، من خلال خططها على الأرض وتوجهاتها الواضحة في المجالات كافة.
ترسم الإشارات سالفة الذكر ملامح الضرورة المستمرة المتمثلة بأهمية العامل الشعبي في حسم قرارات مراكز النفوذ التي ينبغي أن تضع سياساتها وفقاً للمصلحة العميقة للشعب المصري، وأن تصاعد وتيرة المشاريع الوطنية الحقيقية التي تصب في مصلحة عموم المصريين، المصلحة التي لن تحقق إلا بفتح المعركة على مراكز النهب المتأهبة لاستغلال معاناة الشعب المصري لتمرير ما تخطط له من مستويات أعلى من النهب.