أزمة غير مسبوقة في قطاع الدواء... وصحة الناس «على الرف»
رند الحسين رند الحسين

أزمة غير مسبوقة في قطاع الدواء... وصحة الناس «على الرف»

تعود أزمة الدواء في الأسواق السورية لتتصدر المشهد من جديد، ولكن هذه المرّة في شكل كارثي أعمق وأشد، وصفه بعض العاملين في المجال بأنه غير مسبوق!

فلم تعد المشكلة فقط في ارتفاع الأسعار، أو انقطاع صنف هنا وصنف هناك، بل تعدّتها إلى شلل شبه تام في حركة التوزيع والبيع والشراء، أدّى إلى انقطاع كمية كبيرة من الأدوية من السوق، ومعظمها أدوية نوعية وهامّة للمرضى المزمنين، فضلاً عن استمرار أزمة انقطاع الحليب في التعمّق.

شهادة صيدلاني

يقول أحد الصيادلة، في محاولة لشرح الواقع الدوائي: «المواطن يُلقي اللوم على الصيدلاني، والصيدلاني يلقي اللوم على المستودع، والمستودع يلقي اللوم على المعمل، في حين أن الجميع متضرر بشكل أو بآخر من الأزمة، ولكن المتضرر الأكبر بلا شك هو المواطن»!
ويضيف: «المستودعات لا تبيع بانتظار نشرة أسعار جديدة، بعدما ارتفع سعر الصرف الرسمي، علماً أن هذا المبرر الأحدث لديها، بعدما كانت مبرراتها هي أزمة البنزين والمحروقات، أو قيامها بعملية الجرد السنوية، فنضطر نحن أيضاً للتوقف عن البيع كي لا نخسر. والمعامل أيضاً توقفت عن البيع وطالبت وزارة الصحة بإصدار نشرة جديدة لتتابع الإنتاج والتوزيع».
واستدرك بالقول: «بعض المستودعات عادت للبيع ولكن بحصص مقننة جداً (علبة علبة من كل صنف) ومستودعات أخرى باتت تحمّلنا على ما نطلبه أصنافاً منتهية الصلاحية».
بالإضافة إلى شهادة الصيدلاني أعلاه، فقد بات واضحاً لكل من يزور أية صيدلية حال رفوفها شبه الفارغة من الأدوية، كمؤشر عن حجم أزمة الدواء الحالية!

أزمة إنتاج في المعامل

نقيب الصيادلة في سورية، وفاء كيشي، قالت في تصريح لها: «إن خسارة المعامل الدوائية في البلاد تقدر بـ 200 % بسبب التوقف عن التصنيع، من دون تسجيل أية إغلاقات حتى الآن»!
رغم أنّ عضواً في المجلس العلمي للصناعات الدوائية قد كشف عن إغلاق «مستتر» لحوالي 15 معملاً دوائياً.
كذلك أكد أحد أصحاب معامل الأدوية في سورية لأحد المواقع الإعلامية أن: «70% من المعامل توقفت عن الإنتاج، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ومعوقات الاستيراد، لافتاً إلى أن رفع سعر الأدوية بنسبة 100% هو غير كافٍ لعودة المعامل إلى الإنتاج بطاقتها الحقيقية، وهناك أصناف تحتاج رفع سعر بنسبة 150% حتى يكون سعرها مناسباً للتكلفة».
مضيفاً إلى أن: «معظم معامل الأدوية تضطر إلى التعامل مع مستوردين ووسطاء لشراء المادة الفعالة، وأحيانا يتم استيرادها إلى بلدان مجاورة، ويتم نقلها إلى سورية، مما يزيد تكاليف الحصول عليها، وهذا لا يُؤخذ بعين الاعتبار عند التسعير»!
وهذا ما يضع إشارة استفهام، ليس حول دور الدولة في عملية استيراد الأدوية وموادها الأولية فقط، بل على مستوى رقابة ومتابعة عمل معامل ومستودعات الأدوية!

بانتظار نشرة أسعار جديدة!

