محمد سلوم محمد سلوم

عمالة الفتيات بين الحاجة وانعدام العدل

تستقبلك الموظفة بابتسامة عريضة، بمجرد دخولك أياً من محال طرطوس التجارية، وتسألك باحترام عن طلبك، وقد لا تعلم أنت- كزائر- أنه خلف ابتسامة تلك الفتاة يختبئ الكثير من الأسى،

 فراتبها جد متدنٍ ودوامها طويل ولا تأمينات اجتماعية لها.. قد تجد في بعض المؤسسات الخاصة الرابحة، وبعض المحال التجارية النشيطة أكثر من 4 أو 5 موظفين أو موظفات، رواتبهم قد تفوق العشرة آلاف ل.س ومسجلين بالتأمينات، والبعض منهم يتنقل على حسابه ولكن حالات مثل هذه تعد على الأصابع، ورغم ذلك فإن مكاسب هؤلاء الموظفين قليلة مقارنةً بدوامهم الطويل، دون عُطَل حتى في الأعياد. ويشذ عن هذه القاعدة المنتقصة لكرامة الموظفين في كثير من الأحيان، تلك المحال التي تعمل فيها موظفة واحدة أو اثنتان، وعيادات الأطباء وبعض ورش الخياطة.
 
خارج التأمينات
تعمل إحدى الفتيات في عيادة، راتبها 4500 ل. س ودوامها شتاء حتى الثانية ظهراً، وصيفاً حتى السادسة. هي خريجة معهد متوسط غير مسجلة في التأمينات، قالت لـ«قاسيون»: لقد مللت التقدم للمسابقات وخسرت كثيراً وتعبت، وأعرف زميلات لي دفعت كل واحدة مئة ألف ليرة لتتوظف بعقد، وقد وعدوها بالتثبيت لكن عبثاً.. فلو أن الدخل مقنع، ونتمتع بمزايا الموظفين في الدولة من إجازات وعطل وتأمين، كنا سنعمل بشكل دائم هنا، حتى لو كان الراتب أقل..
وقالت أخرى: أعمل في محل ألبسة، راتبي خمسة آلاف ليرة، دوامي من التاسعة صباحاً وحتى الثامنة والنصف مساءً، وفترة الغداء ساعتان فقط. وطبعاً هي مثل كثيرات غيرها لم تسجل في التأمينات، وقد أكدت الفتاة لـ«قاسيون» أنها تعرف أكثر من 15 بنتاً، ثلاث منهن فقط مسجلات بالتأمينات، وعدد كبير منهن لا يزيد راتبهن الشهري عن ثلاثة آلاف ليرة سورية، ودون أي تعويض آخر.
وفي مكان آخر قالت موظفة في إحدى العيادات: لا يتجاوز راتبي 4 آلاف ليرة، وفي كل مرة يأتي موظفو التأمينات يقول لهم الطبيب الذي أعمل لديه: «إنها أختي!.. وتساعدني مؤقتاً ريثما تتزوج، والعمل سيئ جداً. فيذهبون.. وتؤكد إحدى الموظفات في محل لألعاب الأطفال وجود مثل هذه الحالات، قائلةً: كنت أعمل في إحدى العيادات الطبية بخمسة آلاف ليرة سورية، وعندما طلبوا تسجيلي في التأمينات قال لهم الطبيب: البنت لن تستفيد من التأمين، سأعمل لها عقداً على أن أدفع لها التأمين في نهاية الخدمة عن عدد السنوات التي عملت فيها لدي، فلم يوافقوا. تركت العمل دون أن أبلغ التامينات، وبعد عدة سنوات اضطررت للسفر إلى ألمانيا، فمنعوني من السفر إلى أن سدد الطبيب ما يقارب 13 ألف ليرة، متراكمة عن سنوات لم أعمل بها، وقدمت استقالة نظامية، ولكنهم لم يعطوني ليرة واحدة.
الاعتراف لا يكفي!
وبدوره أقر مالك إحدى المحال لـ«قاسيون» بسوء الواقع واصفاً إياه بغير الإنساني، ومبرراً سوداويته بأنه «لا صاحب المحل ولا البنات لديهم اطلاع كاف على قانون التأمينات، ومعظم البنات تعملن بشكل مؤقت بانتظار وظيفة أو زواج»!.. وهذه هي حال معظم أصحاب المحال، يكسرون أيديهم ويعرّفون الماء بالماء، مهملين أن لهم يداً في ما يعانيه الموظفون وتعانيه الموظفات في محالهم ومتاجرهم الواسعة.
ولمعرفة وجهة نظر الجهات المعنية حول هذه المسائل مجتمعة، حملت «قاسيون» هواجس العاملات وتوجهت إلى الاتحاد النسائي حيث التقت السيدة ندى علي رئيسة الاتحاد، والتي قالت: «دورنا هو توجيه وتوعية المرأة في ميدان عملها، ونقوم بتدريب البنات لإتقان مهنة معينة، لكن إذا اشتكت امرأة من شيء نشجعها ونقف إلى جانبها، ونساعدها في الحصول على حقوقها». وفي التأمينات الاجتماعية شرح الموظفون بإسهاب قوانين التأمينات الاجتماعية. وقالوا إن القانون 78 لعام 2001 للتأمينات الاجتماعية حمل تعديلاً جوهرياً على القانون 92 لعام 1959 الذي شمل العمالة بكل القطاعات العام والمشترك والخاص. وكرّم المرأة عند تصفية الحقوق التأمينية بخمس سنوات عن الرجل.. وقالوا إن دائرة الصحة والسلامة المهنية تقوم بجولات في القطاع الخاص وترصد واقع العمل، وتوفر عوامل الأمان ونشر الوعي. وأكدوا أن الكثير من أصحاب المحال يحجمون عن كشف ما لديهم من عمال، مبررين ذلك بأنه حالة من حالات الفساد الاجتماعي، ففي حال دخولهم متجراً أو عيادة طبيب وعثورهم على عامل  غير مسجل بالتأمينات، فإنهم يغرمون مالك المحل بـ 5 آلاف إلى 30 ألف ليرة عن كل حالة تكشف تهرباً من التأمين.
ويذكر أن المادة 109 من القانون تنص على أن أية معلومات كاذبة تقدم وتكشف في ما بعد، يقدم أصحابها إلى المحاكمة، ولدى صاحب المنشاة 15 يوماً للتبليغ عن العامل عنده. وأوضحت التأمينات الاجتماعية أنها تعاني من مشكلة النقل في تغطية كل المحافظة، ولا يوجد لدى هذه المؤسسة سوى سيارة واحدة. وفي الشؤون الاجتماعية والعمل قالوا: إن كل عامل أو عاملة يجب أن يكون له عقد مع صاحب العمل يحدد فيه (الأجور، الإجازات، مدة العقد، ساعات العمل، صفة العمل والتأمين) شريطة عدم تشغيل الأحداث، وعمل يوم العطلة أجره مضاعف.
 
لا صلاحيات؟!
وعند سؤال السيدة فاطمة ونوس رئيسة لجنة المرأة العاملة وعضو المكتب التنفيذي في الاتحاد عن صلاحيات مفتشي اللجنة خلال الجولات التي يقومون بها مع التأمينات والشؤون وعلمهم بأن صاحب المحل أو العيادة لا يصرحون بما لديهم من عمال، أجابت: «لا شيء، ما دامت هي تقول لا أريد التأمين، أنا أعمل بشكل مؤقت، رغم معرفتنا أنها تقول ذلك مكرهة»!!. وتابعت: «ذكرت لي إحدى المعنيات بالأمر أن ما صرحت به الفتيات للمفتشات، أكثر بكثير مما صرحن للمفتشين، لان هناك قضايا تتعلق بالأخلاق والابتزاز، لا يتجرأ البعض منهن على ذكرها»!!.
 
كفاكم اختباءً
لم تجد قاسيون أحداً من الذين التقتهم قادراً على تسمية الأمور بمسمياتها: إن ما تعانيه العاملات في طرطوس، وفي غير طرطوس من انتهاك للحقوق لم يعد مقبولاً، وقد قدم جميع القائمين على الأمر في كل من الاتحاد النسائي والتأمينات الاجتماعية مبررات لا يمكن قبولها بأي ظرف كان، فمن المعروف أن الإرادة هي أصل العمل، وإذا توفرت هذه الإرادة لدى الجهات المعنية فإن حق هؤلاء العاملات لن يموت، لذلك فإن المطلوب هو الخروج من عقلية التحجج بالقوانين وقراءة بنوده عند أول طارئ أو خلل، ومواجهة الواقع المتردي بإجراءات كفيلة بإحقاق الحق وذلك لضمان كرامة الوطن وكرامة عماله وعاملاته!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
405
آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 20:40