عربة التعليم تأكل ركابها هموم الشهادة الثانوية على الجيوب قبل القلوب

آمال الطلاب تفترسها نتائج القبول في الجامعات،  عربة التعليم بدأت تتآكل عجلاتها منذ سنوات، ليس لضعف في المتانة فقط وإنما لأن سائس العربة يقودها دائماً نحو المطبات ولكثرتها لم يعد الحذر كافياً للوصول إلى نهاية الطريق دون التوقف مراراً .

والراكبون في العربة من أبنائنا الطلبة، مغلوبون على أمرهم، أما أهلهم فقد عادوا من البيدر بلا قمح ولا تبن.. زرعوا وكان الأمل في الحصاد وفيراً، وحلموا بمستقبل مشرق للأولاد... ولكن الواقع كان مؤلماً، فقد تناثرت سنابل القمح وتبددت الأحلام.

ومع أن الدموع كثيرة إلا أن الذين بيدهم القرار لم يحركوا شيئاً يعيد للحياة تدفقها وللعلم والدراسة حقها من الاحترام. هم يريدون الظهور بمظهر من يعمل، فغيروا اللباس واخترعوا ألواناً جديدة واعتبروا أن التعليم الإلزامي ينتهي في نهاية الصف التاسع، دون أن يقولوا إن كانت تجربة التعليم الابتدائي الإلزامي قد نجحت وحققت أغراضها، هم التزموا الصمت في ذلك لأنهم يعرفون بأن حجم التسرب من التعليم الابتدائي كبير ومخيف .

وأدخلوا اللغة الأجنبية الانكليزية إلى معظم الصفوف الابتدائية للتباهي أمام العالم أننا غيورون على تدريس لغة) العالم الجديد(، والذي حصل أننا نسينا لغتنا ولم نتقن لغة (ألعالم الجديد)، على الرغم من ذلك نحن ملزمون على ركوب عربة التعليم التي تآكلت عجلاتها .

وتدور الأسطوانة كما في كل عام، وتعلن نتائج الثانوية والتي صارت هماً على الجيوب قبل القلوب، وينتظر الطلبة نتائج القبول في الجامعات، ولأن الآمال أوسع من بوابات الدخول للجامعة، فقد ضاعت الآمال وتبدد الانتظار هباءً.

ومن يستعرض الحدود الدنيا لمجموع الدرجات المطلوبة في كل كلية من جامعات القطر يدرك أن أسعار الكليات في البورصة التعليمية تحددها مكاسب الطالب بعد تخرجه. .. ولعل السؤال يجب أن يكون كم يستطيع المتخرج أن ينهب بعد تخرجه؟؟.

ولأن الرقابة لا تتقن من فنونها سوى مراقبة العقول النظيفة والبائعين المتجولين أو أصحاب الدكاكين المستورة أو الذين يفترشون الأرصفة ليبيعوا بعضاً من سقط الحياة.. هؤلاء تنالهم عصا الرقابة وتنهش في عظامهم وتدوس على رقابهم وتصادر كل ما يملكونه من بضاعة على عربة أو رصيف.. رقابة شرسة لا تقوى إلا على الضعفاء !!

ولأن واقع الحال هكذا منذ عقود طويلة فقد باتت كليات مثل الطب والصيدلة وطب الأسنان مشاريع سرقة لأبناء العقلاء. أما أولئك الذين تخرجوا من تلك الكليات وما زالت أيديهم منزهة عن النهب والسلب فقد صاروا أقلة، ونحن نحترمهم، لا بل نقدسهم ونقدر ظروفهم الصعبة .

ماذا تعني تسعيرة كلية الطب ب ( 233) علامة ؟

هل صار الطب منبتاً للمعجزات ؟

وكيف لا تكون المعجزات في بيت تلطف أجواءه التدفئة المركزية شتاء والمكيفات صيفاً، وأساتذة ذاهبون وآخرون داخلون، وأجهزة كمبيوتر تبرمج الدراسة، ودورات للتقوية منذ الابتدائية ! .

أما أولئك الذين يتحايلون على أحذيتهم لتتناسب مع كل الفصول، ويتحايلون على الرغيف ليتناسب مع كل الوجبات... فهم صاروا خارج الملعب التعليمي بعد أن أخرجهم حكم المباراة ليعلن أن الملاعب الخضراء للذين يمتلكون البطاقات الخضراء.

أما أنتم يا أصحاب البطاقات السوداء لا ترتكبوا حماقات من الآمال والأحلام، ولا تحرثوا في البحر، ولا تنظروا إلى الأعلى، ابحثوا عن الأيدي التي يمكنكم تقبيلها مجاناً، ولكم الأجر والثواب.

كنا نفاخر منذ أربعة عقود بمجانية التعليم، أما الآن فإننا نفاخر بالتعليم الجامعي الخاص، والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية الخاصة، لعل الذين يمضون نحو ارتداء المعطف الخاص سيتمكنون من دخول (نادي الاقتصاد الحر).

أيها الشرفاء لم يعد للمهارة الخاصة أي موقع لها في حلبة المنافسة التعليمية، وصارت المعادلة (من يملك ينجح)، والمالكون الجدد يعرفون أن كل دولار يدفع لأبنائهم في مدارسهم وجامعاتهم سيعوض سريعاً بعد تخرجهم لأنهم سيكونون حكام المستقبل...

وسائدهم إيطالية وأحذيتهم أمريكية ومعاطفهم فرنسية ومطاعمهم في الماكدونالد ومشروبهم الكوكاكولا... هنيئاً لهم !!

وفي هذه الأيام يتساءل الكثيرون عن مشروعية الجامعات الخاصة في سورية أصحابها وطلابها ؟ هل من رقابة على خطط تعليمها ؟

من يحدد تسعيرة أقساطها ؟

هل ستحد هذه الجامعات من تسرب أبنائنا إلى الخارج ؟

هل تتوازى أقساطها مع أقساط الجامعات الأجنبية ؟

أسئلة كثيرة قد لا تنتهي، والأجوبة لا تحتاج إلى شطارة لمعرفتها، ولكننا نشير لمن لا يعرف بأن قسط كلية الطب في إحدى الجامعات الخاصة هو 450.000 ليرة ويحتاج الطالب على الأٌقل إلى خمسين ألف أخرى كنفقات خاصة، وبعملية حسابية بسيطة يكون تكلفة هذا الطالب حوالي أربعين ألف شهرياً، من أين سيأتي (الوالد الكريم) بهذا المبلغ ليجعل من ابنه العبقري طبيب المستقبل ؟.

أقولها بصراحة: أمواله من جيوبكم أيها الشرفاء، ولن تستقيم أموركم إلا بعربة لم تتآكل عجلاتها.

أما موضة المدارس الخاصة بمراحلها الثلاث فقد صارت موضع مباهاة عند الأهل، هم يدفعون 200 ألف ليرة سورية قسطاً سنوياً، وسيحصل ابنهم على الشهادة في نهاية المطاف، ولكنه سيكون متخماً بأرقام المبالغ التي دفعها أهله لتعليمه، ولن ينقذه من التخمة سوى أن يمد يده لأموال الدولة ويعتبرها حقاً خاصاً .

وإلى بورصة تعليمية جديدة نرجو للأهل الصبر وطول البقاء.

■ مفيد حداد