باسم التشاركية.. يتم التفريط بمرفق اقتصادي سيادي رابح جديد!
سمير علي سمير علي

باسم التشاركية.. يتم التفريط بمرفق اقتصادي سيادي رابح جديد!

اعترافاً بالعجز الحكومي، وبذريعة ضعف الإمكانات، يتم التخلي تباعاً عن دور الدولة ومهامها وواجباتها، مع التفريط ببعض القطاعات الاقتصادية الهامة، بما في ذلك السيادية منها، لمصلحة القطاع الخاص وكبار أصحاب الأرباح، تارة تحت عناوين الاستثمار، وتارة باسم التشاركية!

فبحسب صحيفة البعث بتاريخ 2/7/2023، ومن «مصادر وثيقة في وزارة النقل»، أن القطاع الخاص سيدخل في عمليات استثمار وإدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي بعملياته الجوية والأرضية، وتنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سورية، بالتوازي مع الدخول في ميدان الخدمات الأرضية من خلال تأمين البنى اللازمة من معدات وشاحنات ورافعات وعربات أرضية تخدم حركة القدوم والمغادرة.. وسيتم توزيع الحصص بنسبة 51% لمؤسسة الطيران العربية السورية و49% للمستثمر الشريك (الذي لم يفصح عنه)، استناداً إلى قانون التشاركية!

قديم مستجد!

الحديث عن دخول القطاع الخاص لاستثمار السورية للطيران والمحاصصة فيها ليس جديداً، فقد طرح لأكثر من مرة خلال العقود الماضية وحتى الآن، وفي كل مرة يكون الحديث مبهماً ومجهولاً بتفاصيله وحيثياته، ليس على مستوى إغفال اسم الشريك المحظي فقط، بل على مستوى تفاصيل الامتيازات والاستثناءات الممنوحة له، والتي من المفترض أن تكون مبوبة بموجب عقد يتناول تفاصيل الجوانب المالية والفنية والاستثمارية، مع الإعلان عن ذلك بشفافية!

وكذلك فإن الطرح القديم المستجد عن نية القطاع الخاص الاستثمار في السورية للطيران، وتتالي ما يرشح عن ذلك من بعض التفاصيل الجزئية في كل مرة، يعني أن هذا القطاع يمثل فرصة ربحية مضمونة للمستثمر، أياً كان هذا المستثمر، وذلك يسقط الذرائع الرسمية عن ضعف الإمكانات أو الخسارات كمبررات للمحاصصة في هذا القطاع، بغض النظر عن نسب ومآلات هذه المحاصصة!

مخالفات دستورية وقانونية!

تجدر الإشارة بداية إلى أن الحكومة ملزمة بموجب الدستور بالحفاظ على الممتلكات والمرافق والمؤسسات العامة، وحسن إدارتها واستثمارها من قبلها بما يضمن مصالح الشعب، وبالتالي فإن دخول القطاع الخاص إلى أي مرفق عام أو مؤسسة يعتبر مخالفة دستورية لا تغطيها القوانين!

ومع ذلك فإن دخول القطاع الخاص للاستثمار في بعض المرافق والقطاعات العامة تحكمه أيضاً العديد من القوانين والتعليمات والقرارات، مثل قانون الاستثمار وقانون التشاركية، على مستوى الشروط والحقوق والواجبات، اعتباراً من الطرح العلني عن ذلك رسمياً، وليس انتهاءً بصيغة التعاقد وتفاصيله، وبموجب أي قانون!

إلا أن ما جرى ويجري حول ما رشح عن استثمار القطاع الخاص في السورية للطيران طيلة السنوات الماضية كان من الواضح فيه غياب العرض الرسمي الذي يفترض أن تعلن عنه وزارة النقل رسمياً، وبالتالي يتم استقطاب العروض المقدمة من المستثمرين استناداً إلى حيثياته، كي يتم اختيار الأفضل منها وبما يحقق الاشتراطات الموضوعة مسبقاً، وصولاً إلى الصيغة التعاقدية التي تضمن حدود الالتزام بالمسؤوليات والواجبات والحقوق بين أطراف التعاقد!

على ذلك فإن الطرح الأخير المعلن عنه أعلاه بحسب صحيفة البعث يتجاوز الدستور، وكذلك يخالف قانون التشاركية نفسه الذي يستند إليه الطرح التشاركي بصيغته وتفاصيله الواردة، بحسب ما رشح عن «المصادر الوثيقة في وزارة النقل»!