أوضحت نقيب الصيادلة وفاء كيشي أيضاً: أن «واقع صناعة الدواء في البلاد حالياً سيء جداً، في ظل عدم توفر المواد الأولية اللازمة لصناعتها، وارتفاع سعر القطع الأجنبي» معتبرةً أن «تعديل أسعار الأدوية أصبح ضرورة بما يتناسب مع سعر الصرف الحالي، لأنه في حال الاستمرار بالسعر الحالي لا يمكن لمعامل الأدوية الحصول على مواد أولية للصناعة».
وهكذا يبدو وكأنّ النشرة المنتظرة هي الترياق للأزمة الدوائية، في حين أنّه لا يخفى على أحد– وقد ثبت ذلك بالتجربة لأكثر من مرة- أنها بمثابة إبرة بنج فقط لتسكين الاستنزاف الذي يشهده القطاع الصحي، وضمناً القطاع الدوائي.
فالارتفاعات المستمرة التي شهدتها أسعار الأدوية على مدار السنين الفائتة لم تمنع هذا القطاع من التزحلق نحو الكارثة المتوقعة، في ظل استمرار السياسات نفسها والنهج نفسه تجاهه!
على ذلك فإن النشرة السعرية القادمة المتوقعة، وبغض النظر عن نسبة الزيادة السعرية فيها، وما ستشكله من ضغط مادي إضافي على المرضى، فلن تمثل آخر المطاف على مستوى أزمة الدواء المستمرة، أو أزمة القطاع الصحي عموماً، بل ستكون حلقة جديدة في مسلسل هذه الأزمة المستمرة دون حلول ناجزة، مع ما تؤمنه هذه الأزمة من أرباح في جيوب البعض المحظي، كغيرها من الأزمات الكثيرة المستمرة الأخرى!

حليب الأطفال أيضاً

لم تطل أزمة الدواء «غير المسبوقة» الأدوية فحسب، بل وصلت إلى حد انقطاع حليب الأطفال بشكل كامل!
فبعد أن كانت بعض أنواع الحليب تنقطع وتتوفر الأخرى بانتظار رفع الأسعار، أو تباع حصص مقننة منها للصيدليات، عانت السوق الدوائية هذه المرة، وعلى مدار شهر كامل من انقطاع كل نوع للحليب! إلى الدرجة التي بات فيها بعض الصيادلة أنفسهم يسألون بعضهم، عبر مجموعاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، عن حليب لأطفالهم بالذات!
مقابل ذلك، ربما تجدر الإشارة إلى أن سوق تهريب حليب الأطفال انتعشت، مع أرباحها الاستغلالية الاحتكارية طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اللجوء إلى هذه السوق محصور غالباً بالميسورين من المضطرين فقط، في حين يعجز المفقرون عن تحمّل أسعارها وتكاليفها!

«مين سائل عن صحة الناس؟»

أدى انقطاع حليب الأطفال خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى ازدياد حالات سوء التغذية لدى الأطفال في المشافي!
فقد أكّد أحد الأطباء المقيمين في المشفى الوطني في السويداء ازدياد مراجعة الأهالي للمشفى بشكوى آلام معدية ومشاكل هضمية لأطفالهم، كان السبب فيها الاستعاضة عن حليب الأطفال بالحليب الطازج بسبب صعوبة تأمين وغلاء أسعار حليب الأطفال!
كذلك يعاني مرضى الضغط والقلب والسكري من صعوبات في تأمين أدويتهم، فمرضى الضغط اليوم باتوا معرضين أكثر للإصابة بالتجلطات، ومرضى السكري باتوا معرضين أكثر للإصابة بالعمى وبالاعتلالات العصبية!
فبالإضافة إلى انقطاع أدويتهم وغلاء أسعارها (من الممكن أن يصل سعر الأدوية لمريض ضغط وسكري إلى حوالي 70 ألف ليرة شهرياً) فسوء التغذية الحاصل نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وما يرافق ذلك من سوء إعداد للكوادر الطبية، ونقص تجهيزات ومعدّات في المشافي، يفاقم الأزمة سوءاً، ويجعل السؤال حول من يهتم بصحة الناس مشروعاً؟!
ولعل السؤال الأهم: من المستفيد الأكبر من التدهور الحاصل في القطاع الصحي، وفي صحة الناس وحياتهم؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105