ظاهرة الإدمان تتعمّق ولا حلول جدّية!
رند الحسين رند الحسين

ظاهرة الإدمان تتعمّق ولا حلول جدّية!

تُضاف أزمة ازدياد أعداد مرضى الإدمان والحالات النفسية في سورية إلى سلسلة الأزمات العامة التي يعاني منها السوريون، والتي تشكّل كل أزمة منها سبباً للأخرى بطريقةٍ أو بأخرى.

فقد أكد مدير مشفى ابن رشد للأمراض النفسية الدكتور غاندي فرح في تصريح خاص له لصحيفة البعث مؤخراً ازدياد حالات الإدمان بين الشباب، خصوصاً خلال سنوات الحرب.

أرقام كارثية

أشار د.فرح إلى أنّ: «المنشطات التي تصنّع على شكل حبة دواء- وهي ليست دواء- من بين المواد الأكثر تداولاً بين المدمنين نتيجة توفّرها، لتسجّل تلك الأصناف زيادة في نسب الاستهلاك».
كذلك أشار إلى أن: «عدد مرضى الإدمان والحالات النفسية الذين يراجعون المشفى بشكل يومي يتراوح بين 30 إلى 100 مريض».
الرقم أعلاه يعني حوالي 2000 مريض شهرياً، و23 ألف مريض سنوياً! في إشارة واضحة إلى حجم الكارثة النفسية التي يعاني منها السوريون كنتيجة لأسبابٍ عديدة، أهمها وأكثرها وضوحاً هي الأزمة الاقتصادية المعيشية التي تؤثر بشكلٍ خاصّ على الشباب والمراهقين، الذين بات شعور اليأس هو الشعور المسيطر لديهم، وبات الهروب من الواقع «حلاً مؤقتاً» للبعض، والإدمان أحد أكثر أشكال الهروب انتشاراً.

مشاكل لوجستية دون حلول

في معرض حديثه عن ازدياد أعداد المدمنين بيّن د.فرح إلى وجود عدد من المشكلات التي تتعلق بالقدرة على استيعاب أعداد المرضى، ومشاكل أخرى مرتبطة بالتجهيزات الخاصة للعلاج في المشفى.
فقد أشار الدكتور فرح إلى وجود مركزين فقط في كامل سورية مخصّصين لعلاج الإدمان (مشفى ابن رشد في دمشق، وقسم من مشفى ابن خلدون في حلب).
إضافةً إلى ذلك، وفي سياق ندرة الأطباء التي تحدّثت عنها قاسيون كثيراً، فإن عدد الأطباء الذين يعالجون الحالات في مشفى ابن رشد، وفقاً لتصريحات د.فرح، هو اثنان فقط لمعاينة وعلاج أكثر من 100 حالة يومياً، ما يعني ضغطاً كبيراً على الطبيب الذي يضطر لمعاينة ما يزيد عن 50 حالة يومياً، وبالتالي انخفاض في القدرة النوعية على شفاء الحالات بشكلّ جدّي.
وفي إحصائية تعود إلى عام 2018 فإن عدد الأطباء النفسيين في سورية لا يتجاوز 73 طبيباً، وفق ما صرّح به مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة بحينه، ما يعني وجود أزمة في هذا الاختصاص، حاله كحال اختصاصات كثيرة باتت في طور الانقراض محلياً.
وقد لفت د.فرح أيضاً إلى وجود نقص في بعض المعدّات في المشفى، كإيكو القلب وبعض التجهيزات الأخرى الخاصة بالعلاج الفيزيائي، الذي يعدّ مرتكزاً أساسياً في علاج حالات الإدمان والاضطرابات النفسية، مشيراً إلى أن المشفى طالب منذ زمن بإنشاء ملعب ليمضي المرضى وقتهم فيه، دون استجابةٍ تذكر على هذا الاقتراح.

