الحكومة عام 2022.. «الحكي ببلاش»!
قال رئيس مجلس الوزراء في العرض الحكومي عن عام 2022 الذي قدمه أمام أعضاء مجلس الشعب بتاريخ 15/1/2023 إن: «الحكومة رغم الظروف الصعبة قامت طيلة العام المنصرم بعمل دؤوب استطاعت خلاله معالجة الكثير من الإشكاليات وتحقيق الكثير من النتائج الواضحة على المستويين الاقتصادي والخدمي، بما يلبي احتياجات ومتطلبات المواطنين في مختلف المجالات والقطاعات، وبما يضمن تأمين الأولويات من دواء وغذاء ومشتقات نفطية ومدخلات إنتاج».
وقد أسهب رئيس الحكومة في عرض الكثير من المعطيات والأرقام، والتي سنقف عند بعضها، بما يخص بعض القطاعات على أنها إنجازات تسجل للحكومة!
فهل تمت تلبية احتياجات ومتطلبات المواطنين في مختلف المجالات والقطاعات فعلاً بحسب العرض الحكومي، أم أن العكس هو ما جرى خلال العام الماضي؟!
أين هي الأولويات وما هي مآلاتها؟!
استشهد رئيس الحكومة بضمان تأمين الأولويات «من دواء وغذاء ومشتقات نفطية ومدخلات إنتاج»، وهذه الأولويات تحديداً هي التي زادت معاناة المواطنين معها، وارتفعت معدلات الاستغلال فيها!
فأزمة الدواء استمرت، مع تسجيل الارتفاع السعري عليها رسمياً لأكثر من مرة خلال العام الماضي، بل وتفاقمت نهاية العام بشكل كبير، وصولاً إلى فقدان الكثير من الأدوية، مع ما يعنيه ذلك من زيادة معدلات الاستغلال التي يدفع المريض ضريبتها، على حساب ضروراته وصحته وما تبقى من حياته!
أما الغذاء فقد كانت كارثته أشد قسوة على المواطنين، فقد ارتفعت أسعار المواد والسلع الغذائية بشكل كبير خلال العام الماضي، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية المسعرة مركزياً (سكر- رز- بن- شاي- زيت نباتي- سمن- طون- سردين....)، مع استمرار سياسات تخفيض الدعم على المواد الغذائية المدعومة، سواء من خلال الرفع السعري أو من خلال تخفيض مدة الاستلام، ومن خلال سحب الدعم عن شرائح جديدة، أي تقليص أعداد مستحقي الدعم، وصولاً إلى زيادة أعداد المفقرين والمعوزين غذائياً لدرجة الجوع!
لنصل إلى المشتقات النفطية (بنزين- مازوت- غاز) التي زادت أزمتها وتفاقمت ندرتها بشكل غير مسبوق خلال العام الماضي، برغم ما طرأ عليها من ارتفاعات سعرية رسمية بذريعة تأمينها (للمدعوم منها وغير المدعوم)، مع استمرار توفرها عبر السوق السوداء للمضطرين بالكميات الكافية، وبأسعارها الاحتكارية المرتفعة!
ولا ندري كيف استشهد رئيس الحكومة بتأمين مدخلات الإنتاج في ظل استمرار وتفاقم أزمة المشتقات النفطية خلال العام الماضي والتي تعتبر من أهم هذه المدخلات، وصولاً إلى توقف الكثير من القطاعات، جزءاً أو كلاً، بسببها، وما تفرضه ضرورات اللجوء إلى السوق السوداء لاستمرار العملية الإنتاجية على مستوى أسعار السلع والمواد المنتجة بالمحصلة!
مزيد من التراجع لمصلحة الناهبين
فما جرى خلال العام الماضي هو مزيد من التراجع على كافة المستويات (الإنتاجية والخدمية والمعيشية)، والوضع كان من سيئ إلى أسوأ بالنسبة للغالبية من السوريين!
فلا كهرباء ولا مازوت ولا بنزين ولا غاز ولا نقل ولا مواصلات ولا دواء، والأسعار منفلتة وبارتفاع مستمر، والمواطن المفقر كان ضحية لجملة السياسات الحكومية التي زادت الضغوط عليه، عبر آليات وإجراءات تخفيض الدعم، وبسبب الارتفاعات السعرية الجنونية على السلع والخدمات، ومن خلال تكريس تحييد دور الدولة وإبعادها عن مهامها، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، تماشياً مع السياسات الليبرالية الظالمة والمجحفة، وبما يضمن مصالح كبار أصحاب الأرباح المستفيدين منها فقط لا غير (قوى النهب والاستغلال والفساد والنفوذ وتجار الأزمة وأمراء الحرب) الذين زاد تحكمهم بالاقتصاد الوطني، وربما هذا هو ما قصده رئيس الحكومة بقوله: «تحقيق الكثير من النتائج الواضحة على المستويين الاقتصادي والخدمي»!
فكل النتائج الواضحة من السياسات الحكومية كانت تصب بخانة شريحة كبار الناهبين من أصحاب الأرباح، على حساب الإنتاج (الصناعي والزراعي)، وعلى حساب عموم المستهلكين والغالبية المفقرة، وعلى حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!
الطاقة الكهربائية.. مصاريف كبيرة وإنتاج متراجع!
استعرض رئيس الحكومة الكثير من المعطيات والأرقام عن عام 2022 بما يخص قطاع الطاقة الكهربائية.
وفي تكثيف للتكاليف المصروفة التي تم ذكرها في العرض الحكومي، فهناك 852 مليون يورو، بالإضافة إلى 211 مليار ليرة سورية، كان من المفترض أن تزيد معها معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية!
لكن بمقابل هذه الأرقام كتكاليف تم صرفها خلال عام 2022 على قطاع الطاقة الكهربائية فقد تراجع إنتاج محطات التوليد من 2400 ميغا تقريباً في بداية العام الماضي، وصولاً إلى 1700 ميغا في نهايته، طبعاً مع استمرار ذريعة المشتقات النفطية وتوريداتها!
اما الأدهى فهو ما تم عرضه من أرقام بما يخص زيادة إنتاج الغاز خلال عام 2022، والتي بلغت كمجموع 1,200 ألف م3 يومياً، وبمجموع تكاليف قدرها 13,5 مليون دولار بالإضافة إلى 2,5 مليار ليرة سورية، في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة بالتذرع بنقص توريدات الغاز إلى محطات التوليد!
فأين ذهبت التكاليف المصروفة أعلاه، وهذا الكم من الإنتاج الغازي الجديد، طالما لم نلمس أي تحسن على مستوى التوليد الكهربائي، بل تم تسجيل مزيد من التراجع فيه؟!
مكافحة الفساد الخجولة!
بحسب رئيس الحكومة: «بلغ عدد القضايا المنجزة لدى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش /3,385/ قضية، فيما تم تحصيل ما يزيد على /60/ مليار ل.س نتيجة متابعة الهيئة للقضايا التفتيشية في العام الماضي. فيما تجاوزت قيمة المبالغ المكتشفة والمطلوب استردادها لدى الجهاز المركزي للرقابة المالية /100/ مليار ل.س، استرد منها ما يزيد على /20/ مليار ل.س، إضافة إلى عشرات آلاف الدولارات بين متابعة وتحصيل».
الأرقام الواردة أعلاه تعتبر خجولة وهزيلة بالمقارنة مع حجم الفساد الكبير المستشري في البلاد!
فماذا تعني عدد القضايا المنجزة من الهيئة المركزية، بالمقارنة مع ما تم تحصيله، 60 مليار ليرة، ربما لا تعود إلى هذه القضايا فقط، بل لقضايا من أعوام سابقة أيضاً، ودون أي ذكر لإجمالي الذمم بالقضايا المنجزة!؟
أما عن المبالغ المستردّة من الجهاز المركزي، 20 مليار ليرة، فهي أقل من قليلة بالمقارنة مع أصل المبالغ المكتشفة، البالغة 100 مليار ليرة، على قلتها أيضاً!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفساد الكبير غالباً ما يستطيع التهرب من استحقاقات الاكتشاف أو الملاحقات، وفي أحسن الأحوال يتم اكتشاف بعض قضايا الفساد الصغير فقط لا غير، أو يتم التضحية بالبعض من صغار الفاسدين للتغطية على الفاسدين الكبار!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة على سبيل المثال إلى ملف حبوب ومطاحن حلب، الذي كان بعهدة الجهاز المركزي للرقابة المالية، والذي أصدر قراراً بالحجز الاحتياطي على عدد من المنشآت والشخصيات، نتيجة مخالفات مكتشفة أدت إلى خسارة مبلغ تجاوز 38 مليار ليرة في فرع السورية للحبوب في حلب.
فالمبلغ في الملف أعلاه هو من ضمن إجمالي المبالغ المكتشفة من قبل الجهاز المركزي خلال العام 2022 والبالغة 100 مليار ليرة، وإذا ما أضفنا المبلغ المسترد خلال العام والبالغ 20 مليار ليرة، فهذا يعني أن كل بقية المبالغ المكتشفة قيد الاسترداد من قبل الجهاز المركزي تبلغ 40 مليار ليرة، أي بحجم ملف حبوب حلب لوحده!
فهل هذه الأرقام الخجولة والهزيلة تعبّر عن حجم الفساد المتغلغل في مفاصل العمل الاقتصادي والخدمي، الكبير قبل الصغير، في البلاد؟!
الكلام بلا جمرك!
شمل العرض الحكومي الكثير من القطاعات أيضاً، والمعطيات الرقمية الواردة بمتنه يغلب عليها طابع الترويج والتسويق للعمل الحكومي!
فالحديث مثلاً عن «المزايا والمحفّزات التي تضمنها قانون الاستثمار»، وبأنها «بدأت تحظى باهتمام وثقة المستثمرين بشكل حقيقي» بحسب رئيس الحكومة، تمثَّل الدليل عليها بمنح /41/ إجازة استثمار في عام 2022 في قطاعات حيوية أهمها (أسمدة– أدوية نوعية– طاقات متجددة...). وقد بدأت /8/ مشاريع منها بالإنتاج الفعلي...
فماذا قدمت المشاريع أعلاه كأمثلة على أرض الواقع، باستثناء الاستفادة من المزايا والإعفاءات بحسب قانون الاستثمار ولمصلحة المستثمرين المحظيين؟
فواقع الأسمدة أسوأ، كماً وسعراً ومصدراً ومواصفة وتحكماً، وواقع الأدوية أدهى عموماً، والنوعية منها ليست بأحسن حالاً، أما عن الطاقات المتجددة فلها حديث آخر، سواء من حيث التكلفة والجدوى، أو حيث الطاقة المنتجة منها ومحدودية الاعتماد عليها!
وربما لا داعي لتفنيد بقية ما ورد في العرض الحكومي المستفيض أمام مجلس الشعب!
فالكلام الحكومي بلا جمرك، وهو فضفاض بمدلوله، فارغ بمضمونه، كارثي بنتائجه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1106