السياسات النابذة واستغلال الحاجة لجواز السفر!
عاصي إسماعيل عاصي إسماعيل

السياسات النابذة واستغلال الحاجة لجواز السفر!

رفعت وزارة الداخلية رسم جواز السفر الفوري، من مبلغ 300 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة دفعة واحدة، وذلك حرصاً منها «على تلبية رغبة الإخوة المواطنين الذين هم بأمس الحاجة الضرورية للحصول على خدمة جواز السفر»، بحسب ما ورد في تعميمها المؤرخ في 3/9/2022.

ولم تعلن الوزارة في تعميمها عن أية مبررات تستدعي وتبرر هذا الرفع السعري لجواز السفر الفوري بهذا الشكل، سوى عبارة حرصها على «تلبية رغبة الإخوة المواطنين»، وكأنه تحقيق لمطالب هؤلاء!
بمعنى آخر، وبكل وضوح، فإنها تستغل حاجة المواطنين المضطرين للحصول على هذا الجواز الفوري لأبعد الحدود، وخاصة مع تزايد أعداد طالبي الحصول على جواز السفر!
ولعل السؤال الهام الواجب طرحه هو: لماذا تتزايد أعداد طالبي الحصول على جواز السفر، وصولاً إلى هذا الشكل المستفز من الاستغلال الرسمي لحاجات هؤلاء؟

الأغلى عالمياً

بناء على ما سبق فقد أصبح جواز السفر السوري «الفوري» من أغلى جوازات السفر في العالم، فبحال تم الحساب على الدولار فقد أصبح أعلى من وسطي الأسعار العالمية، أما بحال الحساب على مستوى الدخل فيعتبر الأعلى سعراً دون منافس!
فبحسب السعر الرسمي للدولار محلياً والمقدر بـ 2500 ليرة، فإن مبلغ 500 ألف ليرة تعادل ما يقارب 200 دولار، وبحسابات الأجر الشهري الرسمي فإنها تعادل وسطي مجموع الأجور لمدة 4 أشهر!
فهل من استغلال رسمي لمن «هم بأمس الحاجة الضرورية» أكبر من ذلك؟!

بوابة استغلال

يشار الى أن الوزارة لجأت خلال الفترة الماضية الى اعتماد منصة إلكترونية للتسجيل على جوازات السفر، وذلك بسبب كثرة أعداد طالبي الحصول على جوازات السفر، والازدحام الشديد أمام مديريات الهجرة والجوازات في المحافظات، وقد ترافق هذا الازدحام مع الكثير من عوامل الاستغلال والفساد، حيث تم التخلص من الازدحام الفيزيائي عبر تحويله إلى ازدحام إلكتروني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الإجراء ربما خفف من عوامل الاستغلال والفساد، لكنه لم يمنعها تماماً.
وكذلك لجأت الوزارة خلال الفترة الماضية إلى رفع رسم خدمة الحصول على جواز السفر، للعادي والمستعجل والفوري، مع التسديد المسبق لهذا الرسم عبر المنصة الإلكترونية، ومع ذلك فإن مواعيد الاستلام بعد الحجز المسبق عبر المنصة لجواز السفر العادي وصلت إلى عام 2024.
وأمام هذا الازدحام الإلكتروني للجواز العادي، والمواعيد البعيدة للحصول عليه، تبدو مروحة مفردة «الاضطرار» واسعة جداً، لكنها بآن تعتبر فرصة استغلال كبيرة، وقد بادرت الوزارة لتكون هي بوابة الاستفادة منها وفقاً للرسم المقابل لها بحسب التعميم أعلاه!
ولا ندري ما في جعبة الوزارة من جديد في قادم الأيام في ظل هذا النمط من التعامل مع حاجات المواطنين المتزايدة للحصول على جواز السفر، بغض النظر عن تسمية طريقة الحصول عليه (عادي- مستعجل- فوري)، ونمطها (إلكتروني أو مباشر)، مع رسومها وعوامل الاستغلال بها!

السياسات النابذة وتزايد الطافشين

لا جديد بما يخص زيادة أعداد طالبي الحصول على جوازات السفر الراغبين بالخروج من البلد بحثاً عن فرص حياة ومعيشة أفضل، لكن المستجد دائماً هي آليات التطفيش والنبذ من البلد، المباشرة وغير المباشرة، والتي تزيد من أعداد هؤلاء يومياً.
فظروف الواقع السياسي العام في البلاد بحد ذاتها تعتبر نابذة، والظروف المعيشية القاسية، بالتوازي مع قلة وانعدام فرص العمل، ومعدلات الفقر المتزايدة وصولاً إلى حدود الجوع، على أدهى وأمر كمؤشر من مؤشرات النبذ الطاردة لأبناء البلد، والتي تتضافر مع ظروف ونتائج الحرب والأزمة، وتداعياتها المستمرة، مع آثارها الكارثية التي يدفع ضريبتها الغالبية المفقرة والمهمشة فقط لا غير، ليتوج كل ذلك مع جملة السياسات الليبرالية الطبقية والتمييزية كعامل رئيسي مسبب للنبذ والتطفيش من البلد!
فالبلد وفقاً للسياسات المطبقة لم تعد تصلح للعيش بها، اللهم باستثناء صلاحية ذلك للقلة من كبار أصحاب الثروة الناهبين والفاسدين والمتنفذين، وكل ما عدا ذلك من شرائح اجتماعية باتت الحياة صعبة بالنسبة لهم داخل البلد لدرجة الاستحالة!
فالطافشين والباحثين عن ملاذات حياة خارج البلد باتوا من كافة الشرائح الاجتماعية (صناعيين وتجار وأصحاب الكفاءات العلمية وحرفيين ومهنيين ومزارعين و..، ومن كافة الأعمار، ومن كافة مناطق البلاد، سواء كانت تحت سيطرة الدولة أو خارج المناطق المسيطرة عليها)، وطبعاً لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً في ظل جملة الصعوبات والمعيقات التي تواجه هؤلاء داخلاً وخارجاً!
فكافة هؤلاء يعتبرون من المتضررين المباشرين من نتائج السياسات المعمول بها، ويعانون من مشقات الحياة داخل البلد، والتي قد تبدأ بسبل العيش وضرورات الحياة اليومية، ولا تنتهي عند حدود الأفق المغلقة أمامهم، وخاصة لفئة الشباب (ذكوراً وإناثاً)، مع كل مساعي التيئيس من أي تغيير إيجابي يصب بمصلحتهم على هذا المستوى، وما بين هذا وذاك من عوامل الاستغلال وهدر الكرامات المتزايدة!
ومن البداهة أن كل ذلك سيستمر، ولا فكاك منه ومن نتائجه الكارثية على كافة المستويات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية و..)، إن لم يتم البدء بالحل السياسي وصولاً إلى التغيير الجذري والعميق والشامل المطلوب، كضرورة لفتح الأفق للحياة والمستقبل في البلاد، ولمصلحة جميع أبنائها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1086