العمال الزراعيون.. مائة عام من الاستغلال /1/

العمال الزراعيون.. مائة عام من الاستغلال /1/

العمال الزراعيون أو «البروليتاريا الريفية» هي طبقة العمال التي ترتبط بالعمل الزراعيّ، التي نشأت وتبلورت كفئة؛ نتيجة تطور العلاقات الرأسمالية في العمل الزراعيّ، وحلولها محل العلاقات الإقطاعية.

قبل الحديث عن تاريخ وظهور العمال الزراعيين في سورية بين 1900 – 1935 سنستشهد بقول «لوتسكي» المستعرب والمؤرخ السوفييتيّ الكبير كما جاء في الصفحة (6-7) من كتابه «الحرب الوطنية التحررية في سورية 1925 – 1927: «كانت سورية في بداية القرن العشرين، وما تزال بلداً إقطاعياً تسيطر فيه الملكية الإقطاعية للأرض، وعلاقات الاستثمار الاقطاعية، مع وجود رواسب كبيرة من القرون الوسطى في الحياة الاقتصادية والسياسية وفي الثقافة والحياة اليومية؛ ومن جهة أخرى كانت بلداً تفسخت فيه وسائل الإنتاج الإقطاعية، وبدأت مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية حيث نضجت العلاقات البرجوازية، ونمت المدن وتوضعت طبقات المجتمع الرأسماليّ (البرجوازية، الطبقة العاملة) وجرت عملية تشكّل الأمة لكن الانتقال من الاقطاعية إلى الرأسمالية كان قد جرى في عصر الامبريالية والسيطرة العالمية للرأسمال الماليّ؛ عصر التقسيم الكولونياليّ للعالم بين برجوازية الدول الأكثر تطوراً وتقدماً من الناحية الاقتصادية».

 

تشكَّل البروليتاريا الزراعية

مع استعمال الآلة الزراعية ازداد عدد الاستثمارات التي تستخدم القوى العاملة المأجورة؛ وبشكل خاص في تلك المناطق الواسعة التي تزرع الحبوب والقطن مثل الجزيرة والفرات والرقة وأرياف حلب، وبدأت تتشكَّل طبقة الملاكين الرأسماليين الجدد، أو البرجوازية الريفية الجديدة، وإلى جانب البرجوازية الزراعية أخذت تتشكّل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عملية تشكَّل البروليتاريا الزراعية، وإلى جانب المنتجين الأساسيين للمنتوجات الزراعية أنصاف الإقطاعيين والمستأجرين ظهرت فصائل من العمال المأجورين والموسمين والمياومين، وبتأثير التخلف الاقتصاديّ الاجتماعيّ العام في سورية؛ ووجود جيش من النازحين الزراعيين الدائم والرخص الفظيع لليد العاملة، يصف «بدر الدين السباعي» في كتابه الرأسمال الأجنبيّ في سورية عملية تشكل الطبقة العاملة الريفية بالشكل الراكد والجامد. 

 

إغضاب الإقطاعيّ

يتحدث المستشرقون أنه منذ عام 1890 كان يذهب إلى كل مواسم الحصاد والقطاف أكثر من 1000 عامل زراعيّ من سهل حوران إلى المناطق المجاورة، وهكذا بدء الظهور الجنيني للعمال الزراعيين في سورية الذين كانوا يعملون في ظروف سيئة؛ حيث كانت ساعات العمال الطويلة ترهقهم (14-16) ساعة في اليوم، وأجرة العامل الزراعيّ كانت ضئيلة لدرجة أنها لا تستطيع تأمين الحد الأدنى من حياة عائلته، وكانت تبلغ 15 قرشاً في اليوم و78 فرنكاً في الشهر بعام 1935، وكانوا يتحملون كل تعسف من الإقطاعيّ ليستطيع تأمين لقمة عيشه، أضف إلى ذلك انتشار الأمية بشكل رهيب، وإجبارهم على ممارسة أعمال السخرة عند الإقطاعيين والضباط الفرنسيين، وفرض ضرائب باهظة عليهم، إذ كانوا معرضين للطرد عند إغضاب الإقطاعيين والملاكين العقاريين، لذلك فقد وقعوا تحت ظلم كبير، وجعلت هذه الظروف من حياة العمال الزراعيين جحيماً، وفي ظل هذا الوضع عاشت الفصائل الأولى للعمال الزراعيين حياتهم.

