وزارة التربية تكافح الدروس الخاصة!
عمار سليم عمار سليم

وزارة التربية تكافح الدروس الخاصة!

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع السورية، خبراً على لسان وزير التربية، أن وزارة التربية تتخذ إجراءات للحد من الدروس الخصوصية، وذكر أن الضابطة العدلية سوف تعمل على ملاحقة المدرسين الذين يقومون بإعطاء الدروس الخاصة، واستثنى منها ما كان ذا طابع إنساني في حال اقتصر على إعطاء طالب بمفرده، وتوعدهم بغرامة مالية كبيرة، محملاً الأهالي مسؤولية تلك الظاهرة، زاعما أنها أصبحت في كثير من الأحيان لمجرد التباهي «موضة»!

أما عن الحلول التي ذكرها، فهي دورات الاستلحاق الممولة التي تشرف عليها وزارة التربية، ورفع قيمة أجور المكلفين!
فهل هذا كافٍ لمكافحة الدروس الخاصة التي ارتفعت قيمتها مؤخراً؟

معالجة النتائج بدلاً من معالجة الأسباب

دائما تلجأ الحكومة إلى معالجة النتائج متجاهلة أسباب المشكلة، والتي هي حصيلة سياساتها المحابية للفاسدين، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، الذي يسبب بدوره انهياراً تعليمياً وثقافياً.
فهل تساءلت وزارة التربية: ما هي الأسباب التي تدفع المدرسين لإعطاء الدروس الخاصة؟
وماهي الأسباب التي تدفع الأهالي إلى طلب المدرسين الخاصين؟
لا بد أنّ الأهالي الذين حمّلهم وزير التربية المسؤولية غير مسرورين وهم يتكبدون نفقات إضافية في ظل الاختناق المعيشي، ونستثني الذين قال عنهم أنهم يتباهون بالدروس الخاصة لأولادهم، فهؤلاء قلة لا يمثلون الأغلبية من الأهالي.
فالأغلب هم من الطبقة المفقرة الذين يخافون على مستقبل أولادهم في ظل تراجع البنية التعليمية في البلاد، ويضطرون إلى ترميم مستوى أبنائهم التعليمي عن طريق الدروس الخاصة.

طبعاً لا ننفي انتشار الدروس الخاصة بأجور كبيرة لقاء الدرس الواحد الذي قد يصل بعض الأحيان إلى 15 ألف ليرة سورية يدفعها بعض الأهالي المترفين، ولكن هذه الحالات تثبت القاعدة ولا تنفيها.
ثم إن المعلمين عموماً ليسوا مسرورين بأنهم يعملون ساعات طوال، متنقلين من منزل إلى آخر على حساب راحتهم وعائلاتهم، ليحصلوا على كفاف يومهم بأجور بسيطة من شريحة شديدة الفقر.
فكل الناس يعلمون أن راتب المعلم في الوقت الحالي أصبح لا يكفيه ليومين على التوالي، في ظل انهيار الليرة وازدياد الغلاء، فكيف له أن يتم الشهر بهذا الأجر الشكلي الذي لا يلبي حاجاته؟

حقيقة الوضع المعيشي للمعلمين

تخجل نقابة المعلمين في مؤتمراتها أن تطرح موضوع الأجر، الذي ربما لا يكفي المعلم ثمناً لحقيبة أو حذاء ينتعله!
كيف له أن يتفرغ للعملية التعليمية بأداء عال وهو تحت مطرقة الفقر وسندان الحاجة؟!
وهل من المعقول أن يعمل بمهن أخرى تبعده عن إطار التعليم، وتؤدي إلى تضاؤل مقدرته العلمية؟
من الطبيعي له أن يمارس مهنته خارج المدرسة كونه معلماً متخصصاً، وهو بأمس الحاجة إلى دخل إضافي يقيه من العوز.
فهل نظرت وزارة التربية إلى هذه الحال التي وصل إليها المعلم قبل أن توعز إلى الضابطة العدلية لملاحقته؟
ثم هل من الأخلاق أن تورد كلمة «ملاحقة» في صدد هذه المشكلة، وكأنهم أصحاب جرائم جنائية، أما يكفيهم انتقاصاً لحقوقهم وكرامتهم بهذه السياسات والقوانين؟!

المناهج ليست بريئة من هذه المشكلة؟

لو سألت ذوي الطلاب عن المناهج الدراسية، حتى للسنوات الأولى من الصف الأول والثاني والثالث، ستكون الإجابة أنهم يعجزون عن تعليم أبنائهم إلّا عن طريق معلم أو معلمة متخصصَين في الحقل التربوي للحلقة الأولى بسبب سوء الطرح والتعقيد في الأسئلة، وأن المنهاج موضوع لينفّذ ضمن الآليات والإستراتيجيات الحديثة التي يعجز المعلم عن تنفيذها تبعاً لواقع المدارس والإمكانات، كما أن المناهج التعليمية عموماً هي مثاراً لانتقاد المتخصصين، إذ إنهم لا يرضون عن كثير من التعقيدات في كثير من الكتب، ما يؤدي إلى عدم إتمامها ضمن الخطة الزمنية المخطط لها، أو الصعوبة فيه، والموجهون التربويون يعلمون حقيقة هذه المشكلة، ولكن مراكز تطوير المناهج نادراً ما تستجيب لهذه الشكاوى!
وتبقى معضلة المناهج من أهم الأسباب التي تدفع الأهالي إلى طلب الدروس الخاصة لأبنائهم.
الشواغر سبب إضافي لضعف تحصيل الطلاب

نوه وزير التربية إلى أن الوزارة تعمل على رفع أجور المكلفين، فهل هذا الرفع سوف يملأ نقص الشواغر؟
تكاد لا تخلو مدرسة في الريف أو المدينة من نقص في كوادرها، وللمواد الأساسية كالرياضيات واللغات، مع كثرة الخريجين المتخصصين!
فلو افترضنا أن الأجور قد ارتفعت إلى الضعف، ومع احتساب الضرائب، فإن أجر المكلف سوف لن يتعدى الـ 50 ألف ليرة سورية، يقبضها في آخر الفصل.
فهل هذا سوف يغري الخريجين لأخذ التكاليف والالتحاق بالمدارس لسد الشواغر؟
بعد كل هذه الأسباب يُجيّر الوزير مشكلة الدروس الخاصة على المعلم الذي يضطر إلى إرهاق نفسه بالعمل الإضافي ليكفي أسرته من العوز، في الوقت الذي يمارس الفاسدون في قطاع التربية دورهم في إنعاش المغتنين من التدريس الخاص، وخاصة لطلاب الشهادات الإعدادية والثانوية، عن طريق تسريب الأسئلة والترويج لهم، وهذا ليس خفياً عن أعين الناس، وعن أعين بعض المفتشين أيضاً.

ماذا عن المدارس والمعاهد الخاصة؟

ربما كان من الأجدى للوزارة أن تشير إلى المدارس والمعاهد الخاصة، بدلاً من التركيز على بعض المعلمين الباحثين عن لقمة العيش الكريم!
فماذا عن الرسوم التي تتقاضاها بعض المدارس والمعاهد الخاصة، والتي تجاوز بعضها الملايين، كرسم سنوي على كل طالب؟
وماذا عن المترفين من ذوي الطلاب الذين يتسابقون في التسجيل في بعض هذه المدارس؟ فهؤلاء من تنطبق عليهم مفردة التباهي والتبجح والمنافسة فيما بينهم، والتي لا يمكن تعميمها على البقية الباقية من ذوي الطلاب المفقرين، الباحثين عن سد الفجوات التعليمية في بعض المواد والدروس عبر الدروس الخاصة، بسبب الازدحام الصفي أو نقص المدرسين أو عدم توفر مساعدات التدريس، وغيرها من المبررات الفعلية كنواقص تعليمية معروفة وزارياً وحكومياً، والتي تؤدي إلى تراجع الطلاب على المستوى التعليمي والتحصيل العلمي المطلوب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1008
آخر تعديل على الأربعاء, 10 آذار/مارس 2021 12:12