قمح الدّيـر وزيوان الليبرالية والفساد

قمح الدّيـر وزيوان الليبرالية والفساد

نشرت قاسيون في أعداد سابقة عن محصول القمح لهذا العام في عدد من المحافظات كالجزيرة وحماة وحلب وحمص، وتتابع في هذا العدد تناول محصول القمح في دير الزور، على مستوى السياسات والمساحات والإنتاج، وما رافق ذلك من ممارسات.

حسابات الحقل والبيدر

رغم كل ما قيل عن دعم زراعة القمح لتأمين الأمن الغذائي إلا أن حسابات الحقل لم تتوافق مع البيدر كما يقول المثل، سواء بسبب الخطط الوهمية التي كانت وما زالت متبعة، أو بسبب النهب والفساد.
المساحات المزروعة حسب الخطة في المحافظة هي 22000 هكتار سقاية بالراحة عبر مضخات الري في مؤسسة استصلاح الأراضي، أو عبر مضخات الجمعيات الفلاحية والمضخات الخاصة، وهي رغم ذلك مساحة قليلة بالنسبة لمساحة الأراضي الزراعية في المحافظة.
وقد لعب انخفاض مستوى منسوب نهر الفرات دوراً مؤثراً سلبياً في تأمين الري، بسبب انخفاض منسوبه الوارد من تركيا، والتي تسرق حصة سورية والعراق منذ عقود، ما أدى لانخفاض كمية الإنتاج.
كما لعب انخفاض كميات الوقود(المازوت) وارتفاع أسعارها والاضطرار لاستجرارها من (السوق السوداء) العلنية وشبه المشرعنة- وما يرافق ذلك من تكاليف نقله والإتاوات التي تفرضها الحواجز على الطرقات- دوره أيضاً في تخفيض كمية الريّات اللازمة للمحصول، وبالتالي أيضاً انخفاض مستوى الإنتاج.
كما أنّ ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد وأدوية مكافحة وأجور الحصاد والنقل وغيرها، كل ذلك أثر على كمية الإنتاج والتوريد.
لقد بلغت كميات القمح الموردة في المحافظة لغاية 1/8/2022 حوالي 8000 طن لمديرية إكثار البذار، و37500 طن للمؤسسة السورية للحبوب، وما زال التوريد مستمراً ولم ينتهِ.
ويبلغ سعر استلام كغ القمح من النوعية الممتازة المورد للدولة 1700 ليرة، بالإضافة لمكافأة التسويق، وأجور النقل التعاوني، وتنخفض حسب نسبة الأجرام فيه. وقد افتتحت مؤسسة الحبوب مركزين إضافيين للاستلام في قرية حطلة ومدينة البوكمال لتسهيل التوريد.
أما بيع الأكياس فيتم في مقر فرع المؤسسة ومركز استلام مدينة المياذين للجمعيات الفلاحية والقطاعات الحكومية والمزارعين والفلاحين بسعر 6000 ليرة للكيس ويعاد لصاحبه مع فاتورة التوريد، وقد بلغت كميات الأكياس المباعة 1950000 كيس لغاية 1/8/2022.
واستناداً للإحصائيات بالنسبة للإنتاج المورد والمساحات، أو بالنسبة لعدد الأكياس يبدو أن الإنتاج مقبولاً نسبياً رغم ظروف الجفاف، لكن الوقائع تبين غير ذلك.

الوقائع والسياسات والممارسات

تؤكد الوقائع المتعددة أن حسابات الحقل لا تتناسب مع البيدر، فعلى سبيل المثال:
- جرى إيقاف مضخات الري في القطاع الثالث والذي مركزه موحسن من منتصف الشهر الثاني، ولغاية منتصف الشهر الرابع تقريباً، بحجة صيانة مضخات ري الاستصلاح الزراعي، وهذا أثر على نمو القمح، وخاصة أن المنطقة ذات حرارة مرتفعة، وهذا يطرح أسئلة متعددة تكشف وهم التخطيط: لماذا لم تتخذ الصيانة قبل بدء الموسم، وخاصة أن مدة الصيانة استغرقت مدة طويلة، فهل ذلك نتيجة إهمال أو بشكلٍ متعمد؟ ومن المسؤول عن ذلك ولماذا لم يحاسب أحد؟
- أحد الفلاحين قال: لدي 3 دونمات، في العام الماضي زرعتها وسمدتها وسقيتها 5 مرات أنتجت 15 كيساً وكمية الكيس لا تقل عن 130 كغ، أي متوسط إنتاج الدونم 3 أكياس أي حولي 390 كغ، بينما في هذا العام أنتجت 7 أكياس فقط، أي أقل من النصف، لأنه لم تكن لدي القدرة على تسميدها بسبب ارتفاع أسعار السماد.
- حسب الخطة الموزعة على الجمعيات الفلاحية بالمساحة، كانت كميات التوريد أقل مما هو محدد لكل جمعية، والجمعية التي لا تورد الكمية المطلوبة منها يحاسب رئيسها، أو عليه أن يشتري التكملة من السوق السوداء، وذلك بغض النظر عن نقص المحروقات وارتفاع تكاليف السماد والأدوية والحصاد والنقل والإتاوات التي تفرضها الحواجز في الذهاب والعودة؟
- غالبية الفلاحين أكدوا أن كميات الإنتاج والمردود لم تحقق أي هامشٍ من الربح، وكما قالوا بالمثل الشعبي: طلعت راسها بعبها، لكننا كفلاحين لا يمكن أن نتوقف عن الزراعة حتى لو خسرنا، لنشعر أننا باقون أحياء، وآخرين قالوا: إن ربحهم لم يتعدّ سوى التبن، بسبب أن المردود غطى بالكاد التكاليف.
- تكاليف الحصاد رغم ارتفاعها على الفلاحين لكنها أيضاً لم تكن مجدية لأصحاب الحصادات، فرغم أن التسعيرة الرسمية لحصاد الدونم 30 ألف ليرة، وكانوا يأخذون 40 ألف ليرة، إلا أن ذلك تبتلعه قلة كمية المازوت وارتفاع أسعاره، واضطرارهم لاستجراره من السوق السوداء، وكذلك ارتفاع تكاليف الصيانة ولوازم الحصادة عشرات المرات، بالإضافة للإتاوات التي يدفعونها على الحواجز.

إجراءات مؤسسة الحبوب

قامت المؤسسة ببعض الخطوات الإيجابية، كفتح مراكز استلام إضافية، لتسهيل استلام الحبوب والتخفيف عن الفلاحين تكاليف النقل، لكن إجراءات أخرى لا يمكن تفسيرها بأنها إيجابية، حيث جرى تصنيف بعض كميات من الأقماح بأنها علفية بسبب نسبة الأجرام فيها من الأتربة واختلاطها بنباتات أخرى كالشعير، وبالتالي، حُسب سعر الكيلو 1300 ليرة، وعندما طالب الفلاحون باستعادة إنتاجهم لغربلته وإعادته للمؤسسة لتصنيفه من جديد، رفضت المؤسسة ذلك، ونتيجة شكاوى الفلاحين جرى تغيير تسميته علفياً، وسميّ بأنه خارج المقاييس فقط، لكن بقي السعر كما هو!؟
كما قامت المؤسسة بالتعاقد مع موردين لتأمين مادتي القمح والطحين بشكل مقايضة مع كميات النخالة الناتجة من مطاحن المؤسسة، والتي كانت تباع للفلاحين على أساس أنها مدعومة كمادة علفية للثروة الحيوانية!؟

مصادرة الأقماح والميرة الجديدة!

قامت الجهات المسؤولة بمداهمات لبيوت الفلاحين ومصادرة الأقماح، كما أيام الميرة العصملية والفرنسية، علماً أن هذه الكميات محدودة وتتراوح بين طنين وأربعة أطنان، وهذه عادة يتركها الفلاح كمؤنة لبيته وكبذار للمحصول القادم، وبالتالي تحميل الفلاح المسؤولية، بل واتهامه باللاوطنية، كما فعل مدير إحدى النواحي حيث قال لأحد الفلاحين: إذا تخفي 2 كغ قمح فأنت تجوّع شخصين في دمشق!

إقطاعٌ جديد أم رسملة؟

كما في الموسم الماضي بحجة تأمين الغذاء للشعب، التي هي كلام حقّ أريد به باطل، جرت مزايدات لاستثمار الأراضي غير المزروعة، أو التي هاجر وتهجر أصحابها، وكان خلف المستثمرين العلنيين قوى الهيمنة والمال والنهب والفساد، حيث استثمروا الأراضي بدون علم ورغبة أصحابها، ودون دفع أجورٍ لهم، وقسم من هؤلاء المستثمرين ومن وراءهم أيضاً تلاعبوا بالكميات الموردة ونوعيتها بعكس ما كان مطلوباً لمصلحة الشعب والوطن.
لا شك أن الأمن الغذائي مهمة وطنية، وعدم توفيره واستمرار سياسات اللبرلة والنهب والفساد، يعني استمرار تجريف الشعب السوري وتهديد وجوده ووجود الوطن، وقد صدر قرار جديد برفع أسعار المحروقات، وهذا يؤكد الاستمرار بنفس السياسات الفاسدة والناهبة، والتي باتت الضرورة الوطنية تفرض الانتهاء منها، مع من خلفها من قوى النهب والفساد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1083