تعليم مطوّر وسحق مستمر للمعلمين والطلاب..
عمار سليم عمار سليم

تعليم مطوّر وسحق مستمر للمعلمين والطلاب..

التعليم والتعلّم جزء من النشاط الاجتماعي والحكومي، ولا يمكن فصله أبداً عن الواقع الذي يعيشه قطاع التعليم، ومع استمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقمها يوماً بعد يوم يستحيل أن يقوم قطاع التعليم بمهامه، ولو بالحد الأدنى.

لأن هذا القطاع قائم على بنية اجتماعية واقتصادية أصبحت بحاجة إلى حلول إسعافية حتى تستعيد عافيتها، وكل هذا نتيجة الفساد الواسع في البنية الإدارية والقوانين والسياسات التي تهدم ما تبقى من هذا القطاع المهم في بلدنا.

باختصار يمكن القول: ليس هناك تعليم بدون معلم قادر على العطاء، وطلاب قادرين على التعلّم، وأدوات تمكنهم من خوض العملية بنجاح.
فما حال كل مما ذكر في الوضع الراهن؟

معلمون على حافة الجوع

مع كل الزيادات التي ورت مؤخراً- مع التطبيل الإعلامي لها- على أجور المعلم التي لا يتجاوز متوسطها 60 ألف ليرة سورية، فقد تلاشت وتبخرت في أيام قليلة.

فكل نهار جديد، إن لم نقل في كل ساعة، هناك ارتفاع متوحش بأسعار المواد الأساسية من غذائيات ولباس وغيرها، فأصبح الأجر عملياً أقل مما كان عليه قبل صرف طبيعة العمل، التي لا تكفي لشراء سلعة غذائية واحدة، فرواتب المعلمين لا تسد حاجتهم ربما لثلاثة أيام.

فهل يمكن لهذا المعلم الذي أنهكه التفكير بتأمين مستلزمات الشهر، من خبز وغذاء ودواء، أن يقف بكامل قواه وذهنه ليقدم المعرفة لطلابه في الصف؟ في ظل تردي حال المدرسة، من حيث التجهيزات والوسائل التي سنأتي على ذكرها..

أما المهام الموكلة إلى المعلم خارج القاعة الصفية، فلا مساحة زمنية ولا قدرة على القيام بها، فإن قام بها مضطراً فهي على حساب المزيد من تدهور صحته البدنية والنفسية.

فوضع الأسئلة لكل مذاكرة وامتحان، وتصحيح الأوراق، ووضع النتائج في جداول المحصلات والسجلات المخصصة، يحتاج إلى هامش زمني يقضيها على حساب عدد ساعات نومه وطعامه، فقد استغرق وقته بالكامل بعمل إضافي ليسد جزءاً يسيراً من حاجاته اليومية، ومع هذا فهو يقوم بهذه المهام في ظل ساعات التقنين الكهربائي الطوال، إذ يكاد لا يرى النور أبداً خلال الوقت القصير الذي يقضيه في منزله، وبالنتيجة، هو مستنزف في الوقت والجهد حتى الرمق الأخير، وكل ذلك بالنتيجة له انعكاس على أدائه في حصته الدرسية، التي لا تتجاوز 45 دقيقة، مطالب فيها بأن يكون مبدعاً بإيصال المعارف للطلاب بنجاح!.

طلاب منهكون ومدارس غير مجهزة

الطالب، هو الحلقة الأهم في العملية التعليمية، فماذا عن استعداده للتعلم وعبر المناهج المطورة؟

الأغلبية الساحقة من الطلاب يعيشون ضمن أسر تعيش تحت خط الفقر، والكثير منهم تدفعهم الحاجة إلى العمل بعد الانصراف من المدرسة، أما الذين حالفهم الحظ وارتاحوا من مشاركة آبائهم أعباء العمل والإنفاق، فهم مضطرون للوقوع ضحية طوابير الخبز والغاز والمواد التموينية، ليعودوا إلى المنازل الباردة الخالية من وسائل التدفئة، التي يخيّم عليها الظلام، ينتظرون ساعة أو ساعتين من الكهرباء المتقطعة.

فأين واجباتهم المدرسية؟ وأين الإنترنت الذي وضعت المناهج معتمدة عليه في تحصيل الطالب المعرفي؟ وأين الغذاء السليم الذي يقيه من ضعف التركيز؟

المدارس وخدمة الطلاب

فايروس كورونا، والبرد، وشح المياه، وندرة المحروقات، وضعف التجهيزات والازدحام، كل هذا يواجه طلابنا في المدارس، أما عن التدابير الاحترازية من فايروس كورونا المستجد فحدث ولا حرج، فلا تعقيم ولا كمامات ولا تباعد ولا أي إشراف أو مراقبة طبية للمدارس، أما حالات الإصابة بالفايروس فالصحة المدرسية بمنأى عنها تكتماً وإهمالاً، وهذا شيء ملموس. فقليلاً ما تجري مسحات للتأكد من الإصابة، حسب المستوصف التابع للصحة المدرسية ودور الأطباء فيه.

ومع حلول الشتاء البارد تم توزيع مخصصات مازوت التدفئة بمعدل 900 ليتر، فحسب عدد الشعب الموزعة في المدرسة تحصل كل شعبة على مقدار لتر تقريباً، هذا في حال عدالة التوزيع، علماً أن هذه الكمية لا تغطي سوى شعب الطلاب، فإذا ما تم استخدامه في غرف الإداريين فسيكون حكماً على حساب الطلاب!

أما الشعبة وأوصافها في أكثر المدارس، وبشكل متفاوت، ترى المقاعد المهترئة التي لا تصلح لإسناد ورقة عليها، والتي يجلس عليها ثلاثة طلاب متراصين مع حقائبهم، فكيف بهم إذا لم يجدوا وسائل تعليمية تحفزهم وتساعدهم على الفهم؟ بدءاً بالأقلام الملونة، وانتهاءً ببرامج العرض الإلكترونية، وترى أحياناً كثيرة نوافذ بلا ستائر، فالصفوف المطلة على الخارج، والتي تقع باتجاه الشرق، تسطع الشمس عليها على وجوه التلاميذ في أواخر الصيف حاجبة عنهم الرؤية، وعندما يكون الجو ضبابياً تصبح الشعب الصفية معتمة، بسبب غياب الطاقة الكهربائية غالباً، كل هذه الظروف والمعيقات كفيلة بأن تتجه بالطالب إما إلى التسرب، أو ضعف التحصيل العلمي، إلا ما ندر من الناجين، حسب قدراتهم المادية والصحية والعقلية والاجتماعية.

فكيف ستتم العملية التعليمية إذا ربطنا توصيف المناهج، التي تتطلب بنية اجتماعية ومادية وتكنولوجية متينة، بهذا الواقع المنفصل تماماً وبلا أدنى شك عنها؟

في واجهة المحاسبة

كل هذه المشكلات المتراكمة، والتي تفت من عضد التعليم بشكل كارثي، تُلقى على عاتق المعلمين، والإدارة أولاً، وكأن إدارة المدرسة صاحبة قرار وموارد، متناسين أن هذه المأساة ماهي إلا نتيجة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية مجتمعة!

في المقابل، لا بد من القول: إن كل ما سبق يضع المعنيين تحت المساءلة، العاجلة أو الآجلة، لأن انهيار التعليم هو انهيار للمستقبل وللبناء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
994