قضم متتالٍ لمهام سادكوب وخصخصة تتغلغل على حساب دور الدولة!

قضم متتالٍ لمهام سادكوب وخصخصة تتغلغل على حساب دور الدولة!

بعد كثرة الحديث الرسمي عن نقص التوريدات النفطية في جميع المحافظات، والذي تزامن مع تخفيض مخصصات وسائل النقل العامة والخاصة، وتراجع عدد الطلبات بنسب متفاوتة بين مختلف المحافظات، بدأت تظهر أحاديث رسمية مغايرة تتحدث عن انفراجات، سيتم على إثرها البدء بالتسجيل على مادة مازوت التدفئة.

بالمقابل وفي غضون معمعة أزمة المشتقات النفطية المزمنة والمعاناة معها، أعلنت شركة البوابة الذهبية الخاصة عن بدء استقبال طلبات التزود بالمشتقات النفطية لأصحاب الفعاليات الاقتصادية والمنتسبين إلى النقابات!
خلال السنوات الماضية، وحتى تاريخه، ومع كل تخفيض بالتوريدات والحصص والمخصصات التي تقوم شركة سادكوب العامة بتوزيعها، نتيجة لكل الأزمات التي ضربت هذا القطاع وفقاً للتصريحات الرسمية، والذرائع المَسُوقة عبر الجهات الرسمية، كانت السوق السوداء هي البديل في تأمين المحروقات، وبكميات غير محدودة، ولكن بأسعار تفوق الأسعار الرسمية بشكل كبير!
فالأزمات المتكررة والمستمرة، بما فيها المفتعلة في الكثير من الأحيان، كانت بنتائجها تحقق مصالح قلة قليلة من كبار المستفيدين من عمل شبكات السوق السوداء، الذين يجنون أرباحاً طائلة واحتكارية من تجارة هذه المشتقات في السوق السوداء!
الترجمة الحسية والملموسة على أرض الواقع تتجلى في استمرار معاناة الناس والحروب الطاحنة التي يخضونها لمجرد الركوب بوسيلة من وسائل النقل، سواء تجمعات الناس من طلاب المدارس والعمال والموظفين، إضافة إلى المرضى وكبار السن، واضطرار الناس إلى المشي أو التعلق بالسيارات المارة، ناهيك عن طوابير السرافيس الممتدة إلى ما لا نهاية على محطات الوقود!
أضف إلى ذلك خوف الناس من عدم حصولهم على مخصصاتهم الكاملة من مازوت التدفئة لمواجهة فصل الشتاء، بالرغم من الإعلان عن بدء التسجيل على المادة، فالسوابق بهذا الموضوع مسجلة لديهم، وغيرها من المظاهر التي تدل على هول أزمة المحروقات «المفتعلة» التي يقع الناس وحدهم تحت وطأتها!
وكذلك اضطرار الفعاليات الاقتصادية للجوء إلى السوق السوداء لتأمين حاجتها من المشتقات النفطية، مع ما يعنيه ذلك من زيادة في تكاليفها التي تحملها على أسعار سلعها وخدماتها، والتي تجبى من جيوب المواطنين بالنتيجة!
ولكن في عالم موازٍ نلاحظ مظاهر متناقضة على طول الخط مع ما ورد أعلاه، حيث وسعت شركة البوابة الذهبية (المختصة بالخدمات النفطية وتأمين المشتقات النفطية) شريحتها المستهدفة!
فإضافة إلى تأمينها المشتقات النفطية لمجمل الفعاليات الاقتصادية (الصناعية، التجارية، السياحية، الحرفيين) أعلنت الشركة أنها ستشمل المنتسبين إلى مختلف النقابات (نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة المحامين، نقابة المعلمين، نقابة الصحفيين، وإلخ) وبالتالي تأمين الاحتياجات من المشتقات النفطية لهذه الشرائح الجديدة بالكمية التي تتناسب مع دخولهم، حيث حددت الشركة 50 ليتراً من (مازوت– بنزين) شهرياً كحد أدنى، و500 ليتر (مازوت– بنزين) شهرياً كحد أقصى، وبأسعار وزارة النفط ذاتها، مضافاً إليها تكاليف النقل والشحن.
الأكثر من ذلك أن الشركة أعلنت، في ضوء مشاركتها بمعرض الصادرات الذي أقيم منذ أيام في معرض دمشق الدولي، أنها ستوسع مناطق انتشارها بشكل تدريجي لتنتشر محطاتها بمختلف المحافظات السورية، علماً أن مناطق وجودها الحالية متواضعة ومحدودة، في محافظة دمشق بمجمع الماروتا سيتي، وفي محافظة حلب بمنطقة الشيخ نجار، وفي المنطقة الصناعية بحسياء بمحافظة حمص.
