من عالم آخر غير عالمنا وضروراتنا واحتياجاتنا!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

من عالم آخر غير عالمنا وضروراتنا واحتياجاتنا!

تقيم وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة الاستثمار السورية ملتقى الاستثمار السياحي يومي 16-17 تشرين الأول الجاري في فندق الداماروز بدمشق، برعاية رئيس الحكومة.

لن نقلل من أهمية الاستثمار السياحي، لكن من يرى الاهتمام الحكومي منقطع النظير بالمشاريع وخطط الاستثمار السياحي، وحملات التغطية الإعلامية التسويقية والترويجية لها، يظن أن كل ما عداها من مشاريع وخطط بخير تام!
فالصناعة يظنها منتعشة ولا تعاني من أية صعوبات، والزراعة والتنمية الزراعية يظنها على أحسن حال دون معيقات، والخدمات يظنها على ما يرام دون ترهل ومنغصات، ويظن بأن السوريين بأحسن حال!

48 موقعاً بملكية عامة معروضة للاستثمار

بحسب الصفحة الرسمية للحكومة: «يتضمن الملتقى عرض مواقع للاستثمار السياحي بالتنسيق مع الجهات العامة والوحدات الإدارية والمنظمات الشعبية المالكة للأراضي التي ترغب بطرحها للاستثمار السياحي».
وفي التفاصيل هناك 25 موقع عرض استثماري موزعة على بعض المحافظات، وهي مستكملة لكافة الإجراءات القانونية والتنظيمية وجاهزة للتنفيذ فور توقيع العقد مع المستثمر، بالإضافة إلى 17 موقعاً تحت مسمى «العرض الترويجي»، تعود بملكيتها لجهات من القطاع العام والمنظمات الشعبية، تتطلب استكمال بعض الوثائق والثبوتيات، وكذلك هناك 6 مواقع تحت مسمى «السياحة الشعبية» باشتراطات محددة، وبمجموع 48 موقعاً بملكية الجهات العامة والوحدات الإدارية والمنظمات الشعبية معروضة للاستثمار، مقابل 23 موقعاً عائداً بملكيته لمستثمرين من القطاع الخاص، وبمجموع عام للمواقع المعروضة للاستثمار في الملتقى يبلغ 71 موقعاً، ستكون من نصيب بعض المستثمرين المحظيين الباحثين عن فرص الربح السريع والمضمون طبعاً.

الأرباح السريعة والكبيرة والمضمونة

بات من المعروف أن الاستثمار في المشاريع السياحية، وخاصة الترفية والترفيهية الخاصة بالنخبة، تعتبر مضمونة الأرباح، بل الأرباح الكبيرة والسريعة، وخاصة في ظل الاستفادة من الامتيازات الممنوحة للمشاريع الاستثمارية على مستوى الإعفاءات الضريبية والجمركية، والامتيازات على مستوى التمويل والإقراض وتسهيلات التسديد، وغيرها من الامتيازات والتسهيلات الأخرى المقوننة.
ويضاف إلى كل ما سبق من امتيازات وتسهيلات ما يمكن الاستفادة منه خارج حدود القوننة عبر أقنية الفساد المتسعة، ولعل 48 موقعاً بملكية عامة معروضاً للاستثمار السياحي في الملتقى يمكن اعتبارها بوابة مشرعة للمحسوبية والفساد، سيستفيد منها بعض المستثمرين ليزيدوا من معدلات أرباحهم!

أمثلة قريبة بعوائد استثمارية محدودة

من المشاريع الاستثمارية السياحية التي حظيت بالاهتمام الحكومي خلال الفترة القريبة الماضية:
مشروع سياحي في اللاذقية من سوية 4 نجوم، وبكلفة تقديرية 150 مليار ليرة، سيؤمن نحو 1300 فرصة عمل، وسيحقق إيراداً قدره مليار ليرة سنوياً لمجلس مدينة اللاذقية.
مشروع سياحي آخر في دمشق من سوية 5 نجوم، وبكلفة تقديرية 26 مليار ليرة، سيؤمن نحو 200 فرصة عمل، وسيحقق إيراداً قدره مليار ليرة سنوياً لنقابة المعلمين.
وبحسب رئيس الحكومة، خلال افتتاح أحد المشاريع الاستثمارية السياحية أعلاه بتاريخ 12/10/2022، فإن: «انتعاش السياحة يمثل صورة عن الاستقرار وعودة الأمن والأمان إلى سورية وأن إنجاز المشاريع دليل على التعافي وفرصة لتشغيل اليد العاملة»... ويضيف: «بعد /12/ عاماً من الحرب والحصار على سورية دليل على أننا قادرون رغم الحصار أن نعمل ونصنع وبإمكانياتنا الذاتية».
وبالعودة إلى المشاريع أعلاه كأمثلة نتساءل:
هل التعافي يتمثل بالفنادق والمنتجعات وملاعب الكرة الشاطئية والغولف وخدمات الترف والترفيه، المخصصة لنخبة النخبة من الأثرياء؟!
وهل بعد 12 عاماً من الحرب والحصار يمكن اعتبار الاعتماد على بعض مشاريع الاستثمار السياحي، بعائد أقل من متواضع يبلغ ملياري ليرة سنوياً، و1500 فرصة عمل متوقعة، هو صورة عن الاستقرار وعودة الأمن والأمان؟!
على ذلك يمكننا أن نتوقع كم ستكون العائدات الاستثمارية من عرض 48 موقعاً بملكية عامة خلال الملتقى السياحي أعلاه، فهي لن تتجاوز الأرقام الخجولة والمحدودة السابقة (بحدود مليار ليرة لكل منها سنوياً لصالح الجهة العامة المالكة)، مقابل المليارات المضمونة التي سيجنيها المستثمرون المحظيون من أرباح صافية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جل رأس المال المستثمر من قبل كل من هؤلاء المحظيين سيكون مغطى من خلال القروض المقوننة مع تسهيلاتها وامتيازاتها!
فأية فرصة ربح مضمون ومرتفع وسريع أفضل من ذلك بالنسبة لهؤلاء؟

ليس تناقضاً بل هي سياسات ظالمة ونهج تدميري

ليس بعيداً عن كل ما سبق، وبالعمق في واقعنا ومعاناتنا في ظل الأزمة الخانقة المستمرة، ومع استمرار التذرع بالحصار والعقوبات، واستمرار تراجع مستويات الإنتاج، وبالتالي تراجع فرص العمل، وبواقع يعاني فيه غالبية السوريين من انعدام الأمن الغذائي، نتساءل:
أين الامتيازات والتسهيلات الفعلية المقدمة لمشاريع الإنتاج الحقيقي (الزراعي والصناعي والحرفي)؟
وهل الزراعة والإنتاج الزراعي، أو الصناعة والإنتاج الصناعي، لا يعتمدان على إمكاناتنا الذاتية، ولا توفران فرص العمل؟!
وأين الاهتمام الجدي بالبنى التحتية (كهرباء- مياه- طرق...) وبالخدمات العامة (صحة- تعليم- مواصلات...)؟
وأين حقوق الغالبية المفقرة، ليس بالترفيه والترف والمتنفسات، بل بضرورات الحياة نفسها التي يتم استنزافها واستنفاذها يومياً؟
فواقع الحال يقول إن الإنتاج الحقيقي، (عامّاً أو خاصاً)، (صناعياً أو زراعياً أو حرفياً)، في تراجع مستمر عاماً بعد آخر، وما يزيد الطين بلة استمرار سياسات تخفيض الدعم على مستلزماته، وخاصة على حوامل الطاقة، مع زيادة معيقاته وصعوباته، يضاف إلى ذلك حال التردي المعيشي والخدمي الذي تدفع ضريبته الغالبية المفقرة منفردة!
فخلال السنوات السابقة جرى عقد ما سمي بمؤتمرات وملتقيات الصناعة، التي لم توضع قراراتها وتوصياتها موضع التنفيذ، رغم أهميتها وضرورتها باعتراف الرسميين، وأيضاً تم وضع العديد من الخطط الزراعية، التي لم تنفذ، مع استمرار التأكيد الرسمي الخلبي على دعم الإنتاج الزراعي، بالتوازي مع تسجيل المزيد من التراجع بهذا الإنتاج موسماً بعد آخر، وخاصة بالنسبة للمحاصيل الإستراتيجية، وكذلك استمرار التدهور المعيشي والخدمي، والاقتصادي العام، كأحد النتائج الحتمية لكل ما سبق من نهج تدميري لكل ما هو منتج في البلاد، وكل ذلك بسبب جملة السياسات الظالمة والمنحازة طبقياً لمصلحة القلة الناهبة والفاسدة، المتحكمة بمقدرات البلاد وبمصير العباد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:50