خندق المستهلك في مواجهة ساحات الآخرين
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

خندق المستهلك في مواجهة ساحات الآخرين

بعد أخذ وردٍّ، وبين التأكيد والنفي، رضخت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك للسوق، معلنة على لسان معاون الوزير أن: «الوزارة تعمل على تحديد أسعار جديدة وتكلفة الخبز في المطاعم والأفران الخاصة، لافتاً إلى أن الأسعار التي ستصدر الأسبوع القادم ستكون منصفة للتجار والمواطنين».

أسعار الخبز السياحي والكعك وخبز الصمون، سبق وأن فرضت إيقاعها ارتفاعاً في السوق منذ أكثر من شهرين، وقد كشف أحد أعضاء جمعية حماية المستهلك، خلال شهر تشرين الأول الماضي، عن وجود دراسة لرفع أسعار الكعك في حينه، وذلك استناداً لمطلب الجمعية الحرفية لصناعة الخبز والكعك والمعجنات في دمشق.
نفي سابق وتأكيد لاحق
الواقع المفروض سعراً في السوق، والدراسة المفترضة عن رفع السعر وفقاً لاقتراح الجمعية الحرفية لصناعة الخبز بذريعة ارتفاع تكاليف الإنتاج، نفاها مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، مبِّيناً عبر إحدى وسائل الإعلام، أن «ما يتم تداوله بعيدٌ كل البعد عن الحقيقة»، ولا ندري بالمحصلة أين أصبحت الحقيقة بعد أن تم تأكيد دراسة رفع الأسعار على لسان معاون الوزير؟!.
تصريح معاون الوزير الأخير أتى خلال حديث إذاعي منذ يومين، وقد تناول فيه ارتفاع أسعار القمح المستورد والدقيق، والذي أدى بدوره لرفع سعر الخبز السياحي، في إشارة لما ستؤول إليه الأسعار التي ستصدر قريباً، وتبريراً مسبقاً لارتفاعها رسمياً، والتي قال عنها بأنها ستكون «منصفة للتجار والمواطنين».
ضياع المهام والإنصاف
والنتيجة، أن القرار الوزاري السعري القادم لن يكون إلّا بمثابة قوننة وشرعنة لرفع السعر الذي تم فرضه منذ شهرين عبر قانون السوق، الذي يفرض إيقاعه كبار المتحكمين فيه من التجار والمستوردين، وهو بالترجمة العملية تعبير عن استسلام الوزارة ورضوخها وعجزها أمام هذا القانون والمتحكمين به، حيث لم تستطع، وربما لم تحاول، كبح جماح ارتفاع أسعار الخبز السياحي والكعك والخبز الصمون في الأسواق خلال الفترة الماضية.
أما المشكلة الأكبر، فهي: أن رفع السعر القادم على هذه السلع، بذريعة ارتفاع تكاليفها، سيكون ذريعة ومبرراً رسمياً وغير رسمي لرفع أسعار بقية السلع التي تدخل في مكوناتها بعضٌ من موادها الأولية، وخاصة القمح والمحروقات، في سلسلة قد تبدأ ولا تنتهي، وكل ذلك من جيب المستهلك بالنتيجة، وعلى حساب معيشته.
أما الملفت، فهو الحديث عن «الإنصاف» بين التاجر والمواطن في هذه المعادلة السوقية التي باتت خارج حسابات التحكم والضبط والرقابة من قبل الوزارة وأجهزتها، وأصبحت ممسوكة بكل مكوناتها من قبل التجار، كبارهم قبل صغارهم، حيث باتوا هم المسيرون لحركة السوق والمتحكمون بآلياته، والوزارة المعنية بحماية المستهلك ما عليها إلّا أن تتبعهم بقوننة وشرعنة أعمالهم ونتائجها ليس إلا، ولا ندري بعد كل ذلك أين أصبحت مهام الوزارة؟ ولعل السؤال الأهم: إذا كان حال الوزارة بهذا الشكل، فمن أين سيأتي الإنصاف تجاه المواطنين؟ فواقع حال السوق يقول: كأن الوزارة والتاجر قد تخندقوا سوياً في مواجهة المواطن واحتياجاته، وعلى حساب معيشته، أو بالأحرى أصبح المواطن وحيداً في خندقه، بعد استباحة ساحات السوق من قبل من لا يرحمون، فأين المفرّ؟