مواصلات العاصمة... آليات ترقيعية للالتفاف على الأزمة!

مواصلات العاصمة... آليات ترقيعية للالتفاف على الأزمة!

أزمة المواصلات مستمرة، والازدحام على المواقف وفي الطرقات وفي الساحات التبادلية على أشده، ومعدلات استغلال الحاجة ترتفع خلال ساعات الذروة صباحاً ومساءً، والذريعة كانت وما زالت مرتبطة بالمخصصات وبالتوريدات النفطية بشكل رئيسي، بالإضافة إلى الكثير من الذرائع والمبررات الأخرى!

فالأزمة معممة على المحافظات كافة، لكنها تظهر بفقاعتها في العاصمة بسبب الكثافة السكانية فيها، مع العلم أن تفاقمها والمعاناة منها أشد بما لا يقاس في مناطق الأرياف المحيطة بالمدن الرئيسية، وخاصة البعيدة عن مراكز المدن، حيث ترتفع معدلات استغلال حاجة المواطنين فيها بشكل كبير، مشكّلةً عبئاً مادياً غير محمول!
مقابل ذلك تمرر بعض الآليات والإجراءات الترقيعية، التي قد تحل جزءاً من المشكلة، لكنها لا تعالجها!
والأسوأ هو المضي قدماً بزيادة الأعباء والتكاليف على وسائل المواصلات من خلال زيادة بعض الرسوم والتكاليف، والتي تزيد الطين بلة على حساب المواطنين ومن جيوبهم بالنتيجة!

آلية جديدة لا تحل مشكلة المواطنين!

كشف عضو المكتب التنفيذي لقطاع التموين والمحروقات في محافظة دمشق قيس رمضان، بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 9/5/2024، عن تطبيق آلية جديدة لتوزيع المحروقات على وسائل النقل العامة، وذلك عبر إتاحة المجال أمام السائقين على المسارات المعتمدة وخطوط النقل العامة في محافظة دمشق باختيار المحطات التي يمكن لهم التزود منها بالمحروقات وذلك عبر تطبيق «وين».
الآلية المقترحة أعلاه أتت مع تفاقم أزمة المشتقات النفطية وتقليص مخصصات وسائل المواصلات، حيث قال رمضان عن قرار إيقاف تزويد المركبات يومي الجمعة والسبت: «لدى حدوث أي تحسن في التوريدات ومخصصات المحافظة ستتم العودة إلى الآلية القديمة وتزويد المركبات يومياً».
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الآلية الجديدة المقترحة أعلاه كانت نتيجة لمطالبات قديمة ومكررة من قبل أصحاب السرافيس وباصات النقل الداخلي، للتخفيف من معاناتهم ومن الازدحام على بعض الكازيات وتحكم أصحابها بهم!
وبحسب رمضان فإن القرار يشمل نحو 4 آلاف سرفيس موزعة بين دمشق وريفها. متوقعاً أن الآلية الجديدة ستوضع في الخدمة خلال 10 أيام، مؤكداً أن القرار اتخذ من لجنة محروقات الفرعية بمحافظة دمشق، وذلك بعد دراسة المسارات المطروحة من هندسة المرور في المحافظة، وبالتالي فتح بطاقات وسائط النقل العام في الكازيات ضمن مسارها من خلال 7 كازيات، مقارنة مع الآلية السابقة التي كان يتم فيها ربط كل خط بمحطة محددة بشكل يدوي، مضيفاً: تم بموجب الآلية الجديدة نقل الصلاحية من المحافظة إلى كل وسيلة نقل وحسب رغبة سائقها.
لا شك أن الآلية المزمعة بحال تطبيقها ستحل جزءاً من مشكلة أصحاب السرافيس ووسائل المواصلات الأخرى، لكنها لن تحل المشكلة الأهم المرتبطة بالمخصصات المسقوفة والمتقلصة بين الحين والآخر، وبالتالي بأزمة المواصلات نفسها المرتبطة بمعاناة المواطنين المستمرة التي لا تحلها مثل هذه الإجراءات والآليات طبعاً!
فبالنسبة للمواطنين، الذين يدفعون ضريبة تفاقم الأزمات، لا تعنيهم الإبداعات في الآليات وتغييرها إلا بقدر انعكاسها الإيجابي عليهم!
فلا تحديد السقف لمخصصات وسائل المواصلات نفعهم، ولا آليات التوزيع المتبعة لهذه المخصصات حققت جدواها بالنسبة إليهم، حتى وضع أجهزة التتبع الإلكترونية لم تخفف من معاناتهم، والأهم من كل ذلك أن ذريعة السوق السوداء للمشتقات النفطية بأسعارها المرتفعة ما زالت ترفع بوجههم من قبل سائقي وأصحاب وسائل المواصلات، بسبب عدم كفاية مخصصاتهم وتقليصها، وذريعة لتبرير استغلال حاجتهم!

مشكلة التوريدات!

بكل وضوح تحدث عضو المكتب التنفيذي بأن حل المشكلة مرتبط «بتحسن التوريدات»، وبالتالي فالمسؤولية بذلك تقع على عاتق شركة محروقات ووزارة النفط!
بالمقابل فقد نقلت صحيفة الوطن بتاريخ 11/5/2024 عن مصدر في وزارة النفط قوله: إن شركة «محروقات» بدأت بتوزيع كميات إضافية من مادة البنزين والمازوت، وإن ذلك سيسهم في انخفاض مدة وصول رسائل البنزين وتحسن تزويد وسائط النقل العامة بمادة المازوت.
وكذلك أكدت وزارة النفط أنه لا صحة لما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن إلغاء استخدام «البطاقة الالكترونية» لتزويد المركبات بالمحروقات.
وحول ذلك نُقل عن مصدر في شركة محروقات، بحسب بعض المواقع الإعلامية بتاريخ 21/5/2024، أنه سيحدث انفراج في أزمة البنزين، حيث تم ضخ كميات جيدة ما سيؤدي إلى خفض مدة الرسائل.
حديث المصادر أعلاه أتى بعد تداول خبر بتاريخ 8/5/2024 يقول إن هناك ناقلة نفط إيرانية بدأت بتفريغ حمولتها في مرفأ بانياس!
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستُحل مشكلة توريدات المشتقات النفطية بشكل نهائي، أم إنها ستُحل جزئياً ومؤقتاً مع تفريغ حمولة الناقلة أعلاه فقط، لتعود وتظهر مجدداً كما جرت عليه العادة، بالتوازي مع زيادة نشاط شبكات السوق السوداء، التي تتوفر فيها المشتقات النفطية، وبالكميات الكافية منها في أي وقت وفي أي مكان؟!

مزيد من التكاليف والأعباء!

تم تركيب أجهزة GPS على جميع وسائل المواصلات والنقل، وذلك بغاية ضبط خطوط سيرها بما يحقق غايتها بخدمة المواطنين، وكذلك لمعرفة معدلات استهلاكها من المحروقات منعاً من الإتجار والتلاعب بها!
وقد تم تسديد قيمة هذه الأجهزة وأجور تركيبها، التي تجاوزت المليون ليرة في حينه، من قبل أصحاب السرافيس ووسائل النقل والمواصلات الأخرى، وهؤلاء بدورهم عكسوها على المواطنين بشكل طبيعي!
أما الإضافة فقد كانت بالرسوم الخاصة لتشغيل أنظمة التتبع الإلكترونية، والتي كانت بمبلغ 45 ألف ليرة كل ثلاثة أشهر، ثم تم زيادتها مؤخراً إلى مبلغ 90 ألف ليرة، أي بنسبة زيادة 100%، بحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، وتأكيدات بعض أصحاب وسائل المواصلات!
وبغض النظر عن مبررات زيادة الرسوم أعلاه وذرائعها، فمن المفروغ منه أنها تشكل عبئاً مالياً إضافياً على أصحاب السرافيس وتكاليفهم الشهرية والسنوية، وهؤلاء سيعمدون إلى جبايتها من المواطنين، بشكل مباشر وغير مباشر!
فقد ارتفعت معدلات استغلال حاجة المواطنين لوسائل المواصلات، كالسرافيس والباصات والتكاسي وغيرها، والتي تزيد من حدتها بعض القرارات الرسمية، والآليات الارتجالية والترقيعية التي يدفع ضريبتها المواطنون من جيوبهم، وعلى حساب وقتهم وتعبهم!
ويبدو أنه لا نهاية لهذا المسلسل الطويل من الأزمات المستمرة، في ظل هذه الأنماط الرسمية من التعامل معها، التي تفاقمها بدلاً من حلها، بل مع خلق أزمات جديدة ومفتعلة بين الحين والآخر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 12:55