حلقة جديدة من مسلسل الخصخصة الحكومي معاملنا.. ملاعب الأشباح إيقاف معمل سكر الغاب.. ذرائع واهية ونتائج خطيرة!
■ إيقاف المعمل يترافق مع منح القطاع الخاص رخص إقامة مصنعين.. فهل هذه مصادفة؟
■ أصابع خفية أعاقت وعطلت عقد التطوير... ثم ساهمت في قرار الإيقاف.
■ هيئة تخطيط الدولة ترفض التوقيع على عقد التطوير و ترى أن إغلاق معامل السكر خير من بقائها تعمل...!!!
■ احتمال تشريد أكثر من 700 عائلة.. ومصير مجهول ينتظر العمال.
لعله بات من الضروري اليوم دق نواقيس الخطر وتوحيد جهود كل الشرفاء في هذا الوطن للوقوف في وجه التوجهات التي تنتهجها الحكومة عموماً ووزارة الصناعة وهيئة تخطيط الدولة خصوصاً في تعاطيهما مع معاملنا وشركاتنا ومؤسساتنا العامة.
ولعله بات لزاماً على الجميع من مسؤولين ونقابيين وقوى سياسية ومنظمات شعبية تحديد مواقفها من كل مايجري في هذا الشأن بشكل حاسم وبصورة جلية، فالمرحلة في غاية الحساسية و الدقة، والزمن يتناقص بشكل متسارع، والمخططات العدوانية الرامية إلى تركيعنا آخذة بالتزايد ساعة بعد ساعة ولحظة بعد لحظة، وتجد من يناصرها ويمهد لها الطريق في معظم المواقع، وتحديداً في الحقل الاقتصادي حيث يعبث بشكل غير مسبوق الكثير من النهابين والمفسدين ودعاة الخصخصة ومروجي العولمة وحاملي لواء الانفتاح وسماسرة الصفقات المشبوهة والشراكات المجحفة.
وقد أخذت هواجس العمال والمواطنين عموماً تتجاوز حدود التوجس والاستياء من سلوك الحكومة إلى حد الارتياب في نواياها بعد أن أخذت بالسير في طريق تفتيت القطاع العام وطرح الكثير من فعالياته للاستثمار والتخصيص، وإغلاق بعض المعامل والشركات الرابحة أو المخسرة عمداً وعن سبق الإصرار والتخطيط!!
والمبررات المزعومة دائماً في الادعاء بأن ذلك يساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام، فأي أمام هذا الذي يحول العمال إلى عاطلين عن العمل ويشرد عائلاتهم، ويتسبب بخسائر فادحة للخزينة العامة، ويفتح الطريق للبرجوازية الطفيلية المرتبطة بأعداء الوطن لتسلم زمام الأمور بصورة شرعية؟ وكان من أبرز مظاهر الانعطاف في هذه المرحلة قرار وزارة الصناعة إيقاف معمل سكر الغاب، والذي هو موضوع تحقيقنا في هذا العدد...
القرار المفاجأة:
فيما كان الجميع ينتظرون تطبيق الاتفاق السوري ـ المصري لتطوير شركة سكر الغاب من قبل شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية، والذي وقعه وزير الصناعة السابق د. عصام الزعيم بتاريخ 29/7/2003 بناء على المادة الثالثة من بروتوكول التعاون الصناعي بين البلدين، فاجأ وزير الصناعة الحالي الجميع بإعلانه إيقاف تصنيع الشوندر السكري في معمل سكر الغاب لمدة عام بحجة انخفاض الطاقة الإنتاجية للمعمل المذكور!!.
وإذا كان هذا الإيقاف قد سبقه اقتراح بذلك من الوزير سابق الذكر في الاجتماع المشترك الذي ضم وزارتي الصناعة والزراعة واتحاد الفلاحين في حزيران الماضي، فإن تنفيذه بهذه السرعة والضرب بعرض الحائط جميع الأصوات المعترضة عليه قد ترك العديد من التساؤلات المشروعة حول الجدوى الفعلية لهذا القرار وانعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني، خصوصاً وأنه يترافق بشكل يدعو للقلق مع منح مكتب الاستثمار ترخيصين لإقامة مصنعين خاصين لتكرير السكر، فهل هذه مصادفة؟! أم أن القضية أكبر من ذلك بكثير وتتجاوز حدود إغلاق مصنع، لتتعداه إلى منهج عام يعمل على أساسه البعض من أجل تقويض دعائم القطاع العام الذي هو أساس اقتصادنا الوطني.. وقرارنا الوطني؟؟
شركة سكر الغاب... تاريخ وآلام:
تقع شركة سكر الغاب في منطقة جسر الشغور على طريق عام حلب ـ اللاذقية، أي في موقع إنتاج مادة الشمندر السكري، وهي شركة قديمة تأسست عام 1967 برأسمال صغير لايتجاوز 32 مليون ل.س، والطاقة التصنيعية 1300 طن شوندر و300 طن سكر يومياً، وعانت الشركة طوال عقود من نقص السيولة والاعتمادات وازدياد كلفة الصيانة الدورية واهتلاك الآلات، من دون أن يأخذ المعنيون سوء أحوالها بالجدية المطلوبة، فيما ظل الفنيون والعمال يبذلون جهوداً مضنية عبر سنوات طويلة لإبقاء آلاتهم بحالة جيدة وتصنيع آلات بديلة للمحافظة على الطاقة الإنتاجية والتصنيعية، ورغم أنه تمت بعض الإصلاحات في السنوات الأخيرة من خلال إنشاء محطة معالجة جديدة وإضافة مرجل بخاري جديد وبعض الخزانات، إلا أن المصنع ظل يعاني من تردي أوضاعه، وبدا جلياً أنه بحاجة إلى تطوير شامل في المجالين الفني والإنتاجي لإعادة تأهيله بأسلوب علمي وتقني حديث ومتطور.
وعلى هذا الأساس تم التعاقد مع شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية لتطوير الطاقة الإنتاجية للمعمل من 1300 طن شوندر و340 طن سكر يومياً، إلى 4000 طن شوندر و 6000 طن سكر يومياً، قيمة العقد أكير من 71 مليون دولار ومدة التنفيذ 26 شهراً، وقد عم الارتياح والتفاؤل الأوساط العمالية بعد الإعلان عن هذا التعاقد، خاصة أن الشركة المصرية هي شركة عامة ومشهود لها نجاحها في تطوير العديد من المصانع المشابهة في مصر وخارجها، وظن الجميع أن البدء بتطوير المصنع أصبح وشيكاً. أصابع خفية وتعقيدات مدروسة: المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، والتي سبقت مفاجأة قرار الإيقاف، كانت التعقيدات غير المبررة لتعطيل تنفيذ التحديث المنتظر، فقد ماطل المعنيون والقائمون بالأمر بفتح اعتمادات مالية للشركة بحجة عدم توفر القطع الأجنبي اللازم للبدء بالمباشرة، والحقيقة أن هذا الادعاء غير صحيح فرئيس الوزراء صادق على العقد، وبالتالي فإن الاعتمادات اللازمة له مخصصة في الموازنة العامة السنوية، كما أن الخطة الاستثمارية لوزارة الصناعة لعام 2004 تتضمن مشروع تطوير المعمل، ويتوافق كل ذلك مع رصيد هيئة تخطيط الدولة مبلغ 200 ألف ليرة سورية كاعتماد أولي لمباشرة التنفيذ، على أن تضاف بقية قيمة الاعتماد بعد تثبيت التعاقد، وهكذا ضاعت (الطاسة) بين وزارة الصناعة التي طالبت بتأمين كامل الاعتماد البالغ ثلاثة مليارات وستمائة وأربعين مليون ل.س، وبين هيئة تخطيط الدولة التي تركت طلب الاعتماد في مكاتبها دون أن تبت فيه، أما الشركة المصرية فراحت تنتظر الإذن بالمباشرة بعد أن دفعت التأمينات الأولية والنهائية المترتبة عليها، وهي ماتزال في حالة انتظار وذهول حتى الآن!!!
وقد قامت بطلب وساطة سفارتها في دمشق لحل المشكلة، خصوصاً أن كل تأخير في مباشرة العمل يسبب لها خسائر مادية ومعنوية، وسيعرضها للمساءلة أمام حكومتها!! فكيف وصلت المسألة إلى هذا المستوى من الهزل والإحراج؟!.
تأجيل أم إلغاء:
وأخيراً وبعد أن ظلت الأمور ملتبسة وغامضة، جاء الخبر اليقين من هيئة تخطيط الدولة، والتي عبرت بحياء عن عدم جاهزيتها لاتخاذ قرار نهائي بخصوص العقد المبرم مع الشركة المصرية، وأكد أحد مسؤوليها أن البت في هذه القضية سيؤجل ريثما يتم تشكيل لجنة مختصة تقوم بدراسة إمكانية تكرير السكر عن طريق مصانع القطاع الخاص العتيد!!
كما يرى هذا المسؤول أن إغلاق معامل السكر التابعة للقطاع العام، أكثر جدوى من إبقائها وتشغيلها، لأنها في حالة خسارة مستمرة ومنذ سنوات طويلة، من دون أن يتحدث عن أسباب هذه الخسائر، والتي نعرف جميعاً أنها تكمن في الإهمال المزمن والنهب المتواصل واستمرار البيروقراطية والبيروقراطيين في دفع معاملنا إلى حافة الهاوية، لإفساح المجال لطفيليي القطاع الخاص لكي يسرحوا ويمرحوا ويتحكموا بالأسواق والأسعار على حساب لقمة الناس وحاجتهم الدائمة إلى مادة السكر.
اعتراضات كثيرة.. وآذان صماء:
إن المشكلات والعوائق التي تعترض زراعة الشوندر السكري وتطوير محاصيله وتحسين مستوى حلاوته والتي ظلت طوال ثلاثة عقود معلقة بين وزارتي الصناعة والزراعة، كانت ولاتزال تشكل أحجية غامضة وتطرح أسئلة هامة لم يتطوع أي مسؤول للإجابة عنها، وخاصة أولئك الذين يدعون اليوم إلى الإغلاق والإيقاف، فلماذا معدل الحلاوة عندنا لايتجاوز 11% فيما يصل في مصر مثلاً إلى 20%؟ هل المشكلة تكمن في البذار؟ من يصرح بذلك يصطدم بجهابذة وزارة الصناعة الذين يؤكدون أن البذار من أفضل الأنواع العالمية!!
إذن المشكلة في النقل والصناعة؟ أيضاً الجواب هو لا، فالقائمون على هذه الصناعة الغذائية الهامة ظلوا يؤكدون ويصرون على أن مخابرهم وخبراتهم خير من صال وجال في هذا المجال، وهكذا كان الفلاح دائماً يتحمل مسؤولية رداءة المحاصيل وقلة حلاوتها، ويتحمل العامل تبعية سوء الإنتاج وارتفاع كلفته وأجور نقله، ولم يكن صوت كل منهما ليستطيع اختراق الجدر والحواجز التي تراكمت تاريخياً وأعاقت الكشف عن الحقائق الغامضة.
أما وقد فاحت رائحة ا لإغلاق، فقد تسارعت المحاولات لتفادي الأسوأ، وتدخل فرع حماة لحزب البعث العربي الاشتراكي طالباً تأمين مبلغ الاعتماد المطلوب، لكن نداءه ذهب أدراج الرياح، وبعد أن صدر قرار الإيقاف، رفعت نقابة عمال المواد الغذائية بإدلب مذكرة إلى وزارة الصناعة تؤكد فيه أن القرار يؤدي إلى تشريد سبعمائة عائلة ويوقف عملية تطوير المعمل والتي صرف لأجلها مبالغ مادية كبيرة، كما أكدت أن عمليات نقل الشوندر إلى المعامل الشرقية سيسبب خسارة تصل إلى 110 مليون ل.س إضافة إلى انخفاض نسب الحلاوة وزيادة الأجرام (المخلفات)، وطالبت بالإبقاء على المعمل كونه الأفضل من حيث نوعية الإنتاج، الإسراع بتوقيع عقد التجديد، ولكن المسؤولين غضوا النظر عن هذه المطالب واستمروا في عملية الإيقاف!! ولعله من الهام هنا التذكير بأن شركة سكر الغاب نفسها كانت قد اعدت مذكرة هامة حول تطوير أدائها الإنتاجي في حال تم تنفيذ العقد المبرم مع الشركة المصرية، وبينت المذكرة بالأرقام الدقيقة القفزة التي كان المعمل سيحققها لو أتيحت له الفرصة بذلك... فماذا يعني هذا الإسراع بالإيقاف ألا يدعو ذلك للشك؟!
أرقام .. ونتائج:
تبين المذكرة في البداية أن عمليات النقل من الحقول إلى معملي الغاب (جسر الشغور وتل سلحب) هي عمليات نموذجية خصوصاً وأن مسافات النقل بحدودها القصوى لاتتجاوز الـ60 كم، وإذا عرفنا أن حوالي 60% من إجمالي محاصيل الشوندر في سورية تزرع في سهل الغاب، فإن ذلك يؤكد الضرورة والأهمية لبقاء المعملين في حالة عمل وإنتاج، وأي تعطيل أو إيقاف لأحدهما يعني نقل الشوندر إلى المنطقة الشرقية، وهذا يؤدي إلى انتكاسة في المواصفات الفنية والجودة ودرجة الحلاوة، عدا ارتفاع الكلفة الإجمالية بسبب ارتفاع تكاليف النقل، فالشوندر يحتاج ثلاثة ايام ليصل إلى (مسكنة) مثلا، وهذه الأيام الثلاثة التي يقضيها الشوندر بين الحصول على بطاقات التوريد والتخزين في الأحواض المائية ومن ثم شحنه إلى المعمل البعيد عن موقع الإنتاج، تؤدي إلى انخفاض درجة الحولاة من 15.5 إلى 13.5 أي بفاقد درجتين على الأقل وهذا يؤدي إلى خسارة 300 ل.س بالطن الواحد، وسوف تزداد هذه الخسارات في المواسم القادمة نتيجة رفع سعر درجة الحلاوة الواحدة إلى 250 ل.س لكل درجة فوق الـ14 والعكس صحيح، وهذا يعني أن خسارة الـ300 ل.س ستصبح 500 ل.س، وإذا احتسبنا الطاقة الإنتاجية الفعلية لمعمل سكر الغاب البالغة 1200 طن وضربناها بأيام التشغيل البالغة 85 يوماً لكانت النتيجة 102 الف طن × 300 ل.س = 30.6 مليون ل.س فاقد الحلاوة للموسم الحالي. وأكدت مذكرة شركة سكر الغاب أن تطوير معملها بناء على شروط التعاقد سيوفر مبالغ كبيرة بدءاً من الطاقة حيث سينخفض استهلاك الفيول من 90 كغ للطن الواحد إلى 30 كغ للطن الواحد، لوفر قدره أكثر من 40 مليون ليرة سورية، وهذا ينسحب أيضاً على كميات فحم الكوك المستهلكة وكميات البخار، إذ سينخفض استهلاك كل منهما بمقدار يتراوح مابين 25% إلى 75%، وبالتالي سيتم توفير ملايين إضافية من الليرات السورية، بالإضافة إلى تحسين مستوى الحلاوة ورفع المواصفات النهائية، وتوفير عشرات الملايين للخزينة العامة تصل حتى 200 مليون ل.س.
وماينطبق على السكر ينطبق على مخلفات الإنتاج، فكميات التفل مثلاً تقدر قيمتها حالياً بـ 17 مليون ل.س أما بعد التحديث فستصل قيمتها إلى أكثر من 140 مليون ل.س، وأخيراً تؤكد المذكرة أن الوفر العام النهائي الذي سيحققه تطوير المعمل وتحديثه سيصل حتى مليار و400 مليون ل.س ستكون جميعها لصالح الوطن والمواطن!!
الفلاحون والعمال يدفعون الثمن:
إن المتبصر في هذه القضية يجد أن إيقاف معمل سكر الغاب يتسبب بأضرار كبيرة سيتحمل الجزء الأكبر منها الفلاحون والمزارعون، فالمحاصيل التي سيتم توريدها إلى المناطق الشرقية في شروط وظروف غير مثالية، ستخسر الكثير من مواصفاتها التصنيعية وستنقص درجة حلاوتها، وربما تتحول إلى مجرد أعلاف لاأكثر، وبالتالي فإن الفلاحين سيخسرون الكثير من ثمرة أتعابهم وجهودهم وربما لايحصلون على قيمة بذار موسم جديد، كما أنهم سوف يعانون كثيراً من اختناقات التسويق وفي الغالب فإن الكثير منهم سيتركون محصولهم في التراب، لأن ذلك أوفر لهم وأكثر جدوى من تعقيدات نقله وتسويقه ضمن الشروط الجديدة.
أما العمال، فأحوالهم يعرفها الجميع وهي صعبة وقاسية وهم على رأس عملهم، فكيف إذا تحولوا إلى عاطلين عن العمل في غمرة التخبط الحكومي والانصياع التام لأوامر قوى السوق والسوء؟
صمت مخجل وتساؤلات كبيرة:
من الملاحظ ضمن هذه المعمعة المتواصلة منذ فترة ليست بالقصيرة هو صمت الكثيرين من أصحاب العلاقة المعنيين مباشرة بما يحدث، ونبدأ من الاتحاد العام لنقابات العمال الذي أخذ صوت بعض قادته يخفت شيئاً فشيئاً بشكل متواز مع تزايد قرارات الإيقاف والإغلاق فترى ماهو السر في ذلك، وهل هو موافق على هذه القرارات، أم أنه وصل إلى درجة من الترهل والحيادية تمنعه وتعيقه عن مجرد إبداء الرأي و التعبير عن موقفه، ثم أين القوى التي تسمي نفسها «معارضة» وتدعي حرصها على مصلحة الوطن والمواطنين؟ لماذا لانسمع لها صوتاً فيما يتعلق بالقضايا الأساسية الملحة.
أم مسائل «الديمقراطية» تشغلها عن النظر في الأمور التي تهم الناس بشكل مباشر وأساسي، وأخيراً فإن الأسئلة الكبرى نطرحها على الحكومة التي تمضي نحو المجهول في خططها ومناهجها وآليات عملها، من دون أن تأخذ باعتبارها النتائج الكارثية الاجتماعية منها والاقتصادية وربما السياسية لقراراتها وبرامجها، وإلام ترمي من وراء خلق الحجج الواهية لمتابعة كيل الضربات المتتالية لمعاملنا وشركاتنا؟، وماهو مصير العمال في القطاعين العام والخاص؟ وماهي خططها للحد من البطالة المتزايدة والمتفاقمة يوماًَ بعد يوم؟ وأين سينتهي بها المطاف في حال استمرت في استنزاف طاقات الوطن وتعطيل عجلة اقتصاده ونموه وخرق قوانينه؟ وهل هي حقاً تسعى للتحديث والتطوير، أم أنها أصبحت مجرد واجهة شرعية لتمرير وتنفيذ مآرب قوى السوق والسوء الساعية لابتلاع كل شيء، كل هذه الأسئلة اصبحت بحاجة إلى أجوبة واضحة، خاصة وأن مسلسل الخصخصة لايزال في حلقاته الأولى، وعلى الجميع أن ينتبهوا لمخاطره القادمة قبل أن تقع الفأس في الرأس.
ماذا تريد الحكومة:
لعله بات واضحاً أن النهج العام الذي تتخذه الحكومة هو المضي قدماً نحو الخصخصة بشكل عشوائي وارتجالي، وماالقرارات الأخيرة الماضية في تنفيذها إلا دليل فاقع على ذلك، فمن إغلاق إلى إيقاف إلى بيع بالمزاد العلني والسري، إلى طرح منشآت ومصانع وشركات للاستثمار، ولاأحد يعلم أين ومتى ستنتهي العملية المتكاملة لزعزعة وهلهلة اقتصادنا الوطني الذي يعاني أصلاً من النهب والفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية وتخلف وسائل الإنتاج، وكل الدلائل تشير إلى أن العقول والأيدي المغرضة قد تغلغلت إلى عمق وصلب القرار الاقتصادي، وباتت مؤثرة بشكل كبير على التخطيط والتنفيذ متبعة في ذلك الأوامر الصارمة لقوى السوق العالمية والاحتكارات الدولية، ومتناسية مصالح الوطن ومصالح كادحيه، وتطور الأحداث يبين أن كل ذلك مجرد بداية لمحاولة محاصرة قرارنا السياسي الرافض لكل أشكال الانصياع والتبعية للمستعمرين الجدد، ولأعداء الوطن المتربصين بنا من كل جانب، وإن تزامن هذه القرارات الاقتصادية الجائرة مع اشتداد الهجمة الإمبريالية الدولية على سورية، ومحاولة ثنيها عن مواقفها الوطنية والقومية، لدليل صارخ على أن الوطن مستهدف الآن أكثر من أي وقت مضى، وماعلينا سوى أخذ المسائل بالجدية العالية وبالمسؤولية الكاملة وإعلان النفير العام، لكي تساهم جميع القوى الوطنية والجماهير الشعبية في التصدي لهذه المخاطر المتسارعة، وإن عمالنا وفلاحينا هم الحماة الحقيقيون لأمن الوطن وعماد تطوره وصموده، ولم يبخلوا يوماً في تقديم الشهداء من أبنائهم في كل معارك الإباء والحرية، ولايجوز الاستمرار في دفعهم نحو مزيد من الفقر والفاقة، بينما المفسدون من البرجوازيين الطفيليين والبرجوازيين البيروقراطيين يتنعمون بخيرات الوطن ويفتحون الأبواب لأعدائه المتوحشين.
■ جهاد أسعد محمد
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 229