موسم القمح وحسابات الحقل والبيدر
بدأت عمليات حصاد موسم القمح لهذا العام، كما بدأت عمليات تسليم المحصول في المراكز المعتمدة لمؤسسة الحبوب في المحافظات.
تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد العام للفلاحين كان قد طالب الحكومة بأن يكون سعر كيلو غرام القمح بمبلغ 2500 ليرة، وذلك على إثر تحديده من الحكومة بمبلغ 1500 ليرة بالإضافة إلى مبلغ 300 ليرة مكافأة.
فقد اعتبر رئيس الاتحاد العام للفلاحين، بحسب ما تم نقله عبر إذاعة ميلودي إف إم بحينه، أن: «كلفة إنتاج القمح مع إضافة هامش الربح كافية للفلاح، أما عندما نقول هناك فلاح وأسرة دخلها الوحيد منتج القمح فهو حتماً غير كافٍ».
وبناء عليه فقد عدلت الحكومة سعر شراء كيلو القمح الى مبلغ 1700 ليرة، بالإضافة إلى مبلغ 300 ليرة كمكافأة، أي إن سعر الكيلو غرام من القمح أصبح بسعر 2000 ليرة رسمياً، وهو أقل مما طالب به الاتحاد العام للفلاحين بمبلغ 500 ليرة في كل كيلو غرام!
فماذا عن حسابات الحقل والبيدر بالنسبة للفلاحين؟
مقدمات لا بد منها
موسم القمح يبدأ اعتباراً من تشرين الأول بعمليات الحراثة والبذار، وينتهي في شهر حزيران بعمليات الحصاد ونقل المحصول لتسليمه في المراكز المعتمدة، أي إن الموسم يمتد لمدة ثمانية أشهر.
تراجعت معدلات الإنتاج نتيجة متغيرات الظروف الجوية، واستمرار حال الجفاف، بالتوازي مع محاولات خفض التكاليف ما أمكن بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
مع ارتفاع تكاليف الزراعة ومستلزماتها باتت الزراعات التحميلية مكلفة جداً، وغير مجدية اقتصادياً بالنسبة للفلاحين.
السعر الرسمي المعتمد من قبل الحكومة للقمح أخذ بعين الاعتبار بعض مفردات التكلفة، لكنه أغفل الكثير من المفردات الأخرى، مثل تباين أسعار بعض مستلزمات الإنتاج بين منطقة وأخرى، والأهم العائد المادي للموسم الذي من المفترض أن يكفي الفلاح وأسرته ليعيش حدود الكفاف بكرامة.
حسابات التكلفة
تتباين التكاليف بين منطقة زراعية وأخرى نسبياً، وذلك بحسب طبيعة الأرض، وقربها وبعدها عن مراكز المحافظات، ومتغيرات أسعار بعض مستلزمات الإنتاج بناءً عليه.
فيما يلي رصد لتكاليف زراعة الدونم الواحد في ريف حماة، في الأراضي الزراعية بمنطقة السقيلبية، للمفردات الرئيسية لهذه التكلفة (حراثة- بذار- سماد- مبيدات أعشاب- سقاية- حصاد- نقل)، حسب الجدول التكثيفي التالي:
متوسط الإنتاج وحسابات الربح والخسارة
انخفضت معدلات الإنتاج لهذا الموسم بسبب الجفاف، ففي الأراضي البعلية المرتفعة في المنطقة فإن متوسط الإنتاج يتراوح بين 125- 200 كغ/للدونم في أحسن الأحوال، وفي الأراضي المروية المنخفضة في المنطقة كان متوسط الإنتاج بحدود 300 كغ/للدونم.
بحسب السعر الرسمي البالغ 1700+300 ليرة للكغ تسليم مراكز الحبوب، فإن إجمالي قيمة المحصول البالغ 300 كغ/ للدونم في الأراضي المسقية يكون 600,000 ليرة، وهو أقل من ذلك بكثير بالنسبة لمحصول البعل.
طبعاً هذا المبلغ معرض في البداية للانخفاض عند الاستلام ارتباطاً بنسبة التجريم المعتمدة من مؤسسة الحبوب، فكل درجة تجريم تُخفض بسعر الكيلو مبلغ 12,5 ليرة، ودرجات التجريم تصل لحدود 23 درجة.
