سهل الزبداني.. هموم ومعاناة دون مؤازرة

سهل الزبداني.. هموم ومعاناة دون مؤازرة

كان سهل الزبداني، ما قبل سنوات الحرب والأزمة، يعتبر المورد الأكبر والأهم لأهالي المنطقة على المستوى الاقتصادي والمعيشي، وذلك لما يحتويه من ثروة زراعية ممتدة على مساحات واسعة.

أما الآن، وبعد قطع أشجار السهل المتعمد، وعودة الأهالي إلى البلدة، فقد اضطر الفلاحون إلى استغلال مساحات أراضيهم بزراعة بعض أصناف الخضار الموسمية، لسد حاجاتهم المعيشية الأساسية، عسى أن يتمكنوا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن ما حدث هو الخروج بمواسم إما خاسرة، أو بالكاد تغطي تكاليفها فقط!

الخروج من الخدمة
واستنزاف المدخرات

من المعروف أن الإنتاج الزراعي لسهل الزبداني كان الممول الرئيس لمعظم المشاريع الفردية الصناعية الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، والتوسع العمراني فيها، والمشغل الرئيس لآلاف الأيدي العاملة، والورشات الصغيرة، ومعامل البلاستيك، والصيدليات الزراعية، ومشاغل التعبئة والتغليف و.. و..

وكان السهل يشكل رقماً معتبراً في السوق المحلية للمنتجات الزراعية، بشقيها (النباتي والحيواني)، وكذلك مساهماً في سوق التصدير للبعض منها، لكن ذلك لم يعد كما كان، فقد خرجت الأراضي الزراعية عن الخدمة، وتوقفت العملية الإنتاجية، وكذلك توقفت الكثير من المنشآت الاقتصادية (الصناعية والحرفية) في المنطقة، كما جرى استنزاف مخزون عائداته المدخرة خلال سنوات ما قبل الحرب، حيث اكتفى بها معظم الأهالي طيلة هذه السنوات، وتحملوا من خلالها تكاليف النزوح وغلاء المعيشة، في ظل غياب أي مورد آخر، وفي ظل غياب دور الدولة على هذا المستوى.

مقارنات مؤلمة

تستمر المقارنات لدى الأهالي بين الأمس واليوم، على مستوى إنتاجهم ومعيشتهم، وما آل إليه حالهم من تردٍّ على كافة المستويات بالنتيجة، والأكثر إيلاماً بالنسبة لهؤلاء، أن بعض الحديث الرسمي يتحدث عن الاستثمارات السياحية في السهل والترويج لها ودعمها، دوناً عن غيرها من الاستثمارات، وخاصة الزراعية، مع العلم أنها، وبرغم أهميتها، لا تشكل إلّا حيزاً محدوداً من أهمية السهل ودوره الاقتصادي الاجتماعي، وعائداتها الاستثمارية لا تنعكس على الأهالي ومعيشتهم فيه، بل تذهب لجيوب المستثمرين المحظيين فقط.

فعلى سبيل المثال: «أبو فراس» صاحب مزرعة مساحتها ٥٠ دونماً، كانت تحوي قبل الحرب ٣٠٠٠ شجرة مثمرة بمختلف الأنواع، وتتراوح أعمارها من ٤٠-٥٠ عاماً، وقد كان يجني من الدونم الواحد ١٠٠ ألف ليرة تقريباً كربح صافٍ في نهاية الموسم، وكرقم وسطي على عدة سنوات، أي: بحدود ٥ ملايين للمزرعة كاملة في الموسم الواحد، كانت كفيلة بتغطية تكاليف معيشته مع أفراد أسرته وأسر أبنائه، بالإضافة إلى إمكانية ادخار الفائض أو تشغيله واستثماره.

أما اليوم، وبعد فقدانه لأشجاره المثمرة، فقد اتجه مضطراً إلى زراعة الخضراوات الموسمية ذات الأرباح القليلة، والتكاليف العالية (أدوية زراعية- محروقات)، فهو يضطر لصرف ١٥٠ ألف ليرة للدونم الواحد تقريباً، أي: بحدود 7,5 ملايين ليرة لـ٥٠ دونماً، وأيضاً التكلفة نفسها للسماد والمستلزمات الأخرى.
والجدير بالذكر، أن أنواع الدواء والمبيدات الحشرية المتوافرة، برغم ارتفاع أسعارها والتحكم بها من قبل البعض، فهي ذات فعالية ضعيفة، وفي بعض الأحيان غير مجدية، ما يعني: أن التكلفة النهائية لن تتناسب مع السعر المتوقع أن يجنيه من كل كغ من إنتاجه بالنتيجة!.

