فرح ستار٢ صناعة بحرية بمواجهة الصعاب!

فرح ستار٢ صناعة بحرية بمواجهة الصعاب!

لم يذكر التاريخ متى جابت أول سفينة فينيقية غمار البحار، لكنه لم يغفل كيف فرضت صناعة السفن الفينيقية نفسها بمواجهة أهوال البحار، وما حملته معها من حضارة، وما تركته من إرث حي ومستمر حتى تاريخه.

في الماضي القريب كانت سفينة (اليمامة) أول سفينة تجارية انطلقت من أرواد (في القرن الماضي)، لتتبعها السفينة (فينيقيا) التي صنّعها حرفي واحد من نفس البلدة (وهي تركن الآن في المتحف الحربي البريطاني)، وصولاً إلى السفينة (فرح ستار١) التي تم تصنيعها على أيدي حرفيين وفنيين مهرة منذ عام ونصف، وليس انتهاءً بسفينة (فرح ستار٢) التي صنعت في ميناء بانياس الصغير والمتواضع، عبارة عن مسيرة مستمرة دون انقطاع تعيد الألق للمنطقة بصناعتها البحرية.
فما قام به الصناع والحرفيون المهرة دليل قاطع على أن جذور الصنعة الفينيقية مازالت موجودة ومتوارثة، وهؤلاء هم حراس هذا الإرث الحضاري.
وهذه الصنعة والحرفة الحضارية الموروثة، شأنها كغيرها من الحرف والصناعات، تواجه الكثير من الصعوبات والمعيقات!

مراسم وشهادات

برعاية رسمية، وحضور مكثف وفاعل لممثلي اتحاد الحرفيين في طرطوس، جرت مراسم تعويم السفينة فرح ستار٢ في ميناء مدينة بانياس يوم الخميس الواقع في ٦/١٠/٢٠٢٢م، وقد سبقتها السفينة (فرح ستار1) في الأعوام القليلة الماضية، وصناعة هاتين السفينتين، اعتباراً من تحضير ألواح الصفيح، وصولاً إلى الإبحار، صنعتا بخبرات كوادر محلية وبأيدي حرفيي المنطقة.
وقد تحدث مالك السفينة، القبطان خليل بهلوان، عن ميزات هذه السفينة ومهامها، والخدمات التي تؤديها داخل المياه الإقليمية السورية، بأن هذه مهمة آنية للظروف التي تعيشها بلدنا، لكنها مصممة للإبحار في كل بحار الأرض، وهذه السفينة (فرح ستار٢) كمثيلتها (فرح ستار١) تزود السفن بالخدمات مهما كانت أنواع السفن وحمولتها، سواء كانت عربية أو أجنبية، بمياه الشرب، والمازوت أو الفيول، وبراميل (زيت الديزل).
وبحسب المهندس طلال طه، وهو مهندس السفينتين ومن الكوادر الفنية، فقد قال: بأن كل مراحل التصنيع كانت بأيدي حرفيين مهرة عملوا المستحيل، ومقصات الحديد بواسطة الهيدروليك (ضغط الزيت)، ولحمها بالشلمون، والحديد خاص بالبحر، وقادرين على تصنيع مراكب تجارية، وتقوم ورشتنا بالعمارة لكثير من السفن التجارية، ومنذ عام ١٩٩١م ونحن نبني الزوارق للشركة السورية لنقل النفط، وللقطاع الخاص، ومنذ ٢٠٠٧ حتى ٢٠٠٩م صنعت ٣٥ ببوراً، وقمنا بتحويل (١٠) سفن تجارية إلى سفن لنقل الأغنام، منها ما يتسع لـ (١٠) آلاف رأس بقر، ومنها ما يتسع لـ (٢٣٠_٢٤٠) ألف رأس غنم، وقامت الورشة بتصنيع (١٠) قواطر، كل قاطر طوله (١٧)م لجر البواخر من (٣_ ٤) ألف طن، وقادر على جر السفينة المغروزة بالرمل أو المجنحة، ويطلب من الورشة أعمال غير قادرة على إنجازها بسبب وضع الورشة خارج البحر!
وعن العمالة قال: تعلّمَ في ورشتي ما يقارب (٢٠٠٠) شخص، وكان عندي قبل الأزمة ما يقارب (٢٠٠) عامل.

