كيف أصبحت شيوعياً
ضيف زاويتنا في قاسيون لهذا العدد رفيق قديم من حلب الشهباء، واحد من الكوادر العمالية المعروفة من الرفاق الذين حين ألتقي بهم يحضرني قول الشاعر:
هو العمر الكريم شموخ حر تداعى تحت نعليه الرياءُ
يشرفنا تراث الحزب أدرى به أعداؤنا والأصدقاءُ
شيوعيون ما زلنا ونبقى على عهد الكفاح هو البقاءُ
إنه الرفيق محمود نصري
الرفيق المحترم أبو غسان، نرحب بك، ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟
- أنا من مواليد حلب القديمة عام /1935/، وعملي في مهنة الزريقة (الطينة)، ولم يكن لأحد من عائلتي قبل تعرفي على الحزب أية صلة به. فقط كان والدي نقابياً في نقابة عمال المطاحن.
بدأت التعرف على الحزب في أوائل عام /1954/، وكان ذلك في أواخر عهد الشيشكلي من خلال بعض عمال البناء وغيرهم، منهم من رحلوا عن هذا العالم، ومنهم
ما زالوا على قيد الحياة.
بدأ نشاطي الحزبي خلال التحضيرات للانتخابات النيابية عام /1954/، حيث أقمت عدداً من الاجتماعات الجماهيرية في حي الكلاسة، وكنت وكيلاً للرفيق أحمد محفل في أحد صناديق الاقتراع في حي باب فنسرين، رغم أنني لم أكن عضواً في الحزب حينها.
في عام /1955/ عملت مع بعض العمال ومنهم الرفيق عبد الرزاق رابعة وأخي محمد على إحياء نقابة عمال المزرقين (الطينة)، وكنا نسهر الليالي وندور في أحياء المدينة نطرق أبواب العمال لدعوتهم لإحياء النقابة وحضور الانتخابات، ورغم كل التعب الذي كنا نعانيه كنا سعداء بما نقوم به لمصلحة العمال، وأصبحت رئيساً لتلك النقابة في انتخابات حرة ونزيهة ليس فيها شيء من التعقيدات الإجرائية التي نراها في الانتخابات النقابية الحالية، التي لم ترتق حتى الآن إلى مستوى النضال العمالي والنقابي السابق.
كنتُ أصغر رئيس نقابة في ذلك الوقت، وأيضاً لم أكن عضواً في الحزب حتى ذلك التاريخ.. وكان النضال العمالي والنقابي يحتل مساحة واسعة من عمل الحزب، وكان للحزب نفوذ وتأثير كبير فيما لا يقل عن 30% من عدد النقابات القائمة في ذلك الوقت. ونتيجة للنضال النقابي الواسع تحقق الكثير والكثير من المطالب العمالية، وكان النضال يجري على مستويين (المراجعات والمذكرات) ورفع الدعاوى من جهة، واستخدام حق الإضراب لتحقيق تلك المطالب من جهة أخرى.
كانت علاقتي بالرفاق تكبر وتتعزز، ولكن لم يخطر لأحد منهم أن يطلب مني الانتساب للحزب لأن كل واحد منهم كان يظن أنني عضو فيه! إذ لا يعقل أن يكون شخص بهذا النشاط النقابي والجماهيري والسياسي وبهذه العلاقة الواسعة مع الرفاق ولا يكون عضواً في الحزب.
هكذا كانت قناعة أغلب الرفاق.
تقدمت بطلب انتسابي للحزب في أوائل 1957 عن طريق شخص بعيد نسبياً عن ميدان العمل النقابي هو الرفيق أبو سمير قطاع، ودافعي الأساسي هو الظلم الاجتماعي الذي كان يعانيه معظم العمال من أرباب العمل والرأسماليين الكبار.
لم نكن مطلعين على النظرية والفكر الشيوعي، لكننا كنا على ثقة بأن الاشتراكية تحقق العدالة الاجتماعية وتزيل اضطهاد الإنسان للإنسان.. وكان المثال هو الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى والمنجزات التي كانوا يحققونها على كل الصعد.
الفرقة الأولى التي انضممت إليها هي فرقة الحي، وكانت تضم عدداً من الرفاق، وكان مسؤولها الرفيق عمر سباعي وسكرتيرها رفيق من بيت المصري.
ومع الزمن كبرت المهمات والمسؤوليات، فعلى الصعيد النقابي تدرجتُ في المهام من رئيس نقابة (المزرقين) إلى أمين سر نقابة البناء في عام 1966 ولفترة طويلة إلى عضو مكتب تنفيذي في عام 1970 في اتحاد عمال حلب.
أما على الصعيد الحزبي، فمن سكرتير فرقة إلى سكرتير فرعية إلى عضو مركزية عام 1986 إلى سكرتير منطقية عام 1988 إلى عضو مكتب سياسي في عام 1990 ورئيس المكتب النقابي المركزي وعضو مكتب التنظيم المركزي.
وهنا أود أن أشير من خلال النضال الحزبي المثمر أنه ما من مطلب تحقق للجماهير الكادحة على الصعيد المطلبي، وما من موقف وطني تحقق على الصعيد السياسي إلا وكان للشيوعيين السوريين يد طولى وموقف مشرف فيه.
وبهذا الصدد أود أن أشير إلى المظاهرة الكبرى التي قامت بها منظمة حلب عند استشهاد الرفيق عمر عوض على يد الأخوان المسلمين، والتي شارك فيها الشيوعيون السوريون في وضح النهار وفي منطقة كانت تشكل الأرضية السياسية والاجتماعية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث علت أصوات آلاف الحناجر تهتف بسقوط عصابة الإخوان المسلمين. هذه التظاهرة التي كان لها أثرها الكبير على الصعيد السياسي، وقد غيرت هذه المظاهرة ضد الأخوان المسلمين موازين القوى لمصلحة قوى التقدم، ومنها بدأ العد العكسي لسقوط تلك العصابة في نهاية المطاف.
ومن الذكريات العزيزة على قلبي سأذكر واحدة منها.
في عهد الوحدة ألقى جمال عبد الناصر خطاباً في عيد النصر قال فيه بأنه قضى على الشيوعية وعلى الحزب الشيوعي السوري، وقد رد الحزب على ذلك بأن الحزب والشيوعية باقيان، وتم توزيع بيان باسم الحزب داخل أسواق مدينة حلب القديمة، ولقي قبولاً واسعاً، وكان له الصدى المطلوب. وكنتُ أحد المكلفين بذلك التوزيع في سوق (العطارين)، وتكررت تلك المهمة فيما بعد في حي القصيلة في حلب القديمة. وهناك الكثير من الذكريات وأقول المئات التي نحاول تسجيلها لأنها جزء من تاريخ الحزب سواء التي عاشها الرفاق بين الجماهير نضالاً يومياً دفاعاً عن حقوق الكادحين وعن استقلال الوطن وعزة الشعب، أو التي عاشوها في السجون والمعتقلات في وجه الظلم والطغيان.
وفي النهاية أقول إن الحزب الشيوعي الحقيقي هو الذي يقوم بدوره الوظيفي في حياة الشعب والوطن وعلى الصعد كافة، وهو الحزب الذي يتحلى بالأخلاق الشيوعية، ليس بين أعضائه فحسب، بل بين الجماهير أيضاً، والتي كسب احترامها له تاريخياً بسببها. وهو الحزب الذي يتحلى أعضاؤه بالجرأة والتضحية ونكران الذات والابتعاد عن المكاسب الشخصية التي وقع فيها مع الأسف بعض الرفاق. هو الحزب الموحد بوحدة الإرادة والعمل للتصدي لكل المهام المطروحة أمامه دفاعاً عن الجماهير الشعبية وعن كرامة الوطن والمواطن.
وأعتقد أن الرفاق جميعاً في كل مواقعهم داخل التنظيمات الحزبية وخارجها، مطالبون بالعمل المخلص والجاد ليعود الحزب لأداء دوره، وبذلك يستحق أن يطلق عليه بأنه شرف وضمير هذا العصر.