70% من السوريين يستهلكون مياهاً ملوثة..
لم تنته قصة الإصابات بالتهابات الأمعاء في مدينة معضمية الشام بسبب تلوث المياه فيها التي حدثت الشهر الماضي حيز النسيان بعد، لتعاد كرة الحديث عن تسجيل إصابات بالتهاب الكبد الوبائي في منطقة وادي العيون في ريف حماه لنفس السبب (المياه) مجدداً، مع الإشارة إلى أن تسجيل الإصابات في وادي العيون ليس جديداً، فقد سبق أن تم تسجيل عدد من الإصابات خلال شهر آب الماضي أيضاً.
الحديث عن تلوث مياه الشرب غالباً ما يكون بسبب اختلاطها بشبكة مياه الصرف الصحي، مع اختلاف المناطق التي يتم رصد هذا التلوث فيها، وبغض النظر عن النتائج التي يسفر عنها هذا التلوث، مع التأكيد دائماً على عقامة المياه التي يتم ضخها في الشبكات الرسمية من قبل المعنيين.
صعوبة الرصد والأمثلة كافية
ربما من الصعوبة رصد ما يجرى تداوله من حوادث تحت عناوين تلوث المياه، فالكثير من هذه الحوادث تمر مرور الكرام بسبب قلة عدد المصابين بأعراض مرضية متفاقمة تستقطب وسائل الإعلام، فيما تمارس الجهات المسؤولة عن المياه، سواء الشرب أو الصرف الصحي، الكثير من عمليات التعتيم عليها، مع محاولات رفع المسؤوليات عنها بهذا الصدد، بل وتجيير جزء من مسؤوليتها للمواطنين في بعض الأحيان.
ففي مدينة السلمية مطلع العام الحالي جرى الحديث عن رصد تلوث لمياه الشرب فيها، وذلك بسبب اختلاطها مع شبكة مياه الصرف الصحي، وكذلك تم رصد تلوث لمياه الشرب مطلع العام في منطقة وادي بردى في ريف دمشق الغربي، ناهيك عمّا ذكر أعلاه عن وادي العيون والمعضمية، بالإضافة إلى ما سجل بهذا الصدد من حوادث شبيهة خلال السنوات القليلة الماضية في أماكن كثيرة أخرى.
المشكلة، وإن بدت محصورة ومحدودة، إلا أن نتائجها كبيرة، فالأمثلة المذكورة أعلاه كانت فيها أعداد كبيرة من المصابين، ولعل ذلك كافٍ لتسليط الأضواء عليها مجدداً.
قلة ثقة بالتجربة
على الرغم من أن مياه الشرب تستمر بالانقطاع لساعات طويلة يومياً، وأحياناً لأيام متتالية في بعض المناطق، بسبب التقنين فيها، أو بسبب عدم مواكبة ساعات تقنينها مع ساعات تقنين الكهرباء، ومع ذلك تكون فيها عكارة ورواسب، وأحياناً روائح كريهة أيضاً، ليضاف بعد كل ذلك عدم الثقة بسلامتها على الصحة.
ففي الكثير من البلدات يتم استخدام المياه الواردة عبر الشبكة الرسمية للغسيل والتغسيل فقط، بينما يتم شراء مياه الشرب من مصادر أكثر موثوقية، ما يشي بأن غالبية المواطنين في هذه المناطق قد فقدوا ثقتهم بمياه الشرب التي تصلهم عبر الشبكات النظامية، وذلك عبر تراكم خبرتهم وتجاربهم المريرة معها، ولو تكبدوا كتلة إنفاق كبيرة جراء ذلك!
تقرير أممي يؤكد حجم المشكلة
في تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صدر في شهر تشرين الأول الماضي، تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام، ورد عن مشكلة المياه ما يلي: «أن 70% من السوريين يستهلكون مياهاً ملوثة وغير صالحة للشرب.. وأن الأسر السورية باتت تنفق 25% من دخلها على المياه، لافتاً إلى أن 15 مليون سوري على الأقل يعانون من تلك الأزمة».
التقرير أعلاه، ربما يؤكد المؤكد من حيث حجم المشكلة، فيما يحصد المواطنون وحدهم تداعياتها ونتائجها دون أدنى شك، سواء على المستوى الصحي أو على المستوى المادي.
مع العلم أن البرنامج الأممي بجزء من مهامه يقوم على إعادة تأهيل بعض شبكات المياه (الشرب والصرف الصحي) أيضاً، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر التمويل، وقد تزايد الاهتمام بذلك مع موجة انتشار «الكورونا» خلال العام الحالي، بحسب البيانات الصادرة عن البرنامج.
التهرب من المسؤوليات
قد يبدو أن مشكلة تلوث مياه الشرب بارتباطها بشبكات مياه الصرف الصحي ذريعة مقبولة لدى بعض المعنيين للتهرب من مسؤولياتهم وواجباتهم، لكن هل فعلاً من المفروض أن يعفى هؤلاء من هذه المسؤوليات؟!
من المفروغ منه، أن شبكات الصرف الصحي، وشبكات مياه الشرب، تعرضت إلى الكثير من الأضرار خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك بسبب الحرب والأزمة، وخاصة في بعض المناطق التي تعرضت بنيتها التحتية للتهتك وكانت بحاجة لإعادة تأهيل، لكن مع مرور الزمن سقطت ذريعة التهتك في البنية التحتية، والأهم: أنه من المفترض أن عمليات إعادة التأهيل استكملت في الكثير من المناطق، ليس بدليل ما تم صرفه من نفقات تحت هذا العنوان، فهذا الأمر قد يكون فيه الكثير من جوانب الفساد، بل بدليل إعادة ضخ مياه الشرب في شبكاتها مجدداً، وأصبحت هذه المياه بعهدة ومسؤولية وحدات مياه الشرب فيها، وكذلك الحال بالنسبة لشبكات الصرف الصحي، فكيف الحال في المناطق التي لم تتعرض فيها شبكات المياه للضرر.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن أحد أهم الأسباب التي لا تعفي من المسؤولية، هو أن تكون هذه الشبكات قريبة من بعضها البعض، بحيث تتأثر برشح مياه الصرف الصحي إلى شبكات مياه الشرب، وهذا الجانب فني هندسي وهو بعهدة ومسؤولية طرفي المعادلة، المسؤولين عن شبكات مياه الشرب، والمسؤولين عن شبكات الصرف الصحي، وهذه المسؤولية لا تزول بالتقادم، وقد لا تستطيع شبكات الفساد أن تستمر بتغطيتها.
أما الأهم، فهو أن ما يقال عن عقامة المياه في شبكات مياه الشرب، كذريعة للتهرب من المسؤولية، أصبح غير موثوقاً، بدليل ما يسجل من حوادث تلوث فيها، وبدليل استنكاف الكثير من المواطنين عن استهلاكها للشرب، هذا في حال أغفلنا ما يرد في التقارير الأممية عن حجم المشكلة.
ملف حياتي وصحي هام
بعيداً عن تقاذف المسؤوليات والتهرب منها، ربما من الواجب التأكيد على أن ملف شبكات مياه الشرب وسلامتها، وسلامة المياه فيها، لا يقل أهمية عن أي ملف صحي وحياتي آخر، خاصة وأن تداعياته ونتائجه الصحية والمرضية خطيرة بما فيه الكفاية، وقد تكون كارثية في بعض الأحيان، ومن المصائب أن يتحول هذا الملف- على أيدي بعض المستهترين أو الفاسدين والمتهربين من المسؤولية- إلى ملف كارثي يضاف إلى الملفات الكارثة التي يعيشها السوريون.
لتحميل العدد 992 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 992