أرقام أرباح «غير احتكارية» يا عاوز!
«لا احتكار في سوق استيراد المواد الأساسية»، هذا ما نُقل عن معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، مطلع الشهر الحالي عبر بعض وسائل الإعلام، مع ذكر بعض الأرقام التي كانت مغرية للتمحيص والتدقيق، ليس من قبل المختصين فقط، بل من قبل بعض المواطنين أيضاً.
فقد نقلت وسائل الإعلام: أن معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية «نفى ما يشاع عن قيام قلة من المستوردين باحتكار سوق استيراد المواد الأساسية، مؤكداً وجود 237 مستورداً للسكر والرز والشاي والمعلبات».
تفاصيل رقمية مغرية
ورد في التفاصيل الرقمية التي أتت نقلاً عن لسان معاون الوزير أن: «عدد مستوردي الرز هذا العام بلغ 82 مستورداً، والشاي 81 مستورداً، والسكر 34 مستورداً، والمعلبات (السردين والتونة) 40 مستورداً».
وكذلك أنه: «منذ بداية العام، وحتى نهاية تشرين الأول الماضي، أي: خلال الـ 10 أشهر الأولى من 2020، تم استيراد 280 ألف طن من السكر، و100 ألف طن من الرز، و8 آلاف طن من الشاي».
المواطنون الذين توقفوا عند الأرقام أعلاه، تحدثوا عمّا هو معروف مسبقاً من أن إجازات الاستيراد قد يتغير بمتنها الاسم الظاهر الذي تصدر الإجازة باسمه، لكنها غالباً تتبع مجموعة محدودة وصغيرة من المستوردين الكبار من الباطن عملياً، وهذا سبق أن جرى الحديث عنه عبر بعض وسائل الإعلام، أو من قبل بعض المختصين بالشأن الاقتصادي أيضاً.
100 مليون ربح شهري لكل مستورد
بغض النظر عن الأسماء الظاهرة والباطنة، فإن 34 مستورداً لمادة السكر مثلاً يعتبر رقماً صغيراً، وليس كبيراً بحسب مضمون التصريح أعلاه، خاصة مع الكميات المستوردة المعلن عنها والبالغة 280 ألف طن.
فمتوسط الكميات التي جرى استيرادها من قبل كل من هؤلاء يبلغ بحدود 8 آلاف طن، وبموجب السعر الرسمي للمبيع من قبل المستورد، وبموجب آخر نشرة سعرية صادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 22/11/2020، البالغ 1275 ليرة، والذي لم يختلف كثيراً بين مطلع العام ونهايته إلا بشكل نسبي ومحدود، فإن القيمة السعرية لهذه الكمية في السوق تبلغ 10,200,000,000 ليرة، فهل هذا الرقم قليل؟
التوقف الآخر المغري، هو حساب هامش الربح من كتلة المبلغ المرصود أعلاه.
فإذا كان هامش الربح بحدود 10% فقط، وهي نسبة قليلة في عرف المستوردين، كبارهم وصغارهم، فإن ذلك يعني أن كل مستورد من هؤلاء قد حقق هامش ربح بحدود مليار ليرة سورية فقط لا غير، وذلك خلال الفترة الزمنية منذ بداية العام وحتى نهاية تشرين الأول، وبما يعادل 100 مليون ليرة لا غير في كل شهر من هذه الأشهر العشرة، وهو ربح مشروع ومقونن، بمقابل ما تم توظيفه من رأسمال خلال عمليات الاستيراد والتوزيع والبيع، والذي يأخذ مشروعية أكبر من خلال مبررات وذرائع الحصار والعقوبات والأزمة، وغيرها من المبررات الأخرى، والتي تكون بالمقابل سبباً لزيادة هوامش الربح عملياً، وبشكل كبير، ولكم أن تتخيلوا حجم الكتلة الرقمية الإجمالية، كرقم أعمال وكأرباح، في حال أخذنا بعين الاعتبار حالة الاحتكار المعروفة، والتي تم نفيها.
إبعاد الشبهات دليل إضافي
بالعودة إلى مضمون التصريح أعلاه، فقد كان المراد منه ربما إبعاد شبهات المحاباة لهؤلاء الحيتان عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، لكنه بآن منحنا تصوراً رقمياً عن حجم عمل هؤلاء الحيتان على مستوى مستهلكاتنا من المواد الأساسية، وهو دليل ربما على جزء من حجم النهب الجاري بحقنا ومن جيوبنا كمستهلكين بالمحصلة، وخاصة مع ذرائع سعر القطع ومبررات الحرب والحصار والعقوبات.
فالأرقام التقريبية أعلاه، كمثال عن مادة السكر، تنطبق على غيرها من السلع الأساسية المستوردة، بل وغيرها من السلع غير الأساسية المعدة للاستهلاك في السوق المحلي، سواء من حيث القيمة السعرية في السوق، أو من حيث هامش الربح المحقق منها شهرياً لكل مستورد من المستوردين، الظاهرين والباطنيين.
فإذا كانت إجازات الاستيراد بعيدة عن الاحتكار، كما ورد في التصريح أعلاه، فهل هذه الأرباح غير احتكارية بالله عليكم؟!
فواقع الحال يقول عكس ذلك على كافة السلع والمواد في الأسواق!
ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن على ضوء الأرقام أعلاه: أين مؤسسة التجارة الخارجية ودورها على مستوى استيراد المواد الأساسية باعتبارها الذراع الحكومية، وبعهدة ومسؤولية وزارة الاقتصاد؟ وأين دور السورية للتجارة في كسر الاحتكار، باعتبارها الذراع الحكومية الأخرى على مستوى حلقات البيع للمستهلك بالنتيجة، وهي بعهدة ومسؤولية وزارة التجارة الداخلية؟
من المؤكد، أنه لا جواب، طالما بقيت أشكال الحماية الحكومية منقطعة النظير لحيتان الاستيراد، وأتباعهم مستمرة، ولعل التصريح أعلاه، بغض النظر عن مبرراته ودوافعه، كان أحدها!
فضيحة إهمال وفساد ومحاباة «استيرادية»
على هامش الحديث عن دور السورية للتجارة، وعلاقتها ببعض حيتان الاستيراد، تجدر الإشارة لآخر فضيحة استيرادية «صغيرة» حملتنا وزرها السورية للتجارة، إهمالاً وفساداً، عبر إعلانها مؤخراً عن بيع ألفي طن من الشاي الإيراني المنتهي الصلاحية.
لن نخوض في تفاصيل الخبر أعلاه، فقد أشبع نقداً وتفنيداً عبر الكثير من المقالات خلال الفترة القريبة الماضية، لكننا سنقف عند تصريح مدير عام المؤسسة السورية للتجارة، الذي يقول فيه عن مواصفة الكمية المستوردة من الشاي، تبريراً، بأنها: «لم تكن مخالفة للمواصفات، بل هي مرغوبة كثيراً في بلد المنشأ، لكن في بلدنا لم تكن مرغوبة ولم تحظ بإقبال، وعندما تم عرضها لم يقبلها أحد، وكان تسويقها سيئاً، وذلك بسبب أنها لا تعطي لون الشاي ولا تنحل في الماء».
وبغض النظر عن البعثة التفتيشية التي تعمل في الموضوع وحيثياته، وما ستصل إليه من نتائج، نتساءل:
هل من الممكن اعتبار تصريح المدير العام أعلاه مبرراً؟ أم أنه كذلك محاولة استباقية لإبعاد الشبهات والمحاباة لمستورد هذه الكمية من الشاي أيضاً، بغاية عدم تحميله وزر خسارتها، وتحميلنا إياها كمواطنين بالنتيجة؟!
ونقول: تحميلنا وزرها باعتبار أن السورية للتجارة مؤسسة عامة، وأموالها ونتائج أعمالها من المفترض أنها مِنّا وإلينا كمواطنين، وكذلك فإن خساراتها تُقتطع من جيوبنا في نهاية المطاف، حالها في ذلك كحال غيرها من كل الجهات العامة!
فهل من فضيحة عارية أكبر من ذلك، وعلى الملأ، برغم صغرها؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 995