لهاية التريندات سياسة أيضاً!
ليس غريباً أن يتم توجيه الأنظار إلى بعض القضايا الثانوية والهامشية على حساب القضايا الأساسية، لتصبح هي مثار التركيز والاهتمام عبر الكثير من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مع تكثيف حملات التسويق والترويج لها لتصبح وكأنها تعبر عن «رأي عام» بالنتيجة!
والأمثلة على ذلك أصبحت أكثر من أن تعد محلياً، فكل يوم هناك «تريند» إعلامي جديد يتم إلهاء المواطنين به، مع الإغراق في تفاصيله وبكثرة الآراء المختلفة والمتباينة المطروحة حوله، سبباً وتوصيفاً وتأويلاً واستنتاجاً ومآلاً، ليخبو لاحقاً فاسحاً المجال أمام «تريند» جديد.. وهكذا في دوامة إلهاء عبثية وغير مجدية بالنسبة للناس وقضاياها ومصالحها الحقيقية، إلا لمصلحة القائمين عليها، ومن خلفهم من قوى فاعلة ومؤثرة ومتنفذة، من مصلحتها استمرار إلهاء الناس وتغييبها عن قضاياها الأساسية والمصيرية، ولتخلو لها ساحات العمل، نهباً واستغلالاً وفساداً، بما يحقق مصالحها فقط بالنتيجة، وهو ما يجري عملياً.
مزيد من الإشغال
ما سبق ليس بجديد عموماً، فهو جزء من الاستراتيجية الإعلامية المعلنة التي اعتمدتها، ونظرت لها وبوبتها النظم الليبرالية النهبوية الغربية في سياساتها تجاه تكوين، وإعادة تكوين ما يسمى «رأي عام»، كجزء من أدوات التحكم بالمجتمعات، التي تضعها وتمارسها النخب السياسية الاقتصادية المتحكمة في تلك المجتمعات، وبما يحقق مصلحتها، مع مساعي ضمان ديمومتها واستمرارها على طول الخط، ما أمكن لها ذلك.
وقد أصبح ذلك منذ فترة ليست بعيدة نهجاً واستراتيجية، رسمية وشبه رسمية، على المستوى المحلي، مع مزيد من تراكم الخبرة فيها إدارة وتحكماً، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض المجموعات والصفحات المتحكم بها، وبما يحقق مصالح الناهبين من أصحاب الأرباح محلياً، المستفيدين من السياسات الليبرالية الرسمية المطبقة.
فالمواطنون الذين باتوا مشغولين حتى «قراقيط آذانهم» بهموم ومشاكل وأزمات الغاز والمازوت والبنزين والمواصلات والرز والسكر والخبز و.. المفتعلة غالباً، وكذلك بالهموم والمشاكل والأزمات المعيشية والخدمية الكثيرة الأخرى، وصولاً إلى حدود الجوع وهدر الكرامات، بسبب جملة السياسات الظالمة المعمول بها بالضد من مصلحتهم، ولمصلحة أصحاب الأرباح من كبار الناهبين والفاسدين في البلد، بات جزء منهم أيضاً مشغول عنوةً بالتريندات المسوقة إعلامياً، لتسلب ما تبقى وغير مستهلك من وقت بالانشغال بها، وبحيث تصبح المشاكل والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية العميقة بعيدة عن اهتمامات هؤلاء، وبالتالي بعيدة عن إمكانية إيجاد الحلول الجدية والنهائية لها، وهو المطلوب كاستراتيجية نهبوية قائمة من هذه النماذج الإعلامية المدارة والمتحكم بها، بالتوازي مع كل آليات النهب والاستغلال، المشرعنة وغير المشرعنة، عبر السياسات الليبرالية الرسمية المعمول بها!
مزيد من السطحية والانتظارية
هذا النهج من العمل الإعلامي، بالتوازي مع غيره من أنماط التعبئة الإعلامية السلبية الكثيرة الأخرى، لا يسعى لإبعاد الناس عن قضاياها الأساسية فقط، بل يسلبها حتى طريقة التفكير السليمة والمنطقية في معالجتها أيضاً، بحال أتيح المجال أمامها لذلك طبعاً!
فالزخم الاعلامي المصاحب للتريندات اليومية واللحظية يسعى جاهداً لتكريس أنماط من السطحية، بل والتفاهة، في رؤية ومعالجة القضايا الثانوية والهامشية المطروحة عبرها، والأهم، تكريس عامل الانتظارية لحلها، بعيداً عن الأدوار المفترضة لما يمكن تسميته «رأي عام» بمثل هذه التريندات.
فتكريس السلبية هو الغاية النهائية المرجوة من هذه الاستراتيجية، والتي يسهل من خلالها المزيد من التحكم والسيطرة، ليس على مستوى القضايا المطروحة بتبويباتها (ثانوية كانت أو أساسية) فقط، بل بالمجتمع عموماً، وبمصيره ككل.
وبكل اختصار فإن كل «ترند» إعلامي سطحي جديد هو وسلة الهاء وتغييب للناس عن القضايا الأساسية واجبة الحل لمصلحتها، وما أكثرها، بغايات سياسية اقتصادية تعمل لتكريس وتأبيد القائم من موبقات وسلبيات يتحمل وزرها الغالبية المفقرة والبلد بآن معاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1086