في تصحيح مسار الدعم المفقود بين عدالتين.. والمواطن الذي سيخسر رفاهيته

من قال إن الحكومة غير معنية بالمواطن، وأنه شغلها الشاغل، ووحده في قائمة أولوياتها، وإن كان بعض البسطاء وبسبب حالاته الصعبة ومن منظاره الضيق يرى أنها لا تهتم بوضعه، ولا تعير انتباهاً للغلاء الذي يحرقه، وظلم المحتكرين الذي يسحق عائلته، واستبداد التاجر بالسوق الذي يجعل منه جائعاً في بلده.
السائق والراكب، البائع والزبون، التاجر والمستهلك، المدافعون عن سياسة التقشف و ضحاياها.. كل هؤلاء مواطنون يرون أن الحكومة تأخرت في إنصاف واقعهم، وكل من منظاره يرى المسألة واجب على حكومة تدير الاقتصاد على الأقل، واسمها حكومة أزمة، واجب عليها أن تضطلع بمهام استثنائية في ظرف استثنائي، وتتمكن من إيجاد آليات لمعالجة تفاقم الوضع الاقتصادي لدرجات لم يعد معها كل هؤلاء بقادرين على الحياة الطبيعية.

مواطنون.. في الحكومة
أبو حسن موظف: عن أي دعم تتحدث الحكومة بعد سنة من أزمة اقتصادية خانقة، وقد ارتفعت الأسعار بنسبة 300% ولم تزد الرواتب ليرة واحدة.
خالد.م: الحكومة وقفت عاجزة أمام ارتفاع أسعار المازوت والغاز، وقد قال وزير النفط (على ما أعتقد) عندما ارتفع سعر أسطوانة الغاز أن المواطن الذي يشتري جرة الغاز بـ 1000 ليرة يستطيع أن يشتريها بـ 400 ليرة.
نادر.ي: لا نرى سوى جلسات الحكومة التي توافق فيها على مشاريع ومحاضر وأما على الأرض فكل هذا لا يعود علينا بقرش واحد.
مريم. س: ألا تستطيع الحكومة أن تخفض على الأقل من أقساط رياض الأطفال، والله لم أستطع أن أسجل ابني في السنة الفائتة، والروضة طلبت دفعة كبيرة ومنها ثمن مازوت التدفئة.
فراس. ن (سائق): الحكومة لا ترفع التعرفة، ولا تخفض سعر المازوت، ولا تؤمنه لنا، ولا تسمح لنا بالإضراب، وفي الوقت  نفسه تخالفنا إذا أخذنا من الراكب أجرة كاملة وتريد أن تجزّئ التعرفة..والله هذا غير معقول يجب أن تجد لنا حلاً يرضي الجميع.
 
في السوق . . . فقراء
فقراء نحن هذا ما يكشفه السوق، والـ 1000 ليرة صارت مثل الـ 100 هكذا يراها متسوق عادي، وهل من الطبيعي أن يصبح  كيلو البندورة فقط بخمسين ليرة، والفليفلة 120ليرة، والموز 140 ليرة.
السوري البسيط لا يصل به الراتب إلى أوله، وإذا ما أصابته مصيبة وهن كثر هذه الأيام فلن يصل به الراتب إلى ساعات أول الشهر.
السوق متوحشة أكثر مما يجب، ومفتوحة على احتكارات الجميع، والتاجر الصغير اليومي يمارس بلا هوادة مزاجية التسعير غير آبه بتهديدات الجولات التموينية التي ستضع حداً لاستغلال المواطن.
أبو أحمد الملقب بالحجي (بائع): المواطن لا يرحم، والأسعار العالية هي نتيجة ارتفاعات سوق الهال، وصاحب سيارة نقل الخضار ضرب السعر باثنين بحجة عدم توفر المازوت، وخطورة النقل.
مراد . ب (مواطن): المواطن يتحمل غلاء كل شيء، ويقع على رأسه صراع التاجر والمحتكر والحكومة، وليس في مقدوره أن يدافع عن نفسه إلا بالتوسل إلى الحكومة، أو الاستدانة من التاجر.
أم باسل (مواطنة): كان هناك سوق لمحدودي الدخل وحتى المتسولين، ولكن اليوم كل هذا أصبح غالياً، والبائع الذي كان في نهاية النهار يعطي بقايا البضاعة بنصف السعر صار يبيعها بنفس السعر.

بين عدالتين
لطالما امتدحت الحكومة خططها في دعم المواطن، وخططها في رفع الدعم عنه، ولم تنس في حمى اعتزازها بانجازاتها أن تمتدح خططها في توزيع الدعم بعدالة المسوحات التي أجرتها في لحظات انفعالات بعض وزرائها في البحث عما يطيل من عمر الكرسي الذي يتربع على عرشه.
تقول مذكرة حكومية تقدمت بها هيئة التخطيط والتعاون الدولي إلى رئاسة مجلس الوزراء بأن نظام الدعم المطبق حالياً غير عادل، وغير متوازن نظراً لكبر حجمه وانخفاض مستوى عدالة التوزيع، ومستوى الكفاءة المحققة في استخدامات حوامل الطاقة بكل أنواعها، الأمر الذي أحدث تشويهاً في نظام الأسعار وخلق حالة من الفوضى.
المذكرة تعيد ما كتب عن الدعم الحكومي والخطط الحكومية التي تصب في خانته، والتي كانت آنذاك مجال امتداح الحكومة لها واعتبارها المنقذ لاقتصاد يتعثر.
اليوم تأتي الدراسة لتضع بالأرقام وثائق فشل الدعم المطبق حالياً وتنعته بغير العادل، وغير المتوازن، والسبب هو في هدر الدعم، وعدم عدالة التوزيع.
بين عدالتين عاش المواطن السوري تجارب الحكومