الملف النووي الإيراني وتبايناته
يصل ملف إيران النووي إلى خواتيمه في الأيام القليلة القادمة، بعد جولاتٍ طويلة استدعتها المفاوضات المرتبطة بتغيرات الوضع الدولي، والتراجع التدريجي في قوة الغرب على الساحة الدولية.
في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الإقليمية تسارعاً متزايداً في تعبيرها عن التوازن الدولي الجديد، يأتي مشروع الحريق الأمريكي بنتائج هزيلة في ملفات عدة، وبنتائج عكسية في ملفات أخرى، ما يفسِّر ازدياداً نسبياً في استقلالية بعض الدول المحسوبة على الحلف الأمريكي حتى الأمس القريب، خوفاً من ارتدادات محتملة على بلدانهم نفسها اقتصادياً وأمنياً، كما الحال في التعاطي الألماني والفرنسي مع الملف الأوكراني بعد تشكيل رباعية «النورماندي».
بين الفرص والعقوبات
تقدِّر بعض التحليلات أن جزءاً من الإدارة الأمريكية قد أدرك، ولو متأخراً، أن التراجع الذي أجبر عليه الأمريكيون يحمل بين طياته قانونية محددة تقتضي أن تأجيلاً في حل الملف النووي الإيراني في هذه المرحلة، يعني إمكانية الوصول إلى مفاوضات لاحقة من موقعٍ أضعف، كما الحال في الملف الأوكراني، وعليه، فإن تسريعاً بالوصول إلى اتفاق حول ملف إيران النووي اليوم، من الممكن أن يضمن للأمريكيين، ولو بحدوده الدنيا، تخفيفاً لما تحمله فكرة «إيران النووية» من مخاطر استراتيجية أمريكية.
بالمقابل، تسعى إيران للتخلص من عبء العقوبات الاقتصادية التي حاصرتها لسنوات، لكنها، وإن كانت جادة في رغبتها للتحرر من قيود تلك العقوبات، غير أنها تدرك أنه لا وجود لما يجبرها على توقيع اتفاق مجحف بحقها، لا سيما وأنها تنظر جيداً إلى تغيرات الميزان الدولي السائرة إلى غير المصلحة الغربية.
في التباين الأمريكي- الصهيوني
بعيداً عن «مسرحية الكونغرس» التي أداها نتنياهو، وما تحمله من أهداف سياسية وانتخابية لكلٍّ من الأمريكيين والصهاينة، فإن التباين الحقيقي بين الموقفين بالمحصلة هو تباين موضوعي يؤكد مقولة أن «إسرائيل مخلب متقدم للإمبريالية الأمريكية في المنطقة» ولا ينفيها، أي أنها تلقى الدعم بما يناسب قدرتها على لعب الأدوار المرسومة أمريكياً، وليس دعماً مطلقاً على حساب مصالح الولايات المتحدة نفسها بأي حال من الأحوال.
إن كان من المعلوم أن إيران تريد تخصيب اليورانيوم لأهداف سلمية، إلا أن التهويل الأمريكي الصهيوني يعلن ارتكازه من الحسابات الاستراتيجية المبنية على أساس «التخوف» من احتمالات الاستخدام العسكري للطاقة النووية. وهنا، ينطلق الموقف الأمريكي من أن فكرة «إيران نووية» من شأنها أن تضع حدوداً ما للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، بينما يرى الصهاينة فيها تهديداً وجودياً ونفياً لأي إمكانية لاحقة للمواجهة مع إيران، وهو ما يفسر استماتتهم وداعميهم من الجناح الفاشي في الإدارة الأمريكية في محاولات عرقلة التوصل إلى الاتفاق، وهو ما يبدو بعيد المنال بالنظر إلى سير عمليات التفاوض، حيث تؤكد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم: «نحن على وشك التوصل إلى اتفاق مع نهاية هذا الشهر، ومعظم القضايا التقنية تم التفاهم عليها ويجري البحث في رفع العقوبات».