السويداء و«السوق الوطنية الواحدة»

السويداء و«السوق الوطنية الواحدة»

حين تضطرب القلوب، ويطغى التحريض والدم على المشهد العام، يحدث أن التفكير السليم يغيب مؤقتاً لدى قسم غير قليل من الناس، بل ويصبح التفكير بعقل بارد وقلب حار، شكلاً من أشكال النضال الوطني، وضرباً من ضروب «مجاهدة النفس» إن استخدمنا الاصطلاح الفقهي.

وعليه، فلنحاول النظر إلى ما جرى ويجري في السويداء، من زاوية أخرى، بعيدة عن التحريض والاقتتال؛ فلننظر إليه من حيث النتيجة، وتحديداً من وجهة نظر اقتصادية-سياسية ووطنية.

كانت قاسيون قد تحدثت مراراً خلال الأشهر الماضية، عن مفهوم «السوق الوطنية الواحدة» بوصفها القاعدة المادية الضرورية لإعادة توحيد البلاد، ولإنهاء حالة تقسيم الأمر الواقع، وبوصفها الأساس الذي لا بديل عنه، للنهوض بسورية اقتصادياً واجتماعياً من تحت الركام.

اليوم، وبعد ما جرى في السويداء خلال الأسبوعين الماضيين، فإن النتيجة الاقتصادية المباشرة التي نراها بأم أعيننا، هي أن الحركة التجارية الطبيعية بين دمشق والسويداء قد انقطعت، وحلّ محلها جزئياً، وبشكل لا يغني عنها، مسار إيصال المساعدات، سواء كانت مساعدات أممية أو أهلية أو حكومية... ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أننا سرنا خطوة إلى الوراء، وليس إلى الأمام، في الوصول إلى «السوق الوطنية الواحدة»، وكنتيجة مباشرة، فإننا سرنا بالتوازي، خطوة إلى الوراء في توحيد سورية والسوريين؛ الأمر الذي يصبح أكثر وضوحاً حين النظر إليه من وجهة النظر السياسية العامة...

في المجال الاقتصادي أيضاً، وبغض النظر عن موضوع العقوبات وقانون قيصر (التي نعتقد أن الأمريكي كاذب في موضوع رفعها، وسيواصل استخدامها لابتزاز سورية والسوريين، بغض النظر عن أي سلوك تقوم به السلطات أو الأطراف السورية الأخرى)، فإن الأكيد هو أن حالة الاضطراب الأمني الإضافي، وحالة القلق السياسي العام التي تعززت بعد ما جرى في السويداء، هي حالة مناقضة تماماً لمقولة استجلاب الاستثمارات من الخارج، بل وحتى للبدء بأي استثمار اقتصادي جدي في الداخل، أياً يكن المجال الذي سيعمل فيه.

عودٌ على بدء، فإنه بين الدروس الواضحة التي يعلمنا إياها ما جرى ويجري في محافظة السويداء، ومن وجهة نظر اقتصادية، هو أن الطريق التي يجري السير فيها، سواء عبر الحلول الأمنية أو الاستناد إلى التدخلات الخارجية، هو طريق معاكس للطريق الصحيح المطلوب وطنياً؛ ما يتطلب تصحيحاً جذرياً للمسار، وبأسرع وقت، وعبر الحوار والتوافق بين السوريين قبل أي شيء آخر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000