الأمبيرات في حلب لم تعد ظاهرة بل واقعاً مؤلماً!

الأمبيرات في حلب لم تعد ظاهرة بل واقعاً مؤلماً!

لم يطل أمد تفاؤل أهالي حلب، بعد الوعود الحكومية المستمرة بالعمل على تحسين الوضع الكهربائي، وإيصالها للأحياء الشرقية، بإيجاد حل لسوق الاستثمار بالأمبيرات، التي تُسعر بما يستنزف جيب المواطن إلى ما فوق طاقته في واقع الحال.

فبعد أن قوننت وشرعنت التجارة والاستثمار بالأمبيرات خلال السنوات الماضية، ها هي ترفع سعر الأمبير على المواطن مجدداً، لتثبت أنها مغمضة العينين والعقل عن معاناة وهموم المواطنين، ليصبح الاستثمار والاستغلال في الأمبيرات كأنه الحل الوحيد المفروض الذي لا مفر منه بالنسبة للمواطنين في هذه المحافظة!

دعم مستمر لظاهرة الأمبيرات

بتاريخ 22 شباط الماضي، كان قد صرح وزير الكهرباء، إثر زيارة الحكومة العتيدة إلى حلب وقتها، أنه سيتم إلغاء ظاهرة الأمبيرات فور إعادة تشغيل المحطة الحرارية، ليتم بعد شهر من ذلك التصريح فقط، صدور قرار المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب، برفع سعر الأمبير لـ ٢٥ ليرة سورية لكل ساعة تشغيل فعلية، وليعود ويصدر القرار رقم 370 بتاريخ 3/11/2020 الذي حدد بموجبه سعر ساعة التشغيل لمولدات الأمبير بـ 45 ليرة سورية لكل ساعة تشغيل فعلي، مما يفسح مجال رفع سعر الساعة التشغيلية لدى تجار الأمبير إلى مالا نهاية.

لم يكن قرار المحافظة الأخير برفع سعر ساعة الأمبير هو الخطوة الأولى لفتح مجال نهب أوسع لمستثمري مولدات الأمبيرات، فقد سبقته قرارات حكومية برفع الدعم عن المازوت من خلال رفع أسعاره، مع عدم إغفال ما يقوله المواطنون بهذا الصدد: «هنن كانوا ياخدوا مازوت مدعوم، لكن المواطن يدفع لقاء الأمبير بسعر المازوت مرفوع الدعم».

فقد أجمع المواطنون على أن القرار ما هو إلا دعم جديد لتجار الأمبير، قائلين: «عندما كانت التسعيرة الرسمية أقل من ذلك كان أصحاب المولدات غير مكترثين، ويتقاضون أجوراً مرتفعة، واليوم بعد زيادة سعر الأمبير بقرار رسمي، فمن المؤكد أن الأسعار ستتضاعف، وبلا حسيب أو رقيب».
أما عن إصلاح وتشغيل المحطة الحرارية، فلا جديد يذكر سوى استمرار الوعود الخلبية حتى الآن، ما يعني استمرار المعاناة والاستغلال من طرف، ومن طرف آخر استمرار الدعم لظاهرة الاستثمار والاستغلال في الأمبيرات!

دعم رسمي لسوق الأمبيرات الحر

ها هو «الحد النهائي» لتجاوزات أصحاب الأمبيرات، يرتفع رويداً رويداً بدعم رسمي واضح.
فكل قرار حكومي يهدف لـ «الحد النهائي» لتجاوزات تجار الأمبيرات، يتبعه قرار جديد آخر يدعم طمع التجار وجشعهم. فقرارات المكتب التنفيذي لم تكن إلا ترخيصاً لتمكين التجار من مضاعفة أسعارهم، التي كانت وما زالت بلا رقابة تضبط تجاوزاتها، والتفاوت في الأسعار بين أصحابها في المنطقة الواحدة.

ففي حي السريان، تفاوت سعر الأمبير بين 1500 والـ 2500 من الساعة 5 إلى الساعة 12 ليلاً، أما في حيي الميدان والأشرفية فالأمر مختلف، حيث إن السعر في كلا الحيين يتفاوت بين الـ 3000 والـ 3500، كما تفاوت الزمن، حيث إن ساعات تشغيلها في حي الميدان من الساعة 9 صباحاً إلى 1 بعد منتصف الليل، بينما في حي الأشرفية فهي بين الساعة 12 والـ 1 ظهراً وحتى الـ 12 ليلاً.

أما في حي الشيخ مقصود، فقد ارتفع سعر الأمبير فيه مؤخراً من الـ 1300 ليصل إلى 2700، بالذريعة ذاتها: عدم توفر المازوت، واضطرار أصحاب الأمبيرات لشرائه من السوق الحر، مقابل 7 ساعات تشغيل فقط.
أما حي الجميلية، فكان له حساب آخر، بوصفه مركز المدينة وحياً تجارياً حيوياً، فكانت ساعات التشغيل من الساعة 9 والنصف، وحتى الساعة 1 مقابل 4000 أسبوعياً.

