تبيعو على وضعو!؟

تبيعو على وضعو!؟

إفرازات الأزمة التي مرت بها محافظة دير الزور ما تزال تتفاقم وتتجلى بأشكالٍ وألوان وموجات متعددة، فهي كالحرباء تتلون مع كل ظرف ولحظة، من قبل التجار وحماتهم من الفجار والفاسدين، فبعد فكّ الحصار عن أحياء دير الزور وتحريرها مع ريفها من رِبقة التنظيم الفاشي داعش، ازدهرت موجة التعفيش، وبعد انحسارها، جاءت موجة التنحيس، وآخر موجة ومؤكد لن تكون الأخيرة، طالما بقيت السياسات والممارسات نفسها هي: موجة شراء العقارات بتراب المصاري!

خلال السنوات الأولى من عمر الأزمة ومع استمراريتها، ازدهرت تجارة العقارات، وذلك من قبل تجار الأزمة الذين كانوا متسترين، ممن نهبوا ثروات الوطن والأهالي، وخاصةً النفط، وكذلك من قبل الفاسدين الذين استغلوا مناصبهم وسلطتهم من مدراء ومحاسبين، أو البعض ممن حملوا السلاح باسم الدفاع عن الوطن، وذلك لغسل أموالهم التي نهبوها، عبر شراء العقارات، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها أضعافاً سواء في دير الزور، أو في المحافظات الأخرى التي انتقلوا إليها، حيث ارتفعت الأسعار بين خمسة أضعاف وعشرة أضعاف، فالبيت الذي كانت قيمته لا تتعدى المليون أصبح بعشرة، والأمثلة كثيرة في حيي الجورة والقصور
تبيعوا على وضعو!
انتشرت مؤخراً في الأحياء المحررة في دير الزور مجموعات من تجار العقارات، تتجول في الشوارع، وتلتقي مع الأهالي الذين عادوا إلى أحيائهم وبيوتهم لتفقدها، وتقوم هذه المجموعات باستغلال أوضاع الأهالي وحاجتهم للمال سواء للمعيشة، أو للحصول على سكنٍ ومأوى، في مناطق تهجيرهم، وخاصةً أصحاب المنازل المدمرة والمحروقة، والذين فقدوا وثائق ملكيتهم للعقارات التي احترقت مع العقار والعفش، وأيضاً عدم توفر العمالة اللازمة ومواد البناء والكساء، وأسعارها الخيالية التي تفوق قدراتهم، حيث يبادرهم التجار بسؤال: «تبيعو على وضعوا»؟ وهذا يعني شراءه بأبخس الأثمان، دون تقدير أو شعور بمعاناة وألم الناس. ويتم هذا علناً، ولا يستطيع أحد التدخل لمنع هذه الظاهرة، والبعض الآخر يبرر ذلك، بأن التجارة حلال، و«الله بارك في التجارة». هكذا بكل بساطة تتم المتاجرة بأرواح الناس وآلامهم ومعاناتهم، فالمواطن الذي تدمر بيته وحرق، وليست لديه القدرة على إعادة بنائه أو ترميمه، يجد نفسه مرغماً على بيعه، ولو بثمن بخس، فماذا سيفعل أمام خيارٍ محدود.. وماذا سيفعل ببيت مهدم ومحروق!؟
موجة أسعار جديدة!
بعد فك الحصار على حيي الجورة والقصور، ودخول المواد الغذائية انخفضت الأسعار، إلى مستوى أدنى قليلاً من الأسعار في المحافظات والمناطق الآمنة، بعد أن كان معدل معيشة أسرة من خمسة أشخاص حوالي 417 ألف ليرة، وهو أعلى من المعيشة في نيويورك كما بينت قاسيون من خلال مؤشرها الربعي عن معيشة الأسرة السورية في الربع الأول من العام الماضي.. ثم انخفضت الأسعار مرةً أخرى بعد تحرير ريف المدينة من داعش، نتيجة التعفيش الذي طال كل شيء، ومنها المواد الغذائية التي كانت في المستودعات والمحلات، أو الموجودة في المنازل كمونة سنوية، وطالت أيضاً الحيوانات من جمال وأبقار وأغنام، وطيور كالدجاج، وبيعت بأرخص الأثمان، فوصل سعر كيلو غرام لحم الغنم 2500 ليرة والعجل 2000 ليرة.
اليوم، تشهد الأحياء السكنية موجةً جديدة من ارتفاعات الأسعار، بعد انحسار التعفيش، وانتهاء المواد الغذائية المعفشة، ومع القرار القاضي بإعادة عشرات الآلاف من العاملين في الدولة مع أسرهم، وهذا ما سبب هذه الموجة، مع اختناقات كبيرة في الخبز والمياه والمواصلات، وارتفاعٍ وفلتان في أسعارها، وكذلك ارتفاعاً بأجور السكن، وبات المواطن المسكين كالكرة تتقاذفه قرارات الحكومة والمسؤولين، والتهديد بالعقوبات والفصل والملاحقة القضائية، والحرمان من الرواتب والأجور، وحتى من عاد منهم فإلى غاية صدور هذا العدد لم يقبضوا رواتبهم، رغم مرور حوالي شهر ونصف على عودتهم، والحكومة لا تبالي، بل إن بعض وسائل الإعلام تمارس تزييف الواقع بالاشتراك مع بعض مسؤولي المحافظة والوزراء والحكومة.
وكما قال أحد المواطنين: ألاقيها منين ولا منين، من المسؤولين والوزراء والحكومة، أم من التجار.. وتلاحقني صرخات الأولاد الصغار من البرد والجوع.!؟