أمريكا «تُقسم» والحكومة تهرب إلى الأمام..!
تأتي نية الكونغرس الأمريكي بالتصويت على مشروع قانون يتعامل مع «البيشمركة» والفصائل «السنية» المسلحة في العراق كبلدين، بهدف تقديم مساعدات عسكرية لهما، كنقلة نوعية متقدمة في تطبيق مشروع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يقضي بتقسيم العراق إلى دويلات طائفية وأثنية.
نتيجة رد الفعل الشعبي الواسع والرافض لهذا القرار، اضطرت السفارة الأمريكية في بغداد إلى تقديم «إيضاحات» تخديرية، خوفاً من انفجار الغضب ضدها، إذ قال المتحدث الرسمي باسم السفارة، جيفري لوري، أن «سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق لم تتغير.. فهي تدعم العراق الموحد»، وأن «كل الدعم والمساعدات والمعدات العسكرية المقدمة من الحكومة الأمريكية، يتم تسليمها للحكومة العراقية وقوات الأمن العراقية». كذلك ركز على أن «المشروع المقدم لمجلس النواب الأمريكي من عضو الكونغرس، ماك ثوربيري، لا يستند إلى أية قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف الولايات المتحدة.. الرئيس أوباما هو المسؤول عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية».
وتمايزت ردود الفعل على المشروع التقسيمي الذي أثار رفضاً واسع النطاق, تراوح بين التهديد بضرب المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، كما جاء في بيان لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر, وبين مطالبة عدد من السياسيين والنواب بطرد السفير الأمريكي وإغلاق السفارة فوراً.
وفي موقف لافت، حذر النائب عن تحالف القوى العراقية، علي الصجري، من خطورة مشروع القرار المذكور، مؤكداً أن «هذا القرار بقدر ما يبدو ظاهرياً ملائماً للطروحات الكردية والعشائر السنية، إلا أن ما يخبئه من نوايا وأهداف يجعلنا نطالب كل الشرفاء بإعلان رفضهم له، مهما كانت الإغراءات، فالدماء التي سالت والشهداء الذين سقطوا كان أمامهم هدف واحد، هو وحدة العراق ووحدة شعبه، والوقوف بوجه المخطط الذي يعرف بمشروع بايدن».
يجري توقيت إقرار مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية إثنية, في وقت تشهد فيه البلاد فوضى شاملة وصراع لم يسبق له مثيل على مواقع النفوذ, يبرز فيه «الحشد الشعبي» كقوة عسكرية وسياسية صاعدة, تبدو وكأنها تستنسخ تجربة الحرس الثوري الإيراني, بتحويلها إلى مؤسسة عسكرية رسمية موازية للجيش, مرشحة إلى أن تلعب دور ضابط الإيقاع في التطورات السياسية المقبلة. وهو ما تخشاه أمريكا وأوردته سبباً أساسياً في تشريع القانون في الكونغرس.
كما تعاني الحكومة من أزمة ثقة مع الشعب، لناحية قدرتها على حل الأزمات أو قدرتها على تحرير المناطق المحتلة من «داعش». إذ اختارت حكومة العبادي سياسة الهروب إلى أمام, ففي مواجهة جزع الشعب، بل وسخريته، من لجان التحقيق المشكلة بعد كل كارثة تحل بالبلاد والعباد، أطلق الإعلام الحكومي الرسمي حملة رفعت شعار «أكاذيب داعش»، وضعته على شكل صورة ملونة جميلة لسد الثرثار، رداً على الاستياء الشعبي من مجزرة الثرثار, وما ترافق مع تصريحات للعبادي ووزير دفاعه ومستشاريه، أقل ما يقال عنها أنها سطحية وفجة, إن لم نقل أنها حملة مستهترة بدماء الشهداء وبعقول المواطنين.
اعتمدت هذه الحملة مقولة تدعي أن من أسقط الموصل هي مجرد إشاعة، وبضعة مئات من «الدواعش», مما تسبب في هروب الفرق العسكرية، وترك أسلحتها من دبابات ومدافع وغيرها، ناهيكم عن المعسكرات والمواقع والدوائر والبنوك الحكومية.
وعليه، فإن ما جرى في الثرثار، حسب هذه النظرية «العبقرية» هو محض إشاعة كادت تتسبب بانهيار القوات وهروبها. وأن الاختراق جرى في ناظم التقسيم- الثرثار، وليس في ناظم الثرثار! ولم يستشهد سوى 13 عسكرياً، وليس 140، على رأسهم قائد الفرقة الأولى، وقائد فوج المدفعية 38 وستة ضباط، «وبس»..!
ويبقى الموقف مما يسمى بـ«اتفاق المصالح الاستراتيجي» هو مقياس وطنية أية جهة سياسية داخل الحكم وخارجه, حيث يترسخ أن إلغاء الاتفاق هو مفتاح حل الأزمة الوطنية العراقية.
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي