نسبة الـ10% مقابل الـ90% رسمياً
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

نسبة الـ10% مقابل الـ90% رسمياً

وردت عبارة عن لسان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، خلال الأسبوع الماضي، يقول فيها: «الآن ونحن جالسون يمكننا أن نتهم كل الجمارك، وكل التموين، وكل شرطة المرور، أنهم يأخذون رشوة وفوراً.. أنا ما أريد قوله أنّ (90%) من هؤلاء الموظفين جيدون ولا يتقاضون الرشوة، وهذا الموضوع تبيّن لنا بالتحليل والتدقيق لمراقبي التموين، ولكن صحيح أن جزءاً منهم يرتكب أخطاء وسيكون هناك شغل على هذا الموضوع».

وقد مرت هذه العبارة مرور الكرام، برغم أهمية بعض ما ورد في متنها، فالوزير، في معرض الحديث عن أسواق الهال وحلقات البيع عبر إحدى وسائل الإعلام، كان يحاول التقليل من شأن النسبة التي ساقها بعبارته، وربما بذلك يعبر عن الرؤية الرسمية تجاهها، لكنه بيّن من حيث لا يدري أحد أهم أسباب غالبية مشاكلنا وأزماتنا التي تتجذر بهذه النسبة المجحفة والظالمة في الكثير من أوجه تجلياتها، والمتمثلة بالـ10% مقابل الـ90%، المعممة على واقعنا وحياتنا ومعاشنا ومستقبلنا.

الاعتراف الموارب

بعيداً عن الخوض بتفاصيل «التحليل والتدقيق لمراقبي التموين» التي أشار إليها الوزير، فالعبارة بتعميمها ربما تقول بالمحصلة: إن 90% من الموظفين والعاملين في الدولة «جيدون ولا يتقاضون الرشوة»، وهؤلاء مظلومون من الناحية العملية جراء تعميم الاتهام بالرشوة، ولعل ذلك لم يجافِ الحقيقة، والـ10% الباقيين هم السيئون ومن يتقاضون الرشوة والفاسدين، وهؤلاء، صغارهم وكبارهم، بالنتيجة قد يكونون سبب البلاء والمصائب في عمل كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، بانعكاسات هذا العمل والأداء طبعاً على مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والثقافية والسياسية و.. في البلاد، بحسب التفسير المبسط لمضمون هذه النسبة.
فبرغم الاعتراف الجلي بهذه النسبة المعممة، لكن وكأنها تعتبر مقبولة على المستوى الرسمي، والتعامل مع نتائجها السلبية يتمحور حول أنها «أخطاء وسيكون هناك شغل على هذا الموضوع»!، مع محاولات التقليل من شأنها وحجمها، برغم حجم ضررها الكبير على عمل أجهزة الدولة، وخاصة في بعض مفاصل عملها الأساسية، وبالتالي حجم هذا الضرر على المستوى الوطني بعناوينه العريضة السابقة، والأهم النظر لهذه النسبة بالمفرق، أي كأنها حالات فردية، وليست بالجملة، وكنتيجة طبيعية لمجمل السياسات المطبقة، المجحفة والظالمة بحق الغالبية الذين يمثلون نسبة الـ90%، وعلى كافة المستويات، أي التمسك باستمرار العمل بنفس السياسات، كونها الأكثر براءة والبعيدة عن الشبهات، من حيث النتيجة!.
السياسات الليبرالية أس المشكلة
لا شك لدينا أن النسبة المعممة أعلاه، برغم الاعتراف بها ومحاولات التقليل من شأنها ومن حجمها، هي إحدى النتائج العملية والمباشرة لتبني السياسات الليبرالية وتطبيقها خلال العقود الماضية، بانعكاساتها على عمل وأداء أجهزة الدولة ومؤسساتها، وعلى كافة مستوياتها.
فالسياسات الليبرالية المتبعة مثلاً: هي التي تحابي وتحافظ على مصالح نسبة الـ10% من السوريين (كبار الأثرياء والفاسدين و..) على حساب الـ90% من بقية السوريين، بمختلف شرائحهم الاجتماعية، والنتائج المباشرة لذلك هي ما وصلنا إليه من كوارث على مستوى بعض النسب التقريبية المشابهة الأخرى، والتي يمكن إيراد التالي منها على المستوى الاقتصادي الاجتماعي: 90% مفقرين مقابل 10% أثرياء، 90% جائعين بمقابل 10% متخمين، 90% منهوبين بمقابل 10% ناهبين، 90% مقهورين بمقابل 10% مستبدين، 90% مظلومين بمقابل 10% ظالمين.. ولكم أن تعمموا ما شئتم من العناوين التي تنطبق عليها النسب السابقة بشكل أو بآخر.
فأُسّ مشاكلنا وأزماتنا، القديمة والمستجدة، يتجذر بشكل أو بآخر بهذه النسب الظالمة الناجمة عن تبني السياسات الليبرالية المجحفة منذ عقود، والتي تجاوزت مرحلة التوحش بنتائجها الملموسة، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة وتداعياتها وتداخلاتها، ومع ذلك هناك على المستوى الرسمي من يتبناها ويريد التقليل من شأنها ومن حجمها، بل واعتبارها أمراً عادياً ومقبولاً!.
والأكثر سوءاً من كل ذلك، هو اعتبار كل النتائج السلبية الناجمة عنها عبارة عن أخطاء فردية، مع عدم إنكارنا لها طبعاً، وذلك لإبعاد الشبهات عن السياسات ومتبنيها والمستفيدين منها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
970
آخر تعديل على الأربعاء, 17 حزيران/يونيو 2020 10:13