لا إمكانية لمزيد من التقشف والجوع!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

لا إمكانية لمزيد من التقشف والجوع!

موجات ارتفاعات الأسعار على السلع والمواد في الأسواق مستمرة، وما يعني المواطن منها هي: أسعار المواد الغذائية التي أصبحت خارج حدود الاستيعاب، بعد أن خرج بعضها عن الموائد.

كان من المتوقع أن ترتفع بعض أسعار الخضار التي شارف موسمها على نهايته، وهو أمر اعتاد عليه المواطنون بحسب الفصول والمواسم، لكن ومنذ زمن أصبح يتزامن ذلك مع مزيد من الاستغلال والتحكم بهذه السلع في الأسواق، والأكثر قساوة، هو استمرار ارتفاع أسعار بعض السلع التي لا علاقة بها بالمواسم الزراعية، مثل: الزيوت والسمون والسكر والرز وغيرها من المواد الغذائية الأخرى.

الخضار والفواكه على محك التقشف

من الطبيعي أن الفواكه باتت من المنسيات بالنسبة للغالبية المفقرة من المواطنين، ومع ذلك فقد كان العنب مقبولاً من حيث السعر بهذا الموسم بالمقارنة مع غيره من أصناف الفواكه الموسمية، حيث استقر سعره خلال الموسم بين 700- 1000 ليرة، لكنه استعاد أسعاره المرتفعة مجدداً مع اقتراب نهاية موسمه، وخرج من قائمة الاستهلاك، حيث تجاوز سعره 1500 ليرة، ليدخل البرتقال إلى المنافسة الآن بسعر 750 ليرة، بانتظار انخفاضه خلال الفترة القريبة القادمة، ربما.!

أما الخضار فقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير ولافت على غير العادة بمثل هذا الوقت من العام، فقد تراوح سعر البندورة بين 700 و1200 ليرة، والبطاطا وصلت إلى سعر 800 ليرة، والخيار وصل إلى 1000 ليرة، والباذنجان إلى 700 ليرة، وكذلك الملفوف، والبصل وصل إلى 1000 ليرة، أما الخس فسعره وصل إلى 500 ليرة، والبقدونس 250 ليرة.
مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق السعرية بين سوق وآخر، وبين مدينة وأخرى، وبحسب النوعية والتعبئة والتغليف.

مزيد من التقشف

خرجت اللحوم الحمراء من قائمة الاستهلاك اليومي للغالبية الساحقة والمفقرة من المواطنين منذ عدة سنوات، وتبعها مؤخراً خروج بعض مشتقات الحليب أيضاً، وخاصة الأجبان، بعد أن ارتفعت أسعارها بشكل كبير، وأصبحت فوق قدرة المواطنين على الشراء، كما انخفضت معدلات استهلاك لحوم الدجاج، وبيض المائدة أيضاً، مع موجات الارتفاعات السعرية التي طالتها خلال الفترة القريبة الماضية، حيث دخلت حيز الاستهلاك الترفي بالنسبة لبعض الأسر.

أما السكر والرز والسمون والشاي والبن والمعلبات، وغيرها من المواد والسلع الغذائية المستوردة فقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير مؤخراً، وذلك ارتباطاً بسعر الدولار، مع إضافة عوامل الاستغلال وهوامش الربح المضافة تحت عناوين الذرائع الممجوجة والمستهلكة (حصار- عقوبات - أزمة..)، وسبق أن انخفضت معدلات استهلاك هذه المواد للحدود الدنيا أيضاً، لكن الاضطرار بالنتيجة هو سيد الموقف في بعض الأحيان، فقد تزايدت معدلات التقشف على غالبية المواد الغذائية المستوردة نظراً للتفاوت الكبير بين أسعارها بالمقارنة مع القدرة الشرائية للمواطنين.

وقد بات من المستحيل رصد أسعار هذه المواد والسلع، فأسعارها متبدلة ومتغيرة بكل ساعة في بعض الأحيان، وذلك بحسب ما يفرضه الموردون الكبار من هوامش ربح بالتوازي مع سعر الدولار المتبدل، بسبب استمرار تراجع قيمة الليرة.

مزيد من الجوع

الأسعار التي لم تقف عن الارتفاع فرضت على المواطنين موجة جديدة من التقشف بحدود الاستهلاك الغذائي، أي: مزيد من العوز بهذا المجال، بسبب عدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الفعلية منها بما يسد رمقهم، والنتيجة، أن سلة الاستهلاك الغذائي اليومي باتت أكثر محدودية، لتضاف إليها أيضاً مادة الخبز، التي وضع لها سقف استهلاك دون الحاجة الفعلية وبشكل رسمي أيضاً، ما يعني: أن الغالبية المفقرة أصبحت أكثر فقراً وجوعاً.
وطبعاً، كل ذلك معلوم ومعروف من قبل الرسميين بمختلف مواقعهم ومسؤولياتهم، بل وبعض القرارات والتعليمات الرسمية تدفع بهذا الاتجاه.

مزيد من عوامل النهب والفساد واللامبالاة

لن ندخل في متاهات مبررات رفع الأسعار المعتادة التي تتحدث عن آليات العرض والطلب، أو عن التكاليف، وغيرها من الذرائع التي تصب بمصلحة حيتان الأسواق وتجارها وسماسرتها ومستورديها ومصدريها، على حساب المزارعين المنتجين كما على حساب المستهلكين، لكننا لا يمكن أن نغفل بعض ما ورد من أسباب إضافية بشكل غير رسمي، والتي تتحدث عن عمليات التصدير التي تزايدت خلال الفترة القريبة الماضية، علماً أنها لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، وعن عمليات التهريب المستمرة للأغنام وللكثير من الخضار والفواكه، وكذلك للفروج والبيض ومشتقات الحليب، التي تؤثر بشكل مباشر على ما يتم التغني به بما يخص آليات العرض والطلب في الأسواق، بالإضافة إلى ارتباط تراجع قيمة الليرة الشرائية بالواقع المعيشي للمفقرين.

لقد تضافرت عوامل استغلال المواطنين، مع عوامل النهب والفساد، ليضاف إليها طبعاً عوامل اللامبالاة الرسمية اتجاههم من خلال مجمل السياسات المتبعة وعلى المستويات كافة، لكن المشكلة المتفاقمة، وغير المدركة بتداعياتها وكوارثها ربما، أن معدلات التقشف والجوع وصلت حدودها القصوى بالنسبة للغالبية المفقرة، ولا مزيد يمكن إضافته إليها، وربما لم يبق إلا مشاهدة مزيد من الساقطين مرضاً بسبب العوز الغذائي، أو موتاً من الجوع!
فهل سنبدأ بمشاهدة هذه المظاهر المؤلمة وقد تفشت، أم سيكون لهؤلاء المفقرين الجائعين قول آخر؟!

لتحميل العدد 992 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
992
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين2/نوفمبر 2020 16:40