مشفى الأسد الجامعي والإفقار
تداولت بعض وسائل الإعلام مؤخراً خبر رفع أسعار المعاينات في مشفى الأسد الجامعي، وتطبيق تعرفة جديدة للخدمات الطبية المقدمة من خلالها للمواطنين.
مدير المشفى، صرح عبر إحدى الصحف المحلية بتاريخ 15/2/2018، بأن التعرفة الجديدة طالت القسم الخاص، وفقاً للحد الأعلى لتسعيرة وزارة الصحة، بدلاً من الحد الأدنى المسموح به.
تبريرات وبيان معاكس
تبريراً لهذا الرفع، قال مدير المشفى: إن رفع أسعار المعاينة 150% يعود لكثرة المراجعين الذين يستغلون رخص المعاينة، منوهاً بأن المشفى اختصاصي وليس عاماً، مضيفاً، بأن المريض الذي يدفع 500 ليرة أجرة طريق ليس من الصعب عليه أن يدفع 500 ليرة أجوراً للمعاينة، ولن تكون مشكلة أمام قلة دخل المواطنين في الوقت الحالي، مؤكداً جودة الخدمة التي يقدمها المشفى مقارنة بباقي المشافي، بما فيها الحكومية، ضارباً مثالاً على ذلك مشفى المواساة الذي لا توجد فيه أدوية، أو تدفئة مقارنة بخدمات الأسد الجامعي!
وفي بيان صادر عن إدارة المشفى، جرى تداوله عبر بعض وسائل الإعلام لاحقاً، تم نفي الزيادة في التعرفة، في حين تم التأكيد على أن قرار الزيادة صدر عن وزارة التعليم العالي بناء على اقتراح مجلس إدارة المشفى، وتم نشره بعد موافقة وزارة المالية، وهو مقترح سابق لجميع الإدارات السابقة منذ ما يزيد عن الأربع سنوات... وأن ما يتم تداوله عن تصريحات مخالفة منقولة عن إدارة المشفى، إنما يهدف إلى الإساءة إلى الخدمات الطبية المقدمة من قبل القطاع العام، وبخاصة مشفى الأسد الجامعي، ومشفى المواساة اللذان يعتبران من أهم مشافي القطاع العام في سورية.
تعارض وتباين
لن نستفيض فيما نسب إلى مدير المشفى من حديث عن الـ 500 ليرة للمقارنة بين أجرة الطريق، أو أجور المعاينة، أو موضوعة الاستغلال من قبل المواطنين للمعاينة، لانخفاض تسعيرتها، وكأنهم هواة الحصول على المزيد من المعاينات، أو المقارنة بين خدمات مشفى الأسد الجامعي مع مشفى المواساة، وغيرها من النقاط التي من الممكن أن تثير الكثير من علامات الاستفهام، والتي ربما سعى البيان لنفيها، مؤكداً على دور المشفى كونها قطاعاً عاماً، لكنه لم ينف الحديث عن الميزانية المخصصة للمشفى والبالغة 2 مليار ليرة حيث لم تتم زيادتها منذ عام 2010، بالمقارنة مع فرق أسعار الصرف خلال هذه الفترة، وبأن ما تقوم به إدارة المشفى من خلال الأسعار الجديدة لرفع الموارد الذاتية للمشفى، يسهم إيجاباً على الخدمات المقدمة للمرضى، بمقابل عدم نفي الزيادة في التعرفة، بل أكدها بشكل غير مباشر.
بمعنىً آخر، هناك تباين واضح بين بعض ما نقل على لسان مدير مشفى الأسد الجامعي عبر الصحيفة المحلية المعنية، بالمقارنة مع ما تم توضيحه والتأكيد عليه عبر البيان الصادر لاحقاً!
لكن ما يعنينا أكثر، هو: مضمون القرار الصادر عن التعرفة الجديدة.
تبويبات من جيوب المفقرين
في العودة لموقع المشفى الرسمي على شبكة الإنترنت، تبين أن الموقع قد أعلن عن التعرفة الجديدة، مفرداً لها نافذة متضمنة القرار الصادر بلا رقم أو تاريخ بصيغة pdf، وهو عبارة عن 95 صفحة، متضمنة تحديداً لأجور جميع الخدمات الطبية التشخيصية والعلاجية المقدمة للمرضى في المشفى، مع تحديد سعر وحدة الأعمال العلاجية، بمتغيراتها، وطبيعتها، والفئة المستهدفة منها، مع تحديد عدد الوحدات لكل خدمة مقدمة، وفيما يلي بعض الأمثلة:
_ أجرة العيادة 500 ليرة.
_ الاستشارة الطبية الاختصاصية الواحدة 700 ليرة.
_ الاستشارة الطبية الاختصاصية الواحدة خارج أوقات الدوام 1200 ليرة.
_ أجرة الفحص الدوري 9175 ليرة.
_ سعر وحدة الأعمال العلاجية (الداخلية الجراحية) والتشخيصية لمرضى القسم الخاص، والمؤسسات، والتأمين الصحي، والجمعيات الأهلية بـ /700/ ليرة، وسعر الوحدة لمرضى الدرس بـ /375/ ليرة.