متطلبات ملحّة

تحتاج هذه الحرفة (صناعة السفن المعدنية، وزوارق الصيد الخشبية، وزوارق النقل والترفيه) إلى اهتمام رسمي خاص، وخاصة تأمين المكان المناسب القادر على استيعاب كامل الحرفيين والفنيين في مكان واحد، وذلك ممكن عبر التالي:
إما بإنشاء أحواض جافة كبيرة، مع إمكانية تعويم سهلة، فالمزلقان قصيران، والحاجة إلى طول وعرض أكبر.
أو إنشاء أماكن خاصة لهذه الصناعة (المتوارثة تاريخياً) ضمن أحواض خاصة في البحر تلبي كل احتياجات ومستلزمات هذه الحرفة، وهو الأهم.
وبنفس الوقت أن تكون هذه الأحواض قادرة على استيعاب السفن التجارية الكبيرة التي تحتاج لعملية العمرة، بدل أن تذهب هذه السفن (ومعظم مالكيها سوريون) إلى الموانئ التركية أو اليونانية.... أو غيرها، إضافة إلى مساهمتها في تشغيل الكوادر الفنية السورية (كجبهة عمل) تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وخزينة الدولة بالعملات الأجنبية.
وهذه الحرفة (سواء استخدمت الصفيح أو الخشب) بحاجة إلى الكثير من أدوات ولوازم الإنتاج، وهناك جهود مضنية (شخصية) تقع على كاهل المصنعين والحرفيين في تأمينها، منها:
عملية تأمين الأخشاب الخاصة لصناعة الزوارق الخشبية، التي تحتاج لنوع خاص من الأخشاب، وخاصة جذوع أشجار محلية (السنديان- التوت- الكينا ...).. وصعوبة نقلها، والضوابط القانونية في التعامل مع هكذا أخشاب.
إضافة إلى تأمين أهم عنصرين في عملية التصنيع هذه، وهي مستلزمات الديزل والكهرباء، مع تسهيلات لتوفير أسطوانات الأوكسجين والغاز بشكل أفضل.
فعلى سبيل المثال في عملية صنع السفينتين المذكورتين تم قص حوالي (٤٠٠) ألف طن صفيح على المولدات!

ضوابط وحقوق تنظيمية

حتى الآن لم يتم تنظيم العاملين في هذه الصناعة في اتحاد الحرفيين، رغم الجهود المتواضعة سابقاً، والتي مازالت قائمة بوتيرة أكبر حالياً.
فهذه الصناعة، إضافة إلى احتياجاتها الملحة إلى رعاية رسمية لكي توازي مثيلاتها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وغيره، بحاجة إلى عمل دؤوب لتنظيم حرفييها وعامليها هم ضمن اتحاد الحرفيين (جمعية بناء السفن والزوارق الخشبية) التي يجب أن تحدث من أجلهم، مع توسيع القاعدة التنظيمية والخدمية والحقوقية لهذا التنظيم الذي لم يكتب لكثير من خطواته النجاح، وأهمها (قانون التقاعد_ العجز والشيخوخة)، والذي تم العمل عليه منذ ٢٠٠٥م، وتم إقراره ووضع اللائحة التنظيمية له، وتم تسجيل الحرفيين فيه، وأوقف العمل به وتم تجميده آنياً!
فسفينتا ستار1 و2 لن يكتمل الفرح بهما، كصناعة وحرفة موروثة مستمرة ومتطورة، إن لم يتم تذليل الصعوبات والمعيقات التي تواجه هذه الصناعة وحرفييها المهرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:51