 

نشوء نقابات العمال الزراعيين

كان نضال العمال الزراعيين ضد الاستثمار الجائر يشتد ويتعاظم منذ أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، وبشكل خاص بعد دخول الآلة إلى العمل الزراعيّ والانتقال القاسيّ من نمط الإنتاج الإقطاعيّ في العمل الزراعيّ إلى نمط الإنتاج الرأسمالي؛ وتحول الفلاحين المطرودين من القرى إلى عمال زراعيين موسميين معرضين للطرد بشكل دائم.

أقام الحزب الشيوعي علاقات دائمة مع العمال الزراعيين في سورية ولبنان منذ نهاية الثلاثينيات، ونظمهم في منظمات حزبية تمهيداً لإقامة تنظيمات نقابية لهم، وكان أول حزب سياسي نادى؛ وعمل من أجل تأسيس نقابات العمال الزراعيين ومساواتهم بالحقوق والواجبات بالعمال الصناعيين في قانون العمل السوري الصادر عام 1946.

وبين عاميّ 1940 – 1950 قاد الحزب الشيوعيّ إضرابات العمال الزراعيين من أجل ثماني ساعات عمل، وثلاث ورديات يومية، وأجور عادلة، ومنع تشغيل الأطفال والنساء ليلاً، ومنع طرد العمال الزراعيين، وأقوى الإضرابات شهدتها أرياف الجزيرة والفرات وحلب، لتكون النهاية الإعلان عن تأسيس أول نقابة للعمال الزراعيين في الجزيرة عام 1952 ضمت عشرة آلاف عامل بعد عمل مضنيّ استمر ثلاث سنوات، وكانت أكبر نقابة في سورية آنذاك.

 

جمال جركس نقيباً

بعد عودة الرفيق «جمال جركس» من المدرسة الحزبية في «هنغاريا» باشر العمل بين العمال الزراعيين وترأس نقابتهم، وانتخب نقيباً لاتحاد عمال الحسكة والقامشلي، ومن موقعه هذا مثّلَ عمال سورية في مؤتمر «فيينا» العالميّ للنقابات العالمية منتصف الخمسينيات، واستطاع العمال الزراعيون قيادة أكبر إضراب عماليّ في سورية صيف 1956، أثناء بدء أعمال الحصاد، إذ شارك فيها 10 آلاف عامل زراعيّ في الجزيرة وامتد الإضراب إلى أرياف الرقة ودير الزور، وتوقفت الحصادات عن العمل بشكل كامل، كما حدثت إضرابات في إدلب وسلقين وحلب، وخصصت جريدة الحزب اليومية آنذاك «النور» صفحة ثابتة لنشر أخبار وحركات العمال الزراعيين في الريف السوريّ، وكذلك صحف الأخبار والصرخة في لبنان.

 

الإضرابات حققت أهدافها

انتهت إضرابات ونضالات الخمسينيات بتحقيق مطالب العمال الزراعيين، واعتراف القانون بتنظيمهم النقابيّ، إذ نص قانون الإصلاح الزراعيّ رقم 134 وتعديلاته الصادر عام 1958 أيام الوحدة على حقهم في التنظيم النقابيّ؛ وبالتالي أصبحت قضية وجود نقابة للعمال الزراعيين في الجزيرة أمراً واقعاً، وكان ذلك انتصاراً آخر لهم وللحزب الشيوعيّ، واستطاع العمال الزراعيون تحقيق الكثير من المكاسب بفضل وجود نقابة، تمثلهم وتدافع عنهم، مثل منع التسريح التعسفيّ من العمل، ودفع أجرة أيام العطل والأعياد، ومنع تشغيل القاصرين وجعل الورديات في العمل الزراعيّ ثلاث ورديات يومية، وحصر عقود العمل بالنقابة؛ كل ذلك أرعب أرباب الاقطاعيين والملاكين العقاريين، والرأسماليين الزراعيين الذين بدؤوا سعيهم بقوة من أجل تحطيم التنظيم النقابيّ للعمال الزراعيين الذي بدأ ينتشر في المحافظات الأخرى أيضاً.