تصغير القطاع العام... هدفٌ جديد- قديم لوزارة المالية
فرح شرف فرح شرف

تصغير القطاع العام... هدفٌ جديد- قديم لوزارة المالية

في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية في 16 تشرين الأول، صرّح وزير المالية، محمد يسر برنية، بأن «هدفنا أن يكون لدينا قطاع عام أصغر، بميزانية أصغر».

يمثل التصريح نقطة مهمة في مسيرة التصريحات المتوالية للسلطة الانتقالية بما يخص القطاع العام، والتلميحات المتكررة حول ما شكله ويشكله من خسائر على الدولة، ما يعني أن الحكومة الحالية وبعد مرور ما يقارب العشرة أشهر لا تزال تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة للنهوض بالقطاع العام.
فيما يعكس التصريح ما يبدو أنه رد فعل آني على الضغوط المالية، بدلاً من العمل على استراتيجية تنموية شاملة ومدروسة.


غياب الرؤية


يشير الحديث حول تقليص حجم وموازنة القطاع العام، إلى نهج يعتمد على المعالجة السطحية للمشكلات؛ فالقطاع العام ليس عبئاً مالياً، بقدر ما هو عصب الدولة ومحرك أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فالمشكلات التي يعاني منها ليست محصورة في حجمه وموازنته، وتقليص القطاع من دون معالجة قضايا الهيكلة، والبيروقراطية، والفساد، ونقص الكفاءة، سيؤدي حتماً إلى تفاقمها، وتحويله إلى قطاع أصغر حجماً، ولكنه أكثر قصوراً وأقل فاعلية.
كما أن التركيز على «موازنة أصغر» سيؤدي إلى المساس بمرتبات الموظفين وحقوقهم، مما يقلل من كفاءتهم وتحفيزهم، ويزيد من احتمالات هجرة الكفاءات سواء إلى القطاع الخاص أو إلى الخارج. وهذا بدوره سينعكس سلباً على جودة الخدمات الحكومية، ويضعف من قدرة الدولة على استقطاب الكفاءات والمحافظة عليها.


اختزال القطاع العام


يبدو القول «قطاع أصغر بموازنة أصغر» هو الحل الأمثل لمشكلات الكفاءة والفاعلية في المؤسسات الحكومية. ويستند إلى افتراض خاطئ بأن حجم القطاع العام يتناسب عكسياً مع كفاءته، وبأن تقليص الإنفاق الحكومي سيؤدي «حتماً» إلى تحسين الأداء!
وفي ذلك ربط سطحي بين حجم القطاع وكفاءته؛ فالكفاءة في القطاع العام لا تُقاس بعدد الموظفين أو حجم الموازنة، بل تتأثر بجودة الإدارة، وفعالية السياسات، وشفافية الإجراءات، ومستوى التكنولوجيا، وقدرة المؤسسات على التكيف مع المتغيرات.
كما يثير التصريح أيضاً تساؤلات حول النظرة الاختزالية لدور القطاع العام، والتي تختزل قيمته بكلفته المالية فقط، في تجاهلٍ لأدواره الجوهرية والمتعددة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.


ماذا عن القطاعات السيادية؟


ورغم تفسير الوزير لتصريحه بأنه لا يعني خصخصة كل الشركات العامة، وإنما كل حالة ستخضع لدراسة، ليقرروا بعدها إن كان سيتم الحفاظ عليها، أو دمجها، أو خصخصتها. إلا أنه لم يتطرق إلى مصير القطاعات السيادية، أو المعايير التي سيتم على أساسها اتخاذ القرار. لكن التوجه العام للسلطة، والتصريحات الكثيرة لمختلف الوزراء تشير إلى أن خصخصة القطاعات السيادية، بالأخص الطاقة والكهرباء، مطروحة للاستثمار، ويتم ذلك تحت شعارات براقة مثل تخفيف العبء عن الدولة، وتحسين الكفاءة، وجذب الاستثمارات، واقتصاد السوق الحر.
فيما لا يمكن تقييم القطاعات السيادية بمعايير الربحية والتكلفة وحدها، خاصة وأن تجارب الخصخصة السابقة وشعارات الليبرالية نفسها، كان لها نتائج كارثية على الوضع الاقتصادي والمعيشي لغالبية السوريين؛ وأدت إلى الاحتكارات، وارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات، وفقدان الدولة لسيطرتها على الموارد الاستراتيجية.


تمكين القطاع العام وليس «تصغيره»


ي ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعيشه السوريون، لن تكون الخصخصة أو تقليص حجم القطاع العام أدواتٍ للإصلاح الاقتصادي كما يتم الترويج له في كل مقابلة ومحفل، بل وسيلة لتعميق المشكلات وتفاقم الأزمات، حيث المطلوب إصلاح القطاع العام وتمكينه.
فالتصريح يعكس أزمة رؤية أكثر منه أزمة موارد، ويحتاج إلى مراجعة جذرية تستند إلى أولويات الحفاظ على المصلحة الوطنية، والسيادة الاقتصادية والسياسية، وضمان الاستقرار الاجتماعي، وبناء اقتصاد منتج بدلاً من اقتصاد يعيش على فتات القطاع الخاص.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1249