دردشات حكم قضائي مشبوه
في ملحق جريدة الثورة السورية تاريخ 16 آب، قرأت تفاصيل جريمة مروعة يعتصر القلب لبشاعتها ودناءتها، وتقشعر لها الأبدان قرفاً، وتتمزق الأفئدة ألماً، وتستعر نيران الغضب في النفوس على الوحش المجرم الذي اقترفها، وعلى القاضي (النزيه) الذي اشترك في مؤامرة لفلفة هذه الجريمة النكراء.
ملخص الجريمة، أن طفلاً في الرابعة من عمره، في دار الأيتام في محافظة السويداء المسؤولة عن رعايته وتنشئته وتربيته، تعرض ـ كما ورد في تقرير الطبيب ـ إلى الاغتصاب أكثر من مرة، وعلى جسده الغض آثار عضات وحشية كبيرة، أدت بالنتيجة إلى وفاته، وحيكت مؤامرة طمس هذه الجريمة الشنعاء بإلقاء تبعية مسؤوليتها على عاتق فتاة تعمل في المؤسسة، هي دون سن الرشد لتخفيف الحكم عليها كما أوهموها، وفعلاً حكمت بالسجن ثمانية أشهر وأقفل الموضوع.
فإذا كان الوحش المجرم، الذي اغتصب الطفل وأطفأ نيران غلمته وشذوذه الجنسي بقتله، قد دنس براءة وطهارة الطفولة، فإن القاضي (الفاضل جداً) قد دنس العدالة نفسها بلفلفة الجريمة، وهو شريك فيها لأنه برأ المجرم، وفسح له المجال ليكرر فعلته الدنيئة، أو أن يعتدي به مهووس آخر، طالما أن النتيجة هي النجاة من العقاب، إن كان بسلاح القسر أو بسلاح المال.. ثم ألا تشكل تبرئة مثل هذا المجرم خطراً على حياة أطفال الجيران، وحتى على حياة أطفاله أنفسهم؟
منذ سنوات طويلة كتبت الصحف ولاتزال عن استشراء الفساد في مختلف مفاصل الدولة، حتى أصبح قاعدة ثابتة، وأصبحت النزاهة شواذاً يعاقب من يتمسك بها. فكم وكم من سرقات موصوفة، ونهب من خزينة الدولة، والقطاع العام، كشفتها الصحف، ودعمتها بالوثائق والإثباتات والشهود. ولكن اللصوص كانوا أكبر من أن تشير إليهم وتطالهم أيدي الاتهام والتحقيق. وكم وكم من موظف نزيه، تعرض للعقوبة والإبعاد من ميدان عمله، لأنه كان يشكل عقبة كأداء في طريق السلب والنهب. كأن قوى الفساد الكبرى باتت تملك أيدي طويلة فعالة، تتحكم بمؤسسات مجتمعنا ومصيره.
وفي مثل هذا الجو الفاسد الموبوء عولجت الجريمة الفحشاء التي نحن بصددها وسويت بالحكم على فتاة قاصر بذريعة الإهمال، وأسدل الستار عليها وعلى المجرم، وإلا فهل يصعب على القضاء والتحقيق اقتناص المجرم الذي اغتصب الطفل وقتله في محيط ضيق محدود ومحصور بالمتواجدين فيه، والمترددين إليه؟ فهل الإهمال هو الذي اغتصب الطفل وقتله، أم الفتاة؟ أم الذي جرى التستير عليه.
إن الحكم الذي صدر بهذه الجريمة الشنعاء، وجرم الفتاة القاصر بذريعة الإهمال، يشكل استهزاءاً بعقول الناس وبالقضاء نفسه، ودلالته تشير إلى أن الفساد قد استشرى حتى وصل إلى حد الاستهانة والاستهتار بحياة الإنسان التي وصفت بأنها أثمن رأسمال.
لذلك، فكل من قرأ واطلع على تفاصيل هذه الجريمة الدنيئة، ينتظر من القضاء فتح ملفها من جديد، لينال المجرم العقاب الذي يستحقه، لئلا يصبح القضاء السوري مثار سخرية..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 280