شح الأدوية وخيار الموت بمقابل تدني فرص الحياة
ما زالت مشكلة عدم توفر بعض أصناف الأدوية وفقدان بعضها الآخر تتفاقم، وما زال تقاذف المسؤوليات يتسيد الموقف، بين المعامل والمستودعات والصيدليات ووزارة الصحة والحكومة، فيما بقي المواطن هو الضحية الذي يدفع ضريبة هذه المشكلة على حساب صحته، ومن جيبه على حساب معيشته.
المشكلة التي تتكرر بين الحين والآخر، وكل مرة بسبب وذريعة، زادت تداعياتها السلبية على المرضى، وخاصة الذين يعانون من الأمراض المزمنة والخطرة، وتبدو أكبر بالنسبة للمرضى من الأطفال وصغار السن.
مواقف ورؤى متباينة
المشكلة التي عانى منها المواطنون وما زالوا، وصلت لوسائل الإعلام ولمواقع التواصل الاجتماعي، وجرى رصدها من غالبية أوجهها وجوانبها، ومن خلال تفاعل الجهات المعنية معها.
فقد نُقل عن لسان مديرة الشؤون الدوائية في وزارة الصحة عبر بعض وسائل الإعلام قولها: «كانت هناك ضبابية بالرؤية في الفترة السابقة، ولكن المعامل الآن متشجعة لتضخ كل إنتاجها في السوق المحلية»، مضيفة: «كل صيدلية تغلق لأكثر من 3 أيام ستكون هناك إجراءات بحقها لأنه لا يوجد أي دافع لإغلاق الصيدلية ومجرد الإغلاق هو احتكار».
وحول التسعير أوضحت: «صدر في تاريخ 26 آذار قرار باعتماد سعر الدولار 704 ليرة فيما كان سابقاً 438 ليرة، وعليه فإن كل معمل يستورد مادته الأولية بعد 26 آذار ستتم تسوية سعرية معه بما يتوافق مع الفرق»، ونوهت: «أن رفع سعر الأدوية سيكون تدريجياً وبنسبة متوافقة مع سعر الصرف الذي تغير».
وقد ورد على صفحة الحكومة بتاريخ 4/6/2020 ما يلي: «أقر اجتماع في رئاسة مجلس الوزراء «خاص بواقع الصناعات الدوائية» مجموعة من الإجراءات والآليات المرنة لضمان استمرار هذه الصناعات وتأمين مستلزماتها، بدءاً من أولوية تمويل المستوردات عن طريق المصرف المركزي للمواد الأولية اللازمة للصناعات الدوائية بأسعار تفضيلية تبلغ /700/ ليرة سورية للدولار لتأمين كامل حاجة السوق المحلية من جميع الأصناف».
في المقابل، فقد نقل عن بعض أصحاب معامل الأدوية أن: «الصناعة الدوائية السورية أصبحت في خطر»، وبأن: «الوزارة كانت تسعر على أساس سعر الدولار الرسمي واليوم تسعر على سعر ٧٠٥ ليرة بينما نشتري كأصحاب معامل موادنا مع كافة المستلزمات على أساس السعر في السوق وأكثر، بالإضافة الى ارتفاع الزيوت وقطع الصيانة وغير ذلك»، وبأن: «العمولات من شركات الصرافة تجاوزت ٥٠%، إن وافقوا على التحويل، وللبعض تجربة سيئة جداً في هذا المجال، مع العلم أنه لا توجد إمكانية للتحويل حالياً بسبب العقوبات، وبالتالي، مجبرون على الشراء من السوق لتأمين جميع المستلزمات من كرتون ونشرات وألمنيوم وpvc وكحول وسوائل وسواغات وعبوات زجاجية وبلاستيكية وغيرها».
مشاهدات ووقائع
مشاهد الصيدليات المغلقة كان اعتيادياً خلال الأسبوع الماضي، كذلك طغيان مشهد الفراغ على الرفوف والكونتوارات وواجهات العرض داخل غالبية الصيدليات المفتوحة، والأكثر من هذا وذاك هو: اعتياد سماع عبارة «والله ما في»، أو عبارة «والله ما عاد أجانا منو»، أو عبارة «هلأ خلص»، أو وبأحسن الأحوال عبارة «عندي علبة وحدة»، وذلك عند السؤال عن الكثير من الأدوية، مهما كانت نوعيتها ودرجة أهميتها وضرورتها.
بعض المواطنين اضطروا للقيام بجولات مكوكية على عدد كبير من الصيدليات من أجل الحصول على دواء معين، بالمقابل، جرى التعامل مع الأدوية من قبل بعض المواطنين كغيرها من السلع، حيث حاول بعضهم الحصول على كميات إضافية من بعضها خشية فقدانها أو ارتفاع سعرها لاحقاً!، كذلك لجأ بعض الصيادلة إلى تقنين وترشيد بيع بعض الأدوية للمواطنين بحسب الكميات المتوفرة لديهم من أجل فسح المجال أمام أكبر عدد منهم للاستفادة من هذه الكمية.
الأكثر طغياناً من كل ما سبق هو: ارتفاع أسعار الأدوية، بحال توفرها، بنسب كبيرة، وتفاوت السعر بين صيدلية وأخرى لنفس الدواء في بعض الأحيان، مع تزايد حظوظ الأدوية المهربة التي راج سوقها بشكل أكبر مما سبق، طبعاً مع هامش سعري أعلى، ومع الكثير من المنيّة أيضاً.
الحلول الورقية والجذرية
ختاماً، وبكل اختصار يمكن القول: إن واقع شح الدواء وارتفاع سعره ينذر بوضع كارثي بالنسبة للمواطنين، وهو مؤهل لمزيد من التفاقم الذي سيدفع ضريبته بالنتيجة هم المرضى، وخاصة الذين يعانون من الأمراض المزمنة والخطيرة، الذين بدأوا عملياً بمواجهة خيار الموت، في ظل تراجع فرص الحياة، سواء بسبب تردي الوضع المعيشي، أو بسبب نقص الأدوية وشحها وارتفاع أسعارها.
فهل ستستمر الحكومة والجهات المعنية تتعامل مع هذه الكارثة ورقياً، وعبر التهرب من المسؤوليات وتجييرها، بعيداً عن الحلول العملية الجذرية؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 969