قرارات وتوصيات.. بجانبها الأسود
عبير حداد عبير حداد

قرارات وتوصيات.. بجانبها الأسود

تشابهت القرارات والتوصيات الحكومية خلال السنوات الماضية، من حيث الشكل والتأثير الكارثي، وخاصة على مستوى معيشة المواطن، الذي يزداد تردياً يوماً عقب الآخر، وبات من السهل التكهن بمستوى فعالية وتأثير هذه القرارات قبل تنفيذها حكومياً...

ومن جملة تلك التوصيات توصية اللجنة الاقتصادية التي وافقت عليها رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 4/8/2022، والمتضمنة تكليف وزارة الصناعة/المؤسسة العامة للصناعات الغذائية باستكمال الخطوات التنفيذية للاتفاق المبرم مع الاتحاد العام للفلاحين واتحاد غرف الزراعة السورية لاستجرار أكبر كمية ممكنة من محصول البندورة في محافظات الإنتاج، وفق الطاقات الإنتاجية المتاحة للتصنيع، ووفق آلية التوريد المعمول بها، بالإضافة إلى تكليف وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك/المؤسسة السورية للتجارة بزيادة الكميات المستجرة من محصولي (البندورة والخيار) بنسبة 10% عن الكميات المعتادة، وخاصة في المحافظات التي تتركز فيها زراعة هذين المحصولين، من خلال الشراء المباشر من الفلاحين وذلك بالتنسيق مع الاتحاد العام للفلاحين واتحاد غرف الزراعة، كما جاء ضمن التوصية تكليف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية/هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بإطلاق برنامج دعم شحن تصدير مادتي (البندورة والخيار) من تاريخ 1 آب الجاري وحتى تاريخ 1 تشرين الأول، بنسبة دعم 20% من أجور الشحن إلى كافة الدول وفق آلية واضحة ومحددة يتم إعدادها بالتنسيق مع الجهات المعنية...
النتائج المباشرة للتوصية الموافق عليها أعلاه تمثلت بداية بارتفاع أسعار (البندورة والخيار) في السوق المحلي، مع تردي نوعية المعروض منها، مقابل استمرار صعوبات تسويق هذه المحاصيل بالنسبة للمزارعين، المتحكم بها من قبل التجار والمصدرين عملياً!

المبررات الحكومية

من وجهة النظر الحكومية فإن التوصية الأخيرة ببنودها المذكورة أعلاه، تهدف إلى تحقيق توازن سعري بين المزارع والمستهلك، بالإضافة إلى استيعاب الكميات الفائضة من هذه المنتجات، والتخفيف من الحلقات الوسيطة التي تزيد من الأسعار على حساب الفلاح والمستهلك.
كما ترى الحكومة أن هذه التوصية ستسهل عملية تسويق المحصول، كما ستسهم في تعزيز القدرة التصديرية من خلال تخفيف الأعباء المالية المترتبة على عملية تصدير المنتجات الزراعية للموسم الحالي.
فهل ستتحقق النتائج المرجوة أعلاه؟

مرآة الواقع

تعد المبررات التي طرحتها الحكومة، وما يمكن أن تعكسه من إيجابيات، صحيحة شكلاً من حيث المبدأ، ولكنها منقوصة فعلاً وفق معطيات واقعنا الحالي، وربما لا يحتاج المشهد القادم إلى الكثير من الشرح!
فعلى ما يبدو، إن محصولي الخيار والبندورة سيشهدان ما شهده العديد من المواسم السابقة من حيث مستوى الاهتمام والرعاية الرسمية والنتائج، خاصة وأن الإجراءات أعلاه ستتم ترجمتها عملياً من خلال السعر الذي يفرضه السوق لهذه المحاصيل، وعبر أدوات التحكم به من التجار عملياً، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار التكاليف الفعلية على المزارعين، والقدرة الشرائية للمستهلكين!
فما سيتم استجراره من قبل مؤسسة الصناعات الغذائية وفقاً للتوصية أعلاه من كميات ستكون وفقاً للسعر المتداول الذي يفرضه التجار عملياً، وكذلك ما سيتم استجراره من قبل السورية للتجارة، والمتضرر بالنتيجة هو المزارع والمستهلك معاً، كما جرت العادة!
فالطاقة الإنتاجية المتاحة للتصنيع عبر المعامل التابعة لمؤسسة الصناعات الغذائية محدودة، وبالتالي ستكون الكميات المستجرة من محصول البندورة محدودة أيضاً، وحجم المسوق عبر السورية للتجارة من محاصيل البندورة والخيار محدوداً أيضاً، بل تعتبر متواضعة، ولن تؤثر نسبة الزيادة التي جرى الحديث عنها، بواقع 10% على المستجرّ في الموسم السابق، على الكميات المنتجة فعلاً، ليبقى تسويق المحصول عملياً تحت رحمة تجار السوق، كمّاً وسعراً ونوعاً.

مصلحة المصدرين مصونة أيضاً

أما بالنسبة لبند تشجيع التصدير لدول الجوار وفقاً للتوصية أعلاه فتعد تجربة مريرة بالنسبة للمزارع والمستهلك معاً، فالتشجيع بهذا الشكل سيكون من نصيب المصدرين وعلى حساب المزارع في البداية، ثم على حساب المستهلك تالياً.
فالسعر الذي سيستجر به المصدر هو نفسه السعر المفروض عبر السوق، والذي لا يحقق مصلحة المزارع، ولا يؤمن له مستوى معيشة كافياً بالنتيجة، إن لم نقل إنه يكبده الخسارات، بالإضافة إلى أن التصدير سيكون للنَّخب الأول فقط من هذه المواد، وبالتالي سيكون المتوفر في السوق للاستهلاك المحلي من قبل المواطنين هي النُّخَب الرديئة، كما جرت العادة، وبسعر مرتفع يحقق هوامش أرباح الحلقات الوسيطة، اعتباراً من تجّار أسواق الهال والجملة، وانتهاءً ببائعي المفرق.
بل ربما عمليات التسويق الرسمية المحدودة أعلاه تعد عاملاً مساعداً لتجار الأزمات المستفيدين من فائض الإنتاج لدى المزارعين، لتكون نقطة متحكماً بها لمصلحة المسوقين المحليين والمصدرين، أمام حاجة المزارع لتخفيف خسارته، سواء بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة والتي يتحملها على عاتقه، أو بسبب فائض الإنتاج غير المسوق.
والنتيجة هي غياب التوازن السعري بين المزارع والمستهلك، وعلى حساب كليهما!

متحف «الأقوال بلا أفعال» الحكومي

بالمحصلة فإن تراجع القطاع الزراعي بشكل عام، وانحداره موسماً وراء الآخر، يعد نتيجة طبيعية لتبني الحكومة سياسات داعمة لمصالح أصحاب الأرباح من حيتان الاستيراد والتصدير وكبار الفاسدين، بما في ذلك سياسة تخفيض الدعم المستمر حتى إنهائه.
فرغم ما تعلنه الحكومة من محاولات خجولة وشكلية لإنعاش القطاع الزراعي، يتوضح للعيان في نهاية المطاف أنها دون جدوى حقيقية عائدة على واقع الفلاح والمستهلك سوياً، وإنما تُقَر تلك القرارات والتوصيات لينفذ جانبها الأسود الذي يخدم مصالح بعض الحيتان فقط لا غير، وما تبقى منها يحال إلى متحف «الأقوال بلا أفعال» الحكومي الشهير، ليعلق هناك إلى جانب ما سبقها من توصيات ماصة لدم المزارع والمستهلك جنباً إلى جنب...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1083