ديـر الـزور.. الأهالي ضحايا تفاقم الأزمة
تأثيرات وانعكاسات استمرار الأزمة السورية ما تزال تفعل فعلها وتتفاقم على السوريين عموماً والفراتيين في محافظة دير الزور خصوصاً نتيجة الإهمال والتهميش المتعمد والمستمر طيلة عقود، ونتيجة استمرار السياسات الليبرالية القائمة على النهب والفساد ضد مصلحة غالبية الشعب والمحابية لأصحاب الربح والنهب.
لقد تفاقمت تأثيرات الأزمة على أهالي محافظة دير الزور، وتضاعفت، وخاصة في الفترة الأخيرة بعد رفع أسعار المحروقات، وطالت مختلف جوانب المعيشة والخدمات، وباتت تهدد الوجود والحياة.
تراجع الخدمات والانتاج
تتراجع الخدمات العامة بتسارعٍ يومي بكل أنواعها من كهرباء وماء وصحة ومواصلات، ناهيك عن أزمة الخبز وسوء تصنيعه، وأزمة الغاز والمواد التموينية وتأخر توزيعها واستلامها وفق البطاقة التي تسمى(ذكية) والتي فيها من الإذلال الشيء الكثير، ويترافق هذا التراجع مع تراجع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وعدم قدرة الفلاحين على الزراعة، نتيجة ارتفاع أسعار وتكاليف المواد الزراعية من بذار وسماد وأدوية وحراثة ونقص الري، وتأثير ذلك على الإنتاج وعلى الأمن الغذائي، وهذا سمح بعودة أشباه (الإقطاع) من جديد على شكل مستثمرين ومتنفذين من المسؤولين بحجة استثمار الأراضي، وكذلك يترافق مع الظروف البيئية من تصحر وارتفاع درجات الحرارة أعلى من معدلها، وارتفعت نسب ضحايا الأزمة واستمراريتها وتفاقمها، وفي دير الزور كونها تقع في منطقة صحراوية بارتفاع أكثر من خمس درجات على الأقل عن محافظات الداخل، مما يزيد الحاجة للخدمات من كهرباء وماء ويؤثر على الصحة الجسدية والنفسية.
فقد شهدت محافظة دير الزور غير التقنين المتزايد للكهرباء، خلال أسبوعين انقطاعاً كاملاً مرتين لمدة أيام بسبب الأعطال المستمرة في الشبكة العامة وخطوط النقل وإمداد الطاقة الكهربائية من محطة جندر في حمص، فتحولت حياة المواطنين إلى جحيم، وانقطاع الكهرباء ترك تأثيراته على توفر المياه سواء في المحطة الرئيسية المغذية، أو عبر الشبكة ومضخات رفع المياه في الأبنية، إضافة إلى سوء التنقية والكدر والطعم المترافق، وباتت لا تصلح للاستهلاك الإنساني، وأصبحت قطرة الماء الباردة حسرة، ليضيف ذلك أعباءً مادية على المواطن الفقير من شراء ماء الصحة، أو شراء قوالب الثلج، حيث تجاوز سعر القالب 5 آلاف ليرة، ناهيك عن انعكاس ذلك على الصحة البدنية للمواطنين من نقص مناعة نتيجة سوء التغذية بسبب ارتفاع أسعار مواد الغذاء حتى المنتجة محلياً بسبب النقل لمحافظات الداخل والتصدير للعراق ولتحقيق الأرباح للتجار، وبسبب الإتاوات المستمرة التي تفرضها الحواجز على الطرقات، مما أدى إلى كثرة الأمراض المعدية والمعوية والإسهالات والتشنجات وغيرها، وهذا بدوره تفاقم نتيجة النقص الكبير في الخدمات الصحية في المشافي والمراكز الطبية، حيث تعاني من تعطل أو عدم وجود الأجهزة الطبية ونقص الكادر الطبي، وخاصة الأطباء المختصون، وكذلك الأدوية العلاجية والإسعافية وارتفاع أسعارها في الصيدليات، وقد توفيت امرأة في مشفى الأسد خلال الأسبوع الماضي نتيجة الإهمال، وعدم توفر الأطباء والأدوية الإسعافية.
قرابين وحوادث مؤسفة
التقنين طويل الأمد والانقطاعات الطويلة في الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة، أدى إلى لجوء الأهالي إلى نهر الفرات للتخفيف من معاناتهم من الحر الشديد، حيث لا توجد مسابح وحدائق عامة يلجؤون إليها، بسبب الإهمال للخدمات الأساسية، والسعي وراء المظاهر من إعادة تأهيل الدوّارات وغيرها، التي تسمح بمزيدٍ من النهب والفساد، وهذا ما زاد نسب الغرقى، الذين أصبحوا قرابين يبتلعهم النهر، وقد وصل عدد الغرقى خلال الفترة القريبة الماضية أكثر من عشرين قرباناً، من الأطفال والشباب ذكوراً وإناثاً.