فبحال كان وسطي التجريم 15 درجة في المحصول، فإن سعر الكيلو سينخفض بحدود 180 ليرة، وبالتالي فإن قيمة المحصول تنخفض بمبلغ إجمالي قدره 54,000 ليرة، ومع إضافة مفردات التكلفة المحسوبة أعلاه يكون العائد المادي للفلاح من المحصول لكل دونم هو 285,000 ليرة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعب وجهد الفلاح مع أفراد أسرته طيلة الموسم لم تدخل في حسابات التكلفة أعلاه، وبأن هذا الموسم من المفترض أن يكفي الفلاح وأسرته تكاليف المعيشة والخدمات.
قيمة المحصول وتكاليف المعيشة
إذا كانت حصيلة الفلاح من موسم القمح لكل دونم مبلغ 285000 ليرة بحسب الأرقام أعلاه، فكم يغطي هذا المبلغ من تكاليف المعيشة لأسرة هذا الفلاح؟
وكم من المفترض أن تكون مساحة حيازته من الأرض المزروعة بالقمح كي تؤمن عائدات الأرض والمحصول حياة كريمة للفلاح وأسرته؟
حسابات تكاليف المعيشة الشهرية لأسرة مكونة من 5 أفراد وصلت لحدود 3 مليون ليرة الآن، أي إن الأسرة الفلاحية، وكي تعيش حدود الكفاف من عائدات موسم القمح، وفي ظل عدم التمكن من الاستفادة من الأرض في الزراعات التحميلية خلال الأشهر المتبقية من السنة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فإن هذه الأسرة تحتاج الى مبلغ 36 مليون ليرة سنوياً، وهي تنتظر حصاد موسم القمح لتسد ما ترتب عليها من التزامات وديون خلال العام (سواء كانت ديون والتزامات خاصة أو للمصرف الزراعي التعاوني) كما جرت عليه العادة، مع الأخذ بعين الاعتبار التأخر بصرف قيمة المحصول أيضاً!
فمع حسابات العائد لكل دونم بمبلغ 285000 ليرة فإن الأسرة الفلاحية يجب أن تكون حيازتها لا تقل عن 126 دونماً مروياً كي تعيش حدود الكفاف المعيشي والخدمي.
أي إن كل أسرة فلاحية حيازتها أقل من تلك المساحة فإنها تعيش بأقل من حدود الكفاف، أي بفقر وربما بجوع، وهؤلاء هم الغالبية.
فهذه الحيازات الكبيرة محدودة جداً، وخاصة في الأراضي الزراعية المروية في المنطقة الوسطى!
ماذا لو!
استناداً للحسابات أعلاه نصل إلى نتيجة أنه كان من الأجدى لو أخذت الحكومة باقتراح الاتحاد العام للفلاحين وسعرت القمح بحسب ما تمت المطالبة به بسعر 2500 ليرة لكل كيلو غرام، كسعر مجزٍ ومنصف للفلاحين، وخاصة للغالبية التي تعتمد على المحصول منفرداً لتغطية تكاليف معيشة أسرها.
فمن غير المستغرب أن يلجأ بعض الفلاحين، اضطراراً وبسبب الضغوط المعيشية المعممة، إلى بيع جزء من محصولهم لبعض التجار والسماسرة، المستعدين لشراء القمح بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية، مع غض الطرف عن نسب التجريم طبعاً!
فالنتيجة المتوقعة هي أن تقل كميات الاستلام المخططة رسمياً من محصول القمح لهذا الموسم، ليس بسبب خروج بعض المساحات المزروعة من القمح عن سيطرة الدولة، أو بسبب بيع جزء من المحصول لبعض التجار فقط، بل وبسبب انخفاض معدلات الإنتاج عموماً بسبب استمرار حال الجفاف أيضاً.
ولا يغيب عن الأذهان طبعاً أن تعويض النقص في المحصول يكون عبر بوابات الاستيراد كالعادة، أي هناك بعض الحيتان ستستفيد من كل ذلك، على حساب الفلاح ومعيشته، كما على حساب خزينة الدولة والاقتصاد الوطني، وربما على حساب المغامرة بالأمن الغذائي أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1073