فالوزارة لم تعلن عن نيتها طرح السورية للطيران للتشاركية مع مستثمري القطاع الخاص، وصيغة التعاقد بالتراضي لا تنطبق على هذا الشكل من التشاركية والاستثمار، وبالتالي فإن كل ما يمكن أن ينتج عن ذلك يعتبر مخالفاً، فما بني على باطل فهو باطل!

التفريط بقطاع سيادي مرتبط بالأمن القومي!

السورية للطيران بعملها ومهامها ودورها تعتبر من المرافق الاقتصادية العامة المرتبطة بالسيادية الوطنية، والخصخصة باسم التشاركية بحسب السياق أعلاه تتجاوز ذرائع إعادة التأهيل بسبب ضعف الإمكانات والاعتراف بالعجز، إلى التفريط بهذا المرفق السيادي!

فالتشاركية المزمع توقيع عقدها وتنفيذها رسمياً أعلاه بما يخص السورية للطيران ومطار دمشق الدولي تتجاوز الشراكة إلى المحاصصة المجحفة، والخصخصة فيها تتجاوز الجزئيات إلى الكليات على مستوى كافة الأعمال والمهام والامتيازات!

وهذا التفريط لا يعني تخلي الدولة عن بعض المهام والخدمات بما يتعلق بهذا المرفق، بل يعني التخلي عن سلطة الرقابة المركزية للدولة، أي تخليها عن سيادتها عليه!

وبهذا السياق تجدر الإشارة إلى ما كتبته الدكتورة رشا سيروب، أستاذة في كلية الاقتصاد في جامعة القنيطرة سابقاً، تعقيباً على الموضوع بأن «موضوع التشاركية المطروح هو مع مؤسسة الخطوط الجوية السورية (وليس مطار دمشق الدولي)، أي أكبر من قضية استثمار مطار واحد، فـالخطوط الجوية السورية هي المؤسسة التي تقوم إلى جانب نقل الركاب والبضائع عبر أسطولها الجوي- لها حصرية تقديم جميع الخدمات لجميع الطائرات العربية والأجنبية التي تهبط في المطارات المدنية السورية، أي ليس فقط مطار دمشق الدولي، بل الموضوع يمتد إلى جميع المطارات السورية (مطار الباسل في اللاذقية ومطار القامشلي في محافظة الحسكة، ومطار حلب الدولي، إضافة إلى مطار دمشق الدولي) علماً أن جزءاً من المطارات المدنية هي مطارات عسكرية أيضاً. وفي حال نُفّذ المشروع بالصيغة المطروحة، فهذا يعني نقل احتكار خدمات الطيران في جميع المطارات السورية من مؤسسة عامة إلى مؤسسة خاصة تحت مسمى (إدارة واستثمار) - وهذا النوع من المرافق عندما يستثمر من جهات خاصة (قد تكون أجنبية أو أجنبية بلبوس سوري) يهدد الأمن القومي!».

التفريط غير مبرر اقتصادياً فالسورية للطيران رابحة!

السورية للطيران من الشركات الرابحة، وتعتبر من مورّدي القطع الأجنبي للخزينة العامة للدولة، ويعمل بها آلاف العاملين بمختلف الاختصاصات والدرجات العلمية والفنية، والبعض من هؤلاء (الركب الطائر والمهندسين الفنيين) تكلفت عليه الدولة الملايين من الليرات السورية!

فبحسب صحيفة الوطن بتاريخ شباط/2015 أنه «في عام 2014 حققت السورية للطيران أرباحاً وصلت إلى 1,6 مليار ليرة سورية»، وهي بذلك تجاوزت خسارات السنين التي سبقتها، وقد استمرت بحصاد الأرباح سنوياً بعد ذلك!

فبحسب بعض المعلومات المتداولة مؤخراً عبر بعض المواقع الإعلامية، نقلاً عن مصادر في وزارة النقل، أن «الربح الصافي الذي تحقق في عام 2021 وصل إلى 129 مليون دولار للشركة الناقلة لقاء نشاطها داخل سورية، دون حساب عوائد المحطات الخارجية».

فالحديث عن مليارات الليرات السورية من الأرباح السنوية، والتي تتضمن ملايين من القطع الأجنبي كموارد سنوية، هي لا شك أرقام مغرية وقابلة للزيادة، وهي ما تسعى الاستثمارات الخاصة للاستحواذ عليه، مستقوية بالسياسات والقوانين المطبقة، وبالحكومة المحابية لمصالح كبار أصحاب الأرباح على حساب المصلحة العامة!

فبغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال عن التفريط بالمرفق السيادي وبالأمن القومي، فإن التفريط بهذه الأرباح لوحدها، جزءاً أو كلاً، كفيل بتحميل المسؤولية للحكومة عن هذا التفريط غير المبرر اقتصادياً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:36