إيران - تركيا مسارات مختلفة ومرحلة جديدة

إيران - تركيا مسارات مختلفة ومرحلة جديدة

جمعت العلاقات السابقة مع الغرب القوتان الكبيرتان في الشرق الأوسط، تركيا وإيران، وعادت هي ذاتها لتفرقهما. فقد تصاعدت العلاقات الثنائية بين البلدين إبان «حلف بغداد» والتحالف مع الغرب الاستعماري الذي جمعهما في حينه، إلى أن قامت «الثورة الإسلامية» في إيران التي قطعتها عن مرحلة التبعية السابقة للغرب.

بلغت العلاقات الإيرانية- التركية ذروتها، بعد الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السابق، محمد مصدق، الذي حاول عام 1951 تأميم النفط الإيراني والاقتراب من المعسكر الاشتراكي المتمثل بالاتحاد السوفييتي، في حينه.
مرحلة التبعية:

«حلف بغداد» والكيان الصهيوني

قام الغرب، بعد الانقلاب على مصدق وإعدامه، بتشكيل التحالف الذي ضمَّ دولاً نفطية وغير نفطية (شاملاً إيران وتركيا والعراق وباكستان وبريطانيا وأمريكا)، سمي وقتها بـ«حلف بغداد»، لتتصاعد العلاقات بين البلدين على أرضية التوجه الداخلي المشترك، وتماثل الطبقة السياسية الحاكمة لصالح الأغنياء والعملاء للغرب. 
وعلى أساس التبعية المشتركة للولايات المتحدة، اعترفت الدولتان تباعاً بالكيان الصهيوني، وأقامتا معه علاقات اقتصادية، كلٍّ على حدة. وفيما التزمت تركيا «الحياد» في نكسة 1967، زودت إيران العدو الصهيوني بالنفط الذي كان يعوزه في حينه. وكان اللافت في ذلك الوقت، هو عدم انشغال الإعلام بـ«الفوارق الطائفية» للبلدين، ولم تكن آلاف الصفحات التي اشتغلت على «الفرق الإثني أو الطائفي» بين البلدين قد بدأت بعد، لأن ما جمع تركيا وإيران هو تحقيق مصالح قوى الاستعمار العالمي.


سقوط الشاه: التوتر والمصالح الاقتصادية

في وقتٍ لم تشهد فيه تركيا تغيرات استراتيجية في علاقاتها مع الغرب منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، كانت إيران بعد سقوط حكم الشاه فيها قد انسحبت من «حلف بغداد» وأعلنت العداء لأمريكا ولذراعها في المنطقة، الكيان الصهيوني. أما العلاقة مع تركيا، فكانت أكثر تعقيداً للبلدين. حيث دخلت هذه العلاقة حالة من الصراع المبني في جوهره على أساس العلاقات الاستراتيجية الدولية. ففي حين بدت إيران أقرب إلى الشرق وروسيا، أبقت تركيا على علاقتها مع الغرب. وبين أجندة الهيمنة الأمريكية التي حملها الأتراك، وسياسة الاستقلال النسبي التي اتبعها الإيرانيون، شهدت العلاقات توتراً تضبطه المصالح الاقتصادية المشتركة. حيث كانت التقاطعات في تلك المصالح وحول ملفات عدة، قد حالت دون ترسيخ حالة عدائية ثابتة بينهما. وبينما استفادت إيران من تركيا، كخط واصل تجارياً مع الغرب، لتخفيف حدة العقوبات في سنوات الثمانينات والتسعينات، تمتعت تركيا بعدد واسع من الاتفاقيات مع إيران، والتي كان أهمها تلك التي أبرمت عام 1996 لمد تركيا بالغاز الطبيعي من إيران بتكلفة وصلت إلى 23 مليار دولار. أما حجم التجارة الثنائية فقد كان بارتفاع متواصل، ومن المحتمل أن يصل بينهما إلى أكثر من 30 مليار دولار في عام 2015.


أمريكا الجديدة... ومتطلبات النهوض التركي

بعد التراجع الأمريكي في العالم، والذي يعكس بشكلٍ أو بآخر الأزمة الاقتصادية العالمية، تعقد شكل التدخل الأمريكي الإمبريالي في المنطقة، بأدوات جديدة تعمل على ترسيخ حالة الحريق. في موازاة ذلك، بدأ الغرب يستخدم تركيا للضغط على بلدان محيطها، وإسقاط أجهزة الدولة فيها، ودعم قوى سياسية غارقة في تبعيتها للولايات المتحدة، كـ«الإخوان المسلمين»، فضلاً عن قيام «الناتو» بنشر الدرع الصاروخية في تركيا، ما اعتُبر تهديداً مباشراً لروسيا وإيران.
على أرضية التصاعد الجاري في عملية الصراع بين القوى الصاعدة والهابطة بالمعنى الدولي، لا يبدو الحديث حول المصالح الاقتصادية التركية- الإيرانية المشتركة مستوياً، دون الحديث عن ضرورة التغيير في الاتجاهات الاستراتيجية التركية، أي التمهيد لانتفاء دور أنقرة كـ«مرتكز تنفيذي» للسياسات الأمريكية، إذا ما أرادت حفظ مكان لها في المسرح الدولي، بمعطياته وطبيعته الجديدة.