كما توفي عاملان من بلدية دير الزور اختناقاً، وتم إنقاذ آخر، نتيجة انهدام في الشارع أثناء عملهم في الصرف الصحي المدمّر، نتيجة عدم صيانة الشوارع والأحياء من تسربات الصرف الصحي، والأنفاق التي حفرها المسلحون، وسبق أن تعرض العديد من الأهالي للموت والتشويه نتيجة انفجار الألغام من مخلفات الحرب والحصار والمسلحين، أثناء عودتهم المستمرة لتفقد منازلهم أو الانهيارات المستمرة للمباني مضطرين لذلك تحت ضغط الغلاء وارتفاع الآجارات، حيث للآن لم تقم أية فرق هندسية بمسح أحياء دير الزور المدمرة بنسبة لا تقل عن 90% منها، لا من حيث الألغام ولا من حيث صلاحيتها للسكن رغم دمارها، ورغم مرور 3 سنوات تقريباً على تحريرها، وقد انهار خلال الأسبوع الماضي مبنى ولحسن الحظ كان أهله غير موجودين لحظة انهياره.
كما استشهد هذا الأسبوع عاملان شابان في الأربعينات من عمرهما من عمال شركة كهرباء دير الزور في نقل الطاقة أثناء عملهم عند أحد الأبراج الكهربائية في بلدتي صبيخان والدوير في ريف دير الزور الشرقي، وتم إسعاف وإنقاذ عاملٍ ثالث بعد انفجار لغمٍ فيهم من مخلفات الحرب. نتيجة استمرار التهميش وعدم الاهتمام والإهمال لتلافي ذلك من الجهات المسؤولة.
فوضى السلاح والقرارات السيئة
يستمر الاستهتار بحياة المواطنين وكرامتهم سواء من فوضى السلاح أو القرارات السيئة والجائرة بحق الفقراء، ففي خلال الأسبوع الماضي قام أحد العناصر المسلحة غير الرسمية بإلقاء قنبلة على آخر وسط الشارع نتيجة خلاف بينهما على الهيمنة والنهب كما يبدو، كما ارتفعت نسب الجريمة بكل أنواعها وأشكالها من سرقة وسلب وخطف وقتل وتجارة مخدرات وغيرها، ولا يمر يومٍ دون حدوث واحدة منها وعلناً وفي وضح النهار، وبات الناس غير آمنين على حياتهم.
وبعد القرار الأخير لمحافظة دير الزور، بإغلاق المحلات من الساعة 8 مساءً وافتتاحها في 9 صباحاً كما في غالبية المحافظات، تحول حيّا الجورة والقصور المأهولين إلى أحياء أشباح كما بقية أحياء المدينة والمدمرة، وهذا سيكون له انعكاسات قاسية على المواطنين الفقراء الذين يضطرون للعمل ليلاً ونهاراً لتأمين ما يستطيعون من قوت يومهم لهم ولأسرهم، مما قد يدفع إلى مزيد من الفوضى وتفشي الجريمة، وترافق ذلك مع حملة تشنها الشرطة على أصحاب البسطات الفقراء في الحيين، وخاصةً في شارع الوادي الذي يعتبر شريان الحياة لهم، وما يترافق مع ذلك من الإتاوات داخل المدينة وعلى الطرقات من قبل الحواجز، إضافة للغرامات والضرائب، وذلك دون تقدير ظروفهم بينما تقدم الإعفاءات لكبار التجار وأمراء الحرب وحماتهم بحجة الاستثمار.
إن استمرار السياسات الليبرالية وهيمنة قوى النهب والفساد، أدى ويؤدي إلى تفاقم مستمر للأزمة وتضاعف أعداد ضحاياها من المواطنين بالموت السريع أو البطيء، وبات يهدد الوجود والحياة ولا يسمح ليس بعودة المهجرين والنازحين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، بل يدفع لموجات هجرة ونزوح جديدة، حيث بات المواطنون يتساءلون: إلى متى تستمر معاناتنا بالتفاقم، بينما الفاسدون وتجار الأزمة وأمراء الحرب، يضاعفون ثرواتهم على حساب حياتنا ودمائنا ووطننا؟ وأصبح أغلبية الباقين يبحثون عن الرحيل ويضطرون لبيع حتى بيوتهم المهدمة بأبخس الأثمان، ودفعها من أجل الهجرة إلى مناطق ودول قد تحقق لهم أمل الحياة فقط!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1031