الأحياء الشرقية

تبقى معاناة أهالي الأحياء الشرقية، حول ممارسات أصحاب المولدات بحق القاطنين ضمن الأحياء المحررة في مدينة حلب، وحول تقاضي أسعار زائدة على سعر الأمبير، وعدم الالتزام بساعات التشغيل، أشد وطأة نتيجة عدم وصول الكهرباء حتى الآن للعديد منها.
يقول «أبو أحمد»: نحن سكان حي الصاخور منذ أسبوع كانت 5 ساعات بـ 1600 ليرة، واليوم 7 ساعات تشغيل بـ 2500 ليرة، وتبقى مقولة (واللي ما عجبو يشيل قاطعو الله معو هاد اللي عندي) مع العلم أنه لا يوجد عندنا بديل، لا كهرباء نظامية، ولا منافس آخر، لأنه لا يسمح لشخص آخر بتنزيل مولدة أخرى، ومع العلم أن المولدة أعطالها كثيرة، ولا تعويض عن ساعات التعطل!
محمود، بائع البليلة في منطقة القاطرجي، يقول عن مستثمر الأمبير: يقوم بتشغيلها من الساعة ١٠ وحتى الـ١ ليلاً، مع استراحة ساعتين للمولدة، سعر الأمبير ٣٥٠٠ ليرة.

أم فراس، وهي من سكان حي الانصاري الشرقي، تخبرنا: بأن سعر الأمبير في الحي 3700 ليرة، والتشغيل ٨ ساعات، عجبك عجبك وما عجبك خلي يلي عبيسعر الأمبير 45 ل.س يجبلك كهرباء!.
وهو حال سكان حي صلاح الدين، حيث إن تشغيل 6 ساعات سعرها 3500 ل.س.
يقول «أبو خالد»: نحن سكان الأحياء المحررة المنسية، بعد انتظار للكهرباء لأكثر من ثلاث سنوات، ووعود السيد وزير الكهرباء بإيصال الكهرباء لهذه الأحياء، قررتم سعر ساعة التشغيل بـ 45 ليرة، هل يعني ذلك أن وزارة الكهرباء عاجزة عن إيصالها!؟ أما بالنسبة للأمبيرات والقرار الجديد نأمل من المحافظة أن تلزم كل صاحب مولدة بالسعر المحدد، وتحديد ساعات العمل، ويجب عليها تأمين مادة المازوت لهؤلاء لسحب ذرائعهم الواهية بسلب المواطن.

تعليمات على ورق

ما زالت مطالبات الأهالي مستمرة بوضع حد لأصحاب المولدات وإلزامهم بالتقيد بمضمون القرارات التي تصدر حول التسعيرة وتشديد العقوبة في حال المخالفات.
فحسب التعليمات، يجب على «التجارة الداخلية وحماية المستهلك»، بموجب كتاب المحافظة، توجيه دورياتها إلى مولدات الأمبير في جميع أحياء المدينة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفق أحكام القانون ١٤ لعام ٢٠١٥ بحق أصحاب مولدات الأمبير المخالفين للأسعار الواردة بقرار المكتب التنفيذي، وإعلام مجلس مدينة حلب بمضمون المخالفة، ليتم إلغاء ترخيص الإشغال الممنوح لهم، وتكليف من يلزم لمراقبتهم ومتابعتهم أسبوعياً لجهة الأسعار، وذلك عند تسديد المشتركين لمبلغ الاشتراك، مع موافاة المحافظة بأسماء العاملين والمراقبين الذين جرى تكليفهم بالمتابعة والمراقبة، وأسماء أصحاب المولدات في القطاع الذين قاموا بمتابعتهم، ليتم اتخاذ الإجراء المسلكي بحق العاملين أيضاً في حال ورود أية شكوى مستقبلاً تتضمن ارتكاب مخالفة للتسعيرة، رغم مراقبتهم ومتابعتهم، وذلك عند التأكد من صحة الشكوى، ما يقيد تقاعسهم وتقصيرهم عن القيام بالأعمال المكلفين بها لضبط التعديات، سواء بالسعر أم فترة التشغيل أو جودة الخدمة المقدمة.
لكن تبقى هذه التعليمات «حبراً على ورق» على أرض الواقع، فلا التزام ولا تقيد ولا رقابة!، والتكلفة الشهرية التي يتكبدها المواطن لقاء الاستغلال بالأمبيرات تتراوح بين 12- 15 ألف ليرة تقريباً.

هل من الممكن إسدال الستار على الأمبيرات؟!

لعل الأجدى من كل ذلك، هو وضع حد للفساد المعرقل لعملية إصلاح المحطة الحرارية، فالسنوات تمر وتمضي دون إنجاز يذكر على هذا المستوى، برغم كل الوعود، وبرغم ما يخصص من اعتمادات لهذه الغاية، أما كيف ولماذا وإلى متى، فهذا بعهدة الحكومة وجهاتها المسؤولة عن هذا الملف؟!
فإسدال الستار على أكثر الملفات حساسية، والتي سبق أن شغلت الشارع الحلبي، وشكلت هاجساً له على مدار سنوات وحتى الآن، بسبب تحكم وابتزاز أصحاب مولدات الأمبير لهم، من دون التفاتهم إلى أية إجراءات عقابية صارمة، لا يمكن أن يتم دون إعادة عمل المحطة الحرارية، ودون السعي الجدي إلى إلغاء الاستثمار والاستغلال بالأمبيرات على حساب حاجات المواطنين ومن جيوبهم وعلى حساب معيشتهم.
فهل سيتم إسدال الستار على ظاهرة الأمبيرات، التي تحولت إلى واقع مؤلم ومستمر، أم إن عوامل الفساد والاستغلال ستبقى هي المتسيدة للمشهد، على حساب المواطنين في المحافظة؟!

لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2020 15:48