محصول القمح في سورية... تراجع مقلق يهدد الأمن الغذائي

محصول القمح في سورية... تراجع مقلق يهدد الأمن الغذائي

يشكل محصول القمح في سورية ركيزة أساسية في منظومة الأمن الغذائي، إذ يعتمد عليه ملايين السوريين كمصدر رئيسي للغذاء، ولا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي تعيشها البلاد.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً مستمراً في إنتاج هذا المحصول الاستراتيجي، وسط تحديات مركبة طبيعية وبشرية، ما يدق ناقوس الخطر حول مستقبل الأمن الغذائي في سورية.

أسباب تراجع زراعة القمح

بحسب المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، عبد العزيز القاسم، فإن خطة زراعة القمح في مناطق الغاب لم تُنفذ كما كان مخططاً، لأسباب موضوعية متعددة.
في مقدمة هذه الأسباب جاء تأخر هطول الأمطار، ما أعاق تحضير الأراضي في الوقت المناسب، إضافة إلى سرقة معدات الآبار وتهجير الفلاحين من أراضيهم نتيجة الأعمال العدائية لعصابات النظام البائد، ما حرم الكثيرين من ممارسة نشاطهم الزراعي.
إلى جانب ذلك، لعب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج مثل البذار والأسمدة والمحروقات، دوراً كبيراً في عزوف بعض المزارعين عن زراعة القمح، مفضلين محاصيل أخرى أقل كلفة وتحقق هامش ربح أكبر، مثل الشعير أو الخضروات الصيفية.
كل هذه العوامل تضافرت لتقلص المساحة المزروعة إلى 52541 هكتاراً من أصل 63555 هكتاراً مخططاً، أي بنسبة تنفيذ بلغت 83%، مع خروج العديد من الأراضي البعلية من الخدمة الإنتاجية نتيجة الجفاف.

الإنتاج دون التوقعات

التقديرات الأولية للإنتاج تشير إلى متوسط إنتاج 115 كغ للدونم الواحد في الأراضي المروية، و75 كغ في الأراضي البعلية، وهي أرقام متواضعة مقارنة بالسنوات السابقة.
وقد أرجع القاسم هذا الانخفاض إلى تقزّم النبات وضعف النمو وقلة الإشطاءات نتيجة انحباس الأمطار، ما يهدد بتراجع كبير في الإنتاج الوطني من القمح لهذا الموسم.

تحديات إضافية... الآفات الزراعية

لم يقتصر التحدي على الظروف المناخية، بل زاد الأمر سوءاً ظهور آفات حشرية مثل «النطاطات» و«دودة الزرع»، إضافة إلى ظهور محدود لحشرة «السونة»، وإن كانت دون العتبة الاقتصادية.
وبحسب القاسم فإن الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب تتابع هذه الإصابات عبر جولات فنية دورية، وتوجّه الفلاحين لاستخدام المبيدات المناسبة للحد من تأثيرها.

الأمن الغذائي في مهب الريح

في بلد كان يُعرف سابقاً بسلة غذاء تغطي حاجات الاستهلاك المحلي مع فائض تصديري، فإن استمرار تراجع إنتاج القمح يضع السوريين أمام واقع غذائي خطِر.
فالبلاد تعاني منذ سنوات من نقص في الطحين وزيادة الاعتماد على الاستيراد، وهو خيار باهظ التكاليف ويثقل كاهل الاقتصاد السوري المنهك بالعقوبات والحصار.
وقد دفع هذا الوضع إلى تقنين توزيع الخبز، مما أثار قلقاً شعبياً واسعاً.

الحلول المقترحة

للخروج من هذا النفق، يفترض اتخاذ حزمة من الإجراءات السريعة والاستراتيجية الضرورية على المستوى الحكومي الرسمي، منها:
دعم الفلاحين بشكل مباشر، من خلال تقديم البذار والأسمدة والمحروقات بأسعار مدعومة.
تأهيل شبكات الري المتضررة، وتوفير المعدات الزراعية الأساسية، مع تأمين الحماية لممتلكات الفلاحين.
تحفيز الزراعة التعاقدية لضمان تسويق القمح بأسعار مناسبة ومجزية.
التوسع في الزراعة الذكية عبر استخدام تقنيات حديثة لمواجهة التغيرات المناخية.
إطلاق حملات توعية وإرشاد زراعي بشكل مستمر، لمساعدة المزارعين على زيادة الإنتاج وتحسين جودة المحصول.

الحاجة لخطط استراتيجية رسمية وجادة

محصول القمح في سورية لا يُعد مجرد قضية زراعية، بل هو مسألة أمن قومي تمس لقمة عيش المواطن.
فبين تقلبات المناخ وتحديات الواقع، باتت الحاجة ملحة لخطط استراتيجية رسمية تُنفذ بجدية للحفاظ على هذا المحصول الحيوي، وضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1223