ماذا تقول يا صاحبي «يا لهف نفسي!»

 - لن أجافي الحقيقة إن قلت إن افتتاحية العدد الماضي من قاسيون عبرت وبشكل واضح وصريح ومقنع عن أهم ما يمكن للوطنيّ المتابع والدارس لمجريات الأحداث أن يستخلصه ويستنتجه عقب المعركة المظفرة التي خاضها الشعب اللبناني من خلال مقاومته الباسلة على مدى ثلاثة وثلاثين يوما من أروع وأعظم أيام الكفاح المسلح.

●تلك هي الحقيقة التي صار يدركها معظم أبناء الشعب، وما كانت لتظهر بهذا الوضوح الساطع لولا الملحمة الرائعة التي سطرتها المقاومة على أرض لبنان.

- أجل وفي مقدمة تلك الاستنتاجات الهامة من دروس الانتصار موضوع الاستعداد للمجابهة التي غدت واقعا ملموسا، ينتصب أمام وطننا سورية بكل ما تحمله المجابهة من متطلبات واستحقاقات تقع على كاهل الجميع، وبخاصة أولئك الذين يملكون بأيديهم زمام الأمور، ليتداركوا ما فاتهم في هذا الميدان الوطني الهام، وليسارعوا إلى تلافي كل ما جرى إهماله بقصد متعمد أو بغير قصد، وفي المقام الأول إفساح المجال أمام جماهير الشعب لتستعيد دورها الحقيقي في ساحة النضال دفاعا عن الوطن متخطية حاجز التهميش الذي فرض عليها، وفي الوقت نفسه عليهم واجب الحفاظ على كرامة المواطنين بمحاربة الفساد والمفسدين الذين يتهددون سلامة الوطن والشعب. وليستلهموا القدوة الحية من المقاومة اللبنانية التي وضعت نصب عينيها هدفها الواضح، وأعدت له كل ما يحتاجه من عدة وعتاد وبرامج عمل جسدت طموحاتها، وقرنت القول بالفعل بعيدا عن المزاودة والادعاءات واستغلال المراكز والمناصب وحيازة المزارع والفيلات وامتلاك الشركات وأحدث السيارات كالنملة والشبح والغواصة، لهم ولأبنائهم المدللّين دون سائر خلق الله!!

وحسبي هنا أن أذكر قول نائب الأمين العام لحزب الله عندما سئل عن جراح ابنه المقاتل في الجنوب: (كل أبناء قادة وكوادر المقاومة مقاتلون في مقدمة الصفوف، ذلك مكانهم الطبيعي).

● ما تقوله يلهب الحماس ويشحذ الهمم ويثير النخوة ويدفعني إلى أن أجهر بالسؤال المشروع:إن كنا فعلا وصدقا مع المقاومة، فأين الإعداد للمجابهة ولن أسأل أين.. أين أبناء المسؤولين؟.... فالجميع يعرف أين هم!!!!.

- سؤالك هذا يعيدني بالذاكرة إلى أواسط سبعينات القرن المنصرم أيام كنت مدرسا في ثانوية ابن العميد بدمشق، ففي أحد الدروس وأنا أشرح لطلاب الأول الثانوي قصيدة الشاعر لقيط بن يعمر الإيادي التي بعثها إلى قومه محذرا من هجوم مباغت يعده العدو، وداعيا إلى الاستعداد لمجابهته ، ومنها قوله:

أبلغ إيادا وخلل في سراتهم

إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا

يا لهف نفسي إن كانت أموركم

شتى، وأحكم أمر الناس فاجتمعا

يا قوم إن لكم من عز أولكم

إرثا قد اشفقت أن يودي فينقطعا

صونوا جيادكم واجلوا سيوفكم

وجددوا للقسي النبل والشرعا

قوموا قياما على أمشاط أرجلكم

ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا

وقلدوا أمركم - لله دركـم -

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده

ولا إذا عض مكروه به خشعا

مسهّد النوم تعنيه ثغوركم

يروم منها إلى الأعداء مطلعا

لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه

همّ يكاد شباه يفصم الضلعا

وليس يشغله مال يثمّره

عنكم، ولا ولد يبغي له الرفعا

هذا كتابي إليكــم والنذير لكم

لمن رأى رأيه منكـم ومن سمعا

وبعد أن أنهيت شرح هذه القصيدة الرائعة (التي تم حذفها من المنهاج فيما بعد) سألني طالب: هل من شاهد لقائد لم يشغله همّ ولد يبغي له «الرفعة؟» فأجبته: الشاهد هو ستالين الذي رفض خلال الحرب العالمية الثانية مبادلة ابنه الضابط الأسير لدى الألمان بضابط ألماني كبير أسير عند السوفييت، وتابعت القول متسائلا: هل يأتي يوم نرى فيه أمثال هؤلاء القياديين الرجال في بلادنا؟!

 ● نعم لقد جاء ذلك اليوم وها نحن نرى حسن نصر الله ورفاقه (قيادة وكوادر المقاومة اللبنانية الباسلة) هؤلاء الرجال الرجال، وشتان كما نرى بين الرجال وأشباه الرجال. فماذا تقول يا صاحبي؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
280