الإدمان بين المنشطات والمهدئات

تنقسم أنواع العقارات المسببة للإدمان إلى نوعين، أحدها المنشطة والذي يعد الكبتاغون أهمها، وأخرى هي المهدئة، كبعض أصناف الأدوية التي تباع في الصيدليات.
تقول إحدى الصيدلانيات لقاسيون أنها لاحظت خلال السنتين الأخيرتين ازدياد أعداد المدمنين على بعض الأدوية، كالبيوغابالين والكاريزول، وغيرها من الأدوية المسببة للتركين والتهدئة والمسكّنة للألم بتأثيرٍ مباشر على الجهاز العصبي، حيث تُشعر هذه الأدوية المريض بالراحة والاسترخاء، ما يجعلهم يطلبون المزيد والمزيد من هذا الشعور.
إضافة إلى الأدوية تنتشر في الشارع السوري اليوم عادة تدخين الحشيش بشكل أصبح شبه علني، إذ تكثر مصادر بيعه وتنتشر ضمن نطاق جغرافي واسع، مما يدل على وجود سوق استهلاك واسع للمواد المدمنة وبأسعارٍ تميل بين الانخفاض والارتفاع، ما يعني استهداف أوسع شريحة ممكنة.
إذ تشير بعض التقارير إلى أن سعر حبة الكبتاغون (عقار منشط) في سنة 2021 تراوحت بين 50 سنتاً إلى دولار واحد، وهو سعر مرتفع نسبياً مقارنةً بالأدوية المهدئة التي تتوافر بأسعارٍ متدنية نوعاً ما (2000 إلى 4000 وسطياً للعلبة التي تحتوي 30 حبة- بما يعادل دولاراً واحداً للعلبة).

المستفيد واحد

ليس مستغرباً الحديث عن ازدياد حالات الإدمان والاضطرابات النفسية لدى فئة واسعة من الشباب السوريين، إذ إنّ مجمل الظرف العام (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي) الذي يعاني منه السوريون، ينعكس بصورةٍ ملحوظة في نفسياتهم، وفي طريقة تعاطيهم مع أنفسهم ومع من حولهم.
وفي ظل عمليات التيئيس والإحباط المستمرة، التي يجري العمل على بثّها وتكريسها، يجد الشاب السوري نفسه اليوم بين نارين، فلا هو قادرٌ على الاستمرار بظروف حياةٍ شبه معدومة وغير إنسانية على الإطلاق، ولا هو قادرٌ على تغيير شروط حياته لوحده بشكلٍ يضمن له حياة كريمة ومعيشة مقبولة كحدّ أدنى، لذلك يلجأ البعض تحت ضغط الظرف العام إلى أدواتٍ سهلة للهروب من الواقع، تتحول نتيجة كثرة استخدامها إلى «أمرٍ عادي يفعله الجميع» ممّا يخفّف من عقدة الشعور بالذنب التي يمكن أن تنتاب الشاب إثر اتجاهه لاستعمال العقارات المدمنة.
ومن المفروغ منه أن المستفيد من ذلك كله هو من يحاول استثمار يأس الشباب- الذي هو سبب فيه أيضاً كنتيجة لاستفادته من جملة السياسات القائمة على عصر الناس وخنقها للحدّ الأقصى- لتحصيل أكبر ربح ممكن عبر إيجاد أسواق استهلاك جديدة للمواد المدمنة.
فكما هناك حيتان تجارة وفساد لغالبية السلع في الأسواق، أصبح هناك حيتان تجارة وفساد للمواد المدمنة، مع شبكات أكثر انضباطاً، وأكثر ارتباطاً بالتجارات الفاشية السوداء عالمياً.
وبالتالي فإن تغيير الظرف العام الضاغط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، جملة وتفصيلاً وبالعمق، هو بوابة العبور نحو مجتمع متفائل ومعافى من الأمراض والظواهر المجتمعية الهدامة، ولا سبيل غير ذلك!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1073