ولعله من الطبيعي أن تكون للشركة خطة توسع وانتشار لتستطيع تنفيذ تعهداتها تجاه الشرائح الجديدة التي استقطبت طلباتها، وبحسب كمية الاحتياجات لكل منها، والأهم بغاية زيادة أرباحها من الإتجار بالمشتقات النفطية!
وللمفارقة يجدر التذكير بأن وزارة النفط والثروة المعدنية أُحدثت بموجب المرسوم التشريعي 139 في عام 1966، أي قبل 58 عاماً، ويتبع لهذه الوزارة نحو 21 مؤسسة، منها ثلاث مصافٍ لتكرير النفط، إضافة إلى أن عدد محطات الوقود التابعة لها عبر شركة سادكوب تبلغ نحو903 موزعة بمختلف المحافظات، ناهيك عن العلاقات الدولية مع الدول الأكثر إنتاجاً للنفط على مستوى العالم، ومع ذلك يتجدد سنوياً وشهرياً ويومياً الحديث عن أزمات نقص التوريدات النفطية، وسياسات تخفيض الدعم عن المشتقات النفطية لأنها لا تغطي أسعار التكلفة، وأن الدولة لم تعد قادرة في ظل الأزمة الراهنة والعقوبات الاقتصادية على تحمل أعباء تكاليف الدعم، وغيرها الكثير من المؤشرات التي تدل على أن الدولة غير قادرة على تأمين الاحتياجات اللازمة من المشتقات النفطية، سواء للمواطنين أو للفعاليات الاقتصادية!
على الجهة المقابلة فإن شركة البوابة الذهبية حديثة التأسيس تعلن أنها قادرة على تلبية احتياجات عملائها، بالكميات التي يختارونها ووفقاً للحدود التي أقرّتها، والأغرب أنها بالأسعار ذاتها والتي تحددها وزارة النفط والثروة المعدنية، التي لطالما أعلنت الوزارة أنها أسعار أقل من التكلفة، ما يعني أن الشركة إما أنها تبيع مشتقاتها بخسارة، أو أنها قادرة على إدارة استثماراتها بكفاءة أعلى من كفاءة الدولة، وبالتالي قدرتها على عرض المشتقات النفطية بكلف أقل من كلف الدولة وبيعها بالأسعار ذاتها، أو أن السعر الرسمي الذي يتم الحديث عنه بأنه دون التكلفة هو سعر يتضمن هامش ربح مجزٍ وكافٍ قبلت به الشركة الخاصة لتزيد من فرص تنافسيتها مع سادكوب حالياً!
إن فسح المجال أمام القطاع الخاص لتأمين بعض الاحتياجات من المشتقات النفطية ليس جديداً، فقد سبق أن فسح المجال أمامه لتأمين هذه الاحتياجات لبعض القطاعات والفعاليات الاقتصادية خلال السنين الماضية، وهو ما يعتبر تخلياً عن جزء من مهام وواجبات الدولة، وقضم لمهام وواجبات شركة سادكوب كجهة رسمية تحتكر عمليات توريد وتسويق وبيع المشتقات النفطية افتراضاً، بالإضافة إلى القضم الذي فرض نفسه عبر شبكات السوق السوداء، لنصل الآن إلى حلقة جديدة من القضم تتمثل بتأمين المشتقات النفطية للمنتسبين للنقابات من خلال الشركة الخاصة كما ورد أعلاه!
هذا القضم المتتالي لم يتم الاعتراف به على أنه خصخصة جزئية تمت شرعنتها رسمياً لقطاع المشتقات النفطية على مستوى التوريد والتسويق والبيع، ومع التوسع والانتشار، واستمرار ذرائع نقص التوريدات رسمياً، فإن الخصخصة الجزئية لن يطول عليها الوقت لتصبح كلية، على حساب دور وواجبات شركة سادكوب المفترضة، وعلى حساب المزيد من تراجع دور الدولة والتزاماتها تجاه المجتمع، أفراداً وفعالياتٍ اقتصادية!
كل ما سبق يشير إلى أن الأزمات المستمرة وغير المنتهية على مستوى تأمين المشتقات النفطية كانت غايتها الوصول إلى هذا القضم المتتالي والخصخصة المتغلغلة تباعاً على هذا القطاع، وبغاية جني المرابح الكبيرة منه، سواء عبر شبكات السوق السوداء أو عبر الشركات الخاصة، والتبريرات والذرائع الرسمية دائماً حاضرة، مع الكثير من الإنكار للواقع والوقائع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1193
آخر تعديل على الثلاثاء, 24 أيلول/سبتمبر 2024 17:14