_ سعر وحدة التصوير الشعاعي بكافة أشكاله، الحد الأعلى للمرضى الخارجيين، ومرضى القسم الخاص، والمؤسسات، والتأمين الصحي والجمعيات الأهلية بـ /900/ ليرة، والحد الأدنى لمرضى الدرس بـ /450/ ليرة.
_ سعر الوحدة المخبرية بـ /250/ ليرة.
كما يشار إلى أن الحد الأدنى للخدمات المقدمة المقدرة بالوحدات حسب مضمون القرار، هو 0,25 وحدة تشمل بعض الخدمات المقدمة في شعبة المعالجة الفيزيائية للجلسة الواحدة، وصولاً إلى 400 وحدة لقاء تحليل مناعيات، زمرة نسيجية، تنميط متعدد بالاختبار عالي الوضوح، وبحد أعلى مقدراً بالوحدات وهو 9600 وحدة، لقاء إيداع جمع دم الحبل السري، وعينات دم الوالدة، مع الحفظ بالأزوت لمدة 15 عاماً.
كما يتبين أن سقف العمليات الجراحية، هو: 150 وحدة بمختلف شعب الجراحة، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن عدد الوحدات لا يتضمن ثمن المواد المستخدمة في بعض الحالات، وغيرها من الإضافات الأخرى المرتبطة ببعض الخدمات كذلك الأمر.
والنتيجة، أن رفع التعرفة حسب تبويبات القرار أعلاه، الكثيرة والمتشعبة، ستكون وبالاً على المرضى وما في جيوبهم، وربما على حساب صحتهم، وخاصة ذوو الدخل المحدود وفقراء الحال، الذين من المفترض أن المشفى بغاياتها وأهدافها تقديم الخدمات العلاجية لهم، كونها مشفىً عاماً أولاً وآخراً، افتراضاً وإعلاناً.
حيثيات وتساؤلات
الملفت بمتن القرار الصادر عن وزارة التعليم العالي، والمعلن عبر الموقع الرسمي لمشفى الأسد الجامعي، هو: ما ورد بمقدمته من بعض الحيثيات التي تم الاستناد إليها، وهي:
_ قرار مجلس إدارة مشفى الأسد الجامعي رقم 23 تاريخ 16/4/2014.
_ موافقة وزارة التعليم العالي المؤرخة في 26/1/2017 على تعديل التعرفة الخاصة بالمشفى، بما يتماشى مع تعرفة وزارة الصحة الصادرة تاريخ 15/12/2004.
_ قرار مجلس إدارة مشفى الأسد الجامعي رقم 55 تاريخ 26/4/2017.
أي، أن القرار بمضمونه وبحيثياته يعتبر قديم نسبياً، حيث يتبين أن طلب تعديل التعرفة كان استناداً للتعرفة الصادرة عن وزارة الصحة بعام 2014، كما يتبين أن موافقة الوزارة على هذا التعديل قد تأخرت حتى مطلع عام 2017، ليأتي أخيراً موعد تنفيذ مضمون رفع التعرفة بموجب القرار والإعلان عنه في شهر شباط من هذا العام، الأمر الذي يؤكد ما ورد في البيان الصادر عن المشفى، من أن القرار عمره الزمني يقارب أربعة أعوام، وقد جرى نشره مؤخراً بعد موافقة وزارة المالية على ذلك.
أما لماذا التأخر بالموافقة؟ وما هي المتغيرات الجديدة الطارئة التي دعت المالية للموافقة على النشر الآن؟ ولماذا لم تتم زيادة الاعتمادات المخصصة للمشفى منذ عام 2010 وحتى الآن رغم متغيرات التكاليف كلها؟ وغيرها الكثير من الأسئلة المشروعة الأخرى، والتي ستبقى معلقة برسم المعنيين في الحكومة ووزارتي المالية والتعليم العالي، على ما يبدو!
خصخصة مستترة
ما من شك، أن سياسة تخفيض الدعم الجارية على منشآت قطاع الدولة الصحي، تشق طريقها تباعاً ورويداً، والقرار الأخير ربما يعتبر واحداً من تجليات هذه السياسة المستمرة في هذا القطاع الهام، على حساب مصلحة المواطنين عموماً والمفقرين وصحتهم خصوصاً، كما على حساب المصلحة الوطنية بالاجمال، وهي نتيجة مباشرة لمجمل السياسات الليبرالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة، دون توقف، منذ عقود وحتى الآن، والتي طالت قطاعات الدولة كافة دون استثناء، بما يتماشى مع مصالح كبار المستثمرين والناهبين والفاسدين، والتي تنحو بالمحصلة باتجاه المزيد من الخصخصة في الكثير من القطاعات، إما بشكل مستتر غير مباشر كحال القطاع الصحي والتعليمي وسواهما، أو بشكل مباشر كحال قطاع الاتصالات.
ولعل ما تبقى بعد كل ما سبق، هو: رصد الانعكاسات السلبية الكبيرة لمضمون القرار أعلاه على مرضى القسم الخاص، بالإضافة لمرضى المؤسسات والجمعيات الأهلية، والمؤمن عليهم صحياً في مشفى الأسد الجامعي، باعتبارهم الفئة المستهدفة من رفع التعرفة الواردة في متنه، وهؤلاء شريحة واسعة من المواطنين، الذين سيتضررون بشكل كبير من كل بد، على حساب صحتهم ومعيشتهم، والمزيد من استنزافهم وإفقارهم.