إغضاب أمريكا أسهل من إرضائها
يقول هنري كيسنجر: «أن تكون عدواً لأمريكا فهو أمرٌ خطير، أما أن تكون صديقاً لها، فهو أمرٌ قاتل».
ينطبق هذا القول على وضعنا في سورية، انطباقاً مثالياً؛ خاصة أنه على حدودنا، وضمنها، يقع الكيان «الإسرائيلي» المحتل، المدلل والمفضل عند الأمريكي؛ حيث تثبت التجربة الطويلة والمريرة، أن أي محاولة للفصل بين سياسات الأمريكي في منطقتنا، وتجاهنا كبلد، وبين سياسات «الإسرائيلي»، هي ضرب من التضليل والتوهم والقصور المعرفي والسياسي.
ما تريده أمريكا في سورية، لا ينبغي استقاؤه فقط من تصريحات مسؤوليها، (وهي تصريحات متضاربة ومتعاكسة دائماً، ليس فقط بسبب وجود عدة تيارات ضمن واشنطن، بل أهم من ذلك أن هذه هي طريقة العمل المعتمدة لدى الأمريكيين، يقولون دائماً الشيء وعكسه، وغالباً يعملون من أجل شيء ثالث لا يقولونه).
فهم ما تريده أمريكا من سورية يتطلب النظر في الأمور التالية:
أولاً: ضمن صراعها الدولي على الهيمنة، فإن منافسها الأساسي هو الصين وروسيا، ودول بريكس على العموم، (أي القوى القارية). وكي تتمكن من قطع الطريق الصاعد لهذه القوى، فإن عليها تدمير مشروعي الحزام والطريق والمشروع الأوراسي، وهذا لا يتم إلا عبر تفجير منطقتنا وكامل منطقة آسيا الوسطى، وتحويلها إلى حاجز من الدمار والموت والحروب في وجه التقدم الاقتصادي القاري المضاد.
ثانياً: هذا يعني أنه في منطقتنا، فإن كلاً من تركيا ومصر والسعودية وإيران، (وهي القوى الإقليمية الأساسية فيها إلى جانب الكيان)، ينبغي تدميرها وتقسيمها؛ وعلى الأقل، البدء بتدمير وتقسيم واحدة منها، (الأكثر ترشيحاً هما تركيا ومصر بعد فشل تدمير إيران عسكرياً)، كي تتدحرج كرة النار في كامل الإقليم. وما نراه من تحسن غير مسبوق في علاقات هذه الدول الأربع ببعضها البعض، وعلاقاتها بكل من الصين وروسيا، هو تعبير عن فهمها المشترك لهذا الهدف الأمريكي، ومحاولتها التنسيق والتعاون لمنع تحقيقه.
ثالثاً: بما يخص سورية، فإن الوظيفة الموضوعة لها أمريكياً، والهدف النهائي، ليس «التطبيع» مع الكيان، حتى لو بشروط مذلة، بل الوظيفة هي أن تتحول إلى صاعق تفجير لتركيا خاصة والمنطقة عامة.
رابعاً: ما نراه من كذب أمريكي في موضوع رفع العقوبات، ومن دفع نحو تبني نموذج اقتصادي يضعف الدولة والمجتمع، وما نراه من كذب وخداع سياسي محصلته الدفع نحو اقتتال السوريين فيما بينهم على أسس دينية وطائفية وقومية، وما نراه من تغاض عن التخريب «الإسرائيلي»، هذا بمجموعه يؤكد أن آخر ما تريده أمريكا في سورية هو الاستقرار والازدهار، وأول ما تريده هو الدمار والفوضى وإضعاف كل الأطراف السورية بلا استثناء، لتحويل البلاد كما أسلفنا لصاعق لتفجير الإقليم.
الحفاظ على سورية ووحدتها وسلمها الأهلي في ظل هذه الصورة، يتطلب جرأة وطنية وسياسية تجعل من توحيد السوريين والاستقواء بهم وبوحدتهم، المخرج الأساسي في التعامل مع الخارج، وخاصة مع الأمريكي و«الإسرائيلي»... أكثر ما يمكن أن يغضب الأمريكي و«الإسرائيلي» اليوم، هو توحيد السوريين عبر مؤتمر وطني عام... علينا إذاً أن نُغضب الأمريكي و«الإسرائيلي»، بتوحيد السوريين!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000