سوريا في مواجهة العطش... أزمة الجفاف وتحديات إدارة الموارد المائية
تشهد سورية واحدة من أخطر أزماتها البيئية في العقود الأخيرة، تتمثل في تصاعد حدة الجفاف وتراجع الموارد المائية بشكل يهدد الأمن المائي والغذائي معاً.
فقد أصدرت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في دمشق، في نيسان الحالي، تحذيراً رسمياً بشأن ضعف المخزون المائي نتيجة قلة الأمطار هذا العام.
وأعلنت أنها ستقوم بتعديل برنامج تزويد المياه للعاصمة وريفها، مشددة على ضرورة ترشيد الاستهلاك من قبل السكان.
واقع الجفاف في سورية ظاهرة تتكرر بوتيرة متسارعة
كان الجفاف في السابق يحدث كل 27 عاماً، أما اليوم فقد بات ظاهرة شبه سنوية.
تشير البيانات إلى أن العجز السنوي في المياه بسورية يبلغ نحو 3 مليارات متر مكعب، إذ تحتاج البلاد إلى نحو 16 مليار متر مكعب سنوياً، بينما لا يتوفر فعلياً سوى 13 ملياراً من خلال الأنهار والينابيع والمياه الجوفية، وأحياناً أقل من ذلك.
فعلى سبيل المثال في محافظة اللاذقية، لم تتجاوز نسبة امتلاء السدود 65% من سعتها، ما يهدد الموسم الزراعي، أما في حمص وحماة، فقد تراجع مخزون سد الرستن إلى 54 مليون متر مكعب فقط، مقارنة بـ114 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من العام الماضي، مما ينذر بخطر على مياه الشرب والزراعة خلال الصيف.
الأثر المائي على الزراعة والأمن الغذائي
إن شح المياه لا يقتصر على الاستخدامات المنزلية، بل يمتد تأثيره إلى الزراعة التي تعتمد على 88% من الموارد المائية في سورية.
تشير الإحصاءات إلى تراجع نسبة الأراضي المزروعة إلى 53%، كما تقلصت الثروة الحيوانية بنسبة 39% بين عامي 2008 و2020.
إضافة إلى ذلك، تراجعت قدرة إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة تزيد على 66% بسبب انخفاض منسوب نهر الفرات.
وفي منطقة الجزيرة شمال شرق البلاد، انخفضت معدلات هطول الأمطار بنسبة 60% عن المعدل الطبيعي، ما أدى إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، بالتوازي مع تفاقم أزمة الفرات، الذي تقلصت نسبة تدفقه إلى أكثر من 40% مقارنة بعام 1972.
موارد مائية مهدورة وسوء إدارة
رغم امتلاك سورية موارد مائية طبيعية متعددة، إلا أن سوء الإدارة المزمن ساهم في تفاقم الأزمة.
فالمياه الجوفية تعاني من الإفراط في الضخ دون رقابة، وهناك ضعف في الاستفادة من مياه الأمطار نتيجة غياب أنظمة فعالة لحصاد المياه.
كما أن البنية التحتية الخاصة بمحطات المعالجة ضعيفة ومتهالكة، رغم إمكانية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة أو الصناعة.
نحو إدارة مستدامة وشاملة
للخروج من هذه الأزمة، تقترح بعض الدراسات من قبل المختصين مجموعة من الإجراءات العاجلة، تتمثل بالآتي:
تحديث تقنيات الري بالاعتماد على الري بالتنقيط والرش بدل الطرق التقليدية، لرفع كفاءة استخدام المياه من 40% إلى ما يزيد عن 70%.
ضبط استنزاف المياه الجوفية عبر تنظيم الآبار وحظر الحفر العشوائي، وربط الضخ بأنظمة ذكية.
إنشاء بنى تحتية جديدة مثل السدود الصغيرة، وخزانات لحصاد مياه الأمطار، ومحطات حديثة لمعالجة المياه والصرف الصحي.
تعزيز التعاون الإقليمي، خصوصاً مع دول المنبع كتركيا والعراق لضمان حصة عادلة من المياه المشتركة كنهر الفرات.
التوعية والتثقيف من خلال نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه على مستوى الأفراد والقطاعات، وربطها بتشريعات ملزمة.
التخطيط السليم والاستثمار الفعال
تقف سورية اليوم أمام تحدٍ مصيري يتطلب من صانعي القرار الرسمي، والمجتمع المحلي والدولي، العمل المشترك والسريع لإنقاذ ما تبقى من مواردها المائية.
فالجفاف ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة لتغير المناخ وسوء الإدارة، ويمكن مواجهته بالتخطيط السليم واستثمار كل قطرة ماء بشكل فعال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1223