العقل الحكومي المعادي لاستكمال المفقرين الحصول على العلم والمعرفة!
سوسن عجيب سوسن عجيب

العقل الحكومي المعادي لاستكمال المفقرين الحصول على العلم والمعرفة!

استعرض وزير التربية في مقابلة عبر إذاعة شام اف ام بتاريخ 3/7/2023 الكثير من العناوين التعليمية والتربوية بحسب المنظور الحكومي، وكذلك عن واقع امتحانات الشهادات ومواعيد صدور نتائجها، مستفيضاً بالحديث وصولاً للإفصاح بشكل غير مباشر عمّا في الذهن الحكومي من استراتيجيات بما يخص القطاع التعليمي!

فقد أبدى الوزير استغرابه مثلاً من إصرار بعض الطلاب على الحصول على الشهادة الثانوية، ويقصد هنا من لم يستطع تجاوز الامتحانات، حيث دعا هؤلاء للتوجه إلى سوق العمل بدلاً من إعادة التقدم للعملية الامتحانية مجدداً، مستشهداً بالتعليم في أوروبا الذي ينتهي بالصف العاشر!

وقد غاب عن ذهن الوزير أن يقول: إن التعلم في أوروبا (بغض النظر عن رأينا فيه)، الذي يدفع نحو التدريب المهني لإكساب المتعلم العلم والمعرفة والمهارة التي تؤهله للخوض في سوق العمل، هي عملية (تعليمية وعلمية ومعرفية وعملية) مأجورة، وبالتالي لا تكلف المتعلم أية تكاليف!

كما جيّر جزءاً من مشكلات السياسات التعليمية والسياسات الاقتصادية العامة إلى تفكير الأهل، فكل سورية بدها ولادها بالطب!

فاستكمال الدراسة والتعلم ليس ضرورة بحسب الوزير، والذهاب إلى سوق العمل مبكراً يعتبر فرصة أفضل.. هكذا!

وكذلك استغرب حال التوتر المرافقة للعملية الامتحانية، فالمشكلة بحسب الوزير بموروث الرعب من البكالوريا، محملاً جزءاً منها إلى وسائل الإعلام، فالإعلام من يوتر الطلاب وذويهم، وليس الامتحان!

ولم يغفل الوزير الاتكاء على الحرب والأزمة لتبرير التقصير، بل أضاف إليها ذريعة الزلزال أيضاً، فسورية منكوبة وتحتاج إلى وقت!

ولعل ما يمكن اعتباره هفوة بكل حديث الوزير، هو اعترافه بتراجع التمويل الحكومي لقطاع التعليم الذي كان 14% من الموازنات السنوية، وقد أصبح الآن 4% منها فقط، وهو ما يفضح سياسات تخفيض الإنفاق العام بآثارها ونتائجها الكارثية على المستوى العام، وعلى مستوى التعليم بشكل خاص!

أما الأكثر غرابة في طرح الوزير، فقد كان بقوله إن سورية بلد سياحي وتجاري، فالسياحة بحسب الوزير تستوعب مئات آلاف فرص العمل، بينما الإنتاج الزراعي غايته تأمين الحاجات الغذائية فقط!

وهذا يذكرنا بمقولة سابقة عن لسان أحد أعضاء المكتب التنفيذي في محافظة دمشق سابقاً، بأن دمشق ليست مدينة صناعة أو زراعة بل هي مدينة مال وأعمال وسياحة!

ما سبق يعبر تماماً عن جوهر وغايات النهج والسياسات المتبعة على المستوى التعليمي، والتي لا تغطيها وتبررها احتياجات سوق العمل كنتيجة يتم التغني بها وفق المنظور الليبرالي، الذي يسوق له بهذا الشكل المشوّه والظالم والتيئيسي!

فأية احتياجات لسوق العمل (هذا بحال وجود مثل هذه السوق بوضعنا الاقتصادي الكارثي الراهن) يمكن أن تؤمن من خلال تكريس عدم جدوى امتلاك العلم، وصولاً لتكريس الجهل والتجهيل، مع التيئيس من اكتساب المعرفة؟!

وأية استراتيجيات مرسومة وفقاً لهذا النهج التدميري والسياسات التمييزية والمجحفة؟!

فالتعليم واكتساب المعرفة وفق المنظور الحكومي أعلاه سيقتصر على من يملك المال، بعد تطفيش البقية الباقية من المفقرين عبر آليات التصفية والفرز المتبعة تجاههم في كل مرحلة تعليمية، وخاصة في منعطفاتها المتمثلة بالعمليات الامتحانية، تكريساً للعداء تجاه هؤلاء!

فبالإضافة إلى سياسات تخفيض الإنفاق المجحفة، وإلى سياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في قطاع التعليم، وصولاً إلى تسجيل المزيد من التردي والتراجع في قطاع التعليم الحكومي على كافة المستويات، فإن شهادة التعليم الأساسي منعطف يتم تقسيم الطلاب بموجبه لتوجيههم إلى الثانويات العامة أو المهنية، وليس وفقاً للمسارات التي تحدث عنها الوزير، والتي تعبر عن رغبات هؤلاء وميولهم، بل بحسب العلامات والسقوف التي تضعها الوزارة كحدود دنيا للقبول بها!

وشهادة التعليم الثانوي منعطف آخر تتم من خلاله المزيد من عمليات التصفية للوصول إلى مرحلة التعليم الجامعي، والمحكومة بدورتين فقط، وبالمفاضلة وسياسات الاستيعاب بين العام والموازي، أو التوجه للجامعات الخاصة المكلفة!

وفي مرحلة التعليم الجامعي، وفي كل سنة دراسية منها، هناك عوامل تصفية إضافية تتمثل بنسب النجاح المنخفضة، وصولاً إلى مرحلة الدراسات العليا المحكومة أيضاً بعدد أعضاء الهيئة التدريسية في كل كلية، وما يقابل كل منهم من عدد طلاب يمكن أن يقبلوا لاستكمال تعليمهم، كتصفية أخيرة لا يصل إليها إلا كل طويل عمر!

وأخيراً، سوق العمل وجيوش العاطلين المنتظرين فيه لأية فرصة، بغض النظر عن دراستهم وميولهم ومعارفهم وخبراتهم، والمحكوم بشروط مجحفة على مستوى الأجور والحقوق!

ليزيد فوق كل ما سبق، الطرح الفج بأن البلد ليس زراعي ولا صناعي، وبالتالي لا حرفي ولا مهني، وكأنه قاحل ماحل لا حياة فيه ولا مواطنين ولا طموحاً ولا آمالاً بتحسين هذا الواقع الكارثي البائس!

فالعقل الرسمي الذي يدير البلاد عبر سياساته التمييزية والطبقية لا يعنيه منها لا زراعة ولا صناعة ولا إنتاجاً ولا علماً أو معرفة كما هو واضح، وكذلك لا يعنيه ما تعيشه الغالبية من كوارث وبؤس على المستوى المعيشي والخدمي، مع خلق المزيد من الأزمات المستنزفة لهذه الغالبية حتى على المستوى النفسي وصولاً للإنهاك الكلي، بل جل ما يريده بالنتيجة هو ما يمكن الاستحواذ عليه من هوامش ربحية ونهبوية تصب في جيوب القلة من كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير!

فهل من إجحاف وظلم وتمييز ولا مبالاة واستهتار أكبر من ذلك، وبكل علنية ووضوح؟!

وما هو مصير البلاد والعباد بظل الاستمرار وفقاً لهذا النهج وهذه السياسات؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:35