قرار المصرف المركزي بشأن ودائع المصارف في لبنان... انعكاسات حادة على اقتصاد هش
أصدر مصرف سورية المركزي أخيراً قراراً حاسماً يُلزم المصارف التجارية بالاعتراف بـ 100% من الانكشاف المالي على النظام المصرفي اللبناني، مع تكوين مخصصات كاملة لتغطية الخسائر المحتملة، وتقديم خطة لإعادة الهيكلة خلال فترة ستة أشهر. القرار جاء في وقت يُعاني فيه الاقتصاد السوري من هشاشة شديدة، مع تضخم مرتفع، انخفاض القدرة الشرائية، ونقص السيولة، وضعف النشاط الإنتاجي، ما يجعل أي صدمة مصرفية كبيرة قادرة على تفاقم الأزمة الاقتصادية بسرعة.
تستند حيثيات القرار إلى عدة عوامل:
حجم الانكشاف الكبير على لبنان، حيث تشير التقديرات إلى أن المصارف السورية لديها ودائع وانكشافات على النظام المصرفي اللبناني تتجاوز 1.6 مليار دولار، أي نحو ثلث ودائع القطاع المصرفي السوري.
حماية النظام المصرفي، فالقانون (رقم 23 لعام 2002) يمنح المصرف المركزي صلاحية الإشراف والرقابة لضمان استقرار النظام المالي، بما في ذلك إلزام المصارف بتكوين مخصصات للأصول عالية المخاطر.
إطار رقابي صارم، فالقرار يتضمن مهلة ستة أشهر لتقديم خطط إعادة هيكلة تغطي المخاطر، في خطوة تُظهر حرص المركزي على تقييم المخاطر وإدارة الصدمة قبل تفاقمها.
انعكاسات القرار على القطاع المصرفي في ظل الاقتصاد الهش
- تآكل الأرباح وضغط السيولة، فإلزام البنوك بتكوين مخصصات كاملة يعني انخفاض الأرباح وحقوق المساهمين- احتمال الحاجة لزيادة رأس المال أو البحث عن شراكات جديدة- ضغوط مباشرة على السيولة، ما يحد من قدرة البنوك على منح القروض.
- تضييق الائتمان وتأثيره على النشاط الاقتصادي، ففي ظل اقتصاد ضعيف ومتأثر بالحرب والعقوبات، فإن أي تقلص في الإقراض يؤدي إلى... بطء نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة- ارتفاع البطالة- تراجع الاستثمارات، خصوصاً في القطاعات الإنتاجية الضرورية لتعافي الاقتصاد.
- تأثير على الثقة والمودعين، فإعلان البنوك عن خسائر محتملة قد يقلل ثقة المودعين، ويدفع البعض إلى سحب أموالهم أو التحوّط بأصول ملموسة، ما يزيد الضغط على السيولة ويعمّق هشاشة النظام المصرفي.
آثار أوسع على الاقتصاد السوري
ضغوط على سعر الصرف والتضخم، فنقص السيولة بالدولار يزيد الطلب على العملات الأجنبية، ما يضغط على سعر الليرة ويؤجج التضخم.
تأثير على الموازنة العامة، فبحال تطلب الأمر تدخل الحكومة لدعم البنوك، فقد يُستنزف جزء من الموارد المالية المحدودة، مما يقلل القدرة على دعم الخدمات الأساسية أو المشاريع التنموية.
تفاقم المخاطر الاجتماعية، فالبطالة المرتفعة وضعف القدرة الشرائية يجعل أي أزمة مصرفية تهدد استقرار الأسر، وقد يؤدي إلى توترات اجتماعية إضافية.
التوازن بين الرقابة وحماية الاقتصاد
القرار قانوني وربما يُظهر حرص المركزي على استقرار القطاع المالي، لكن تطبيقه في ظل اقتصاد هش وضعيف يشير إلى ضرورة ما يلي:
مرونة في تنفيذ المخصصات بما يسمح للبنوك بالاستمرار في التمويل.
البحث عن رأس مال جديد أو شركاء استراتيجيين.
آليات حماية للودائع الصغيرة وتعزيز ثقة الجمهور.
إدارة متأنية لضغوط سعر الصرف والتضخم.
الحاجة إلى إدارة دقيقة ومتوازنة
قرار مصرف سورية المركزي يعكس حزم صارم على الرقابة المصرفية، لكنه يأتي في توقيت حساس، حيث الاقتصاد السوري ضعيف وهش، ويعاني من تضخم مرتفع وانكماش إنتاجي.
فأي تأثير سلبي على المصارف سيترجم سريعاً إلى ضغوط على السيولة، تضييق الإقراض، ارتفاع الأسعار، وتراجع النشاط الاقتصادي، مما يجعل تنفيذ القرار بحاجة إلى إدارة دقيقة ومتوازنة بين حماية النظام المصرفي وحماية الاقتصاد الهش والمجتمع السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249