تكلفة المحروقات المرتفعة

بحسب «أبي فراس» فإن التكلفة الكبرى هي تكلفة المحروقات من أجل استخدام محركات الوقود لعملية الري، فالدونم الواحد يحتاج إلى ٤٥٠ لتراً من مادة المازوت في الموسم الواحد، وكان دور الجمعية الفلاحية يتمثل بتقديم المازوت بالسعر المدعوم، فقد قدمت الموسم الماضي المازوت للفلاحين على ٥ دفعات، في كل دفعة ٤٠ لتراً للدونم فقط، أي: ٢٠٠ لتر للدونم في الموسم، ما يعني: أن الفلاح مضطر لشراء ٢٥٠ لتراً بالسعر الحر.
والجدير بالذكر، بحسب بعض الفلاحين، أن جزءاً من مخصصاتهم، أو مخصصات المنطقة، من مادة المازوت تذهب للمنشآت والمصايف والمطاعم، وبعض أصحاب النفوذ في المنطقة!

خسارات

عند سؤالنا عن كيف يخسر موسم ما؟ أجابنا «أبو فراس» أن أحد الأمثلة موسم البطاطا، حيث يصل سعر الـ كغ الواحد من البذار إلى ٨٠٠ ل.س، ومن المفروض أن ينتج الكيلو الواحد من البذار ٧ كيلو بطاطا، وإذا طبقنا عليه التكاليف السابقة، وبسبب تراجع الدعم والاهتمام الرسمي، وشح الموارد والرعاية، وصعوبة القدرة على توفير الماء، والعناية الصحية من الآفات المختلفة، لا ينتح سوى ٢ أو ٣ كيلو، والذي يباع بحدود ٣٠٠ ل.س، وهذا يعني: أنه إما أن يخسر ٢٠٠ ل.س، أو ربح ١٠٠ ل.س في أفضل الأحوال. الأمر الذي علق عليه صاحب المزرعة «عم نحط الـ٩ ما عم نحصل الـ ١٠، إذا أنا وولادي منشتغل باليومية برا أربحلي».

وكما نوه فلاح آخر، أنه اضطر لبيع ٣ دونمات من أرضه لتمويل إنتاج ٣ دونمات أخرى، ولتغطية تكاليفها.
مع الأخذ بعين الاعتبار مناخ السهل الخاص، وخاصة من حيث درجات الحرارة، الذي يناسب أنواعاً محدودة بالنسبة لأصناف الخضراوات على مستوى الإنتاج الذي يحقق ريعية مناسبة، لذلك فقد درج تاريخياً اعتماد بعض أصناف الأشجار المثمرة التي امتاز بها السهل على مستوى الإنتاج، وخاصة بعض أصناف الفواكه (كرز- تفاح- مشمش- دراق- لوز- جوز..).

سنوات من الانتظار والتعب والأمل

الكثيرون من أصحاب الأراضي في السهل، بدأوا بإعادة تشجير أراضيهم بالأشجار المثمرة التي يتميز بها السهل مجدداً، عسى يعود السهل لسابق عهده، وعسى يعودون لسابق عهدهم على مستوى الاكتفاء المعيشي بالحد الأدنى، لكن ذلك مرتبط بإمكانات كل منهم، فدور الحكومة (وزارة الزرعة- الجمعية الفلاحية..) على هذا المستوى خجول جداً، ويكاد لا يذكر، برغم كل التضخيم والترويج الإعلامي عن ذلك، المتركز أساساً على السياحة فقط، وفي ظل التكاليف المرتفعة لتحقيق هذه الغاية، فإن الأمر سيطول انتظاره، خاصة إذا علمنا أن الغراس الجديدة تحتاج كحد أدنى لـ ١٥ عاماً لتدخل طور الإنتاج، وأنها تحتاج خلال هذه الفترة الطويلة إلى تكاليف كبيرة وجهد متواصل ومضنٍ، وخاصة في البداية.

ونختم بما قاله أحد الفلاحين: «بدون منيّة حدا، عم نعمل اللي علينا ونزرع أرضنا بالشجر من أول وجديد، يمكن ما نلحق نشوف مواسمها، بس الأكيد ح تبقى لولادنا وأحفادنا وللبلد، هيك سنة الكون».

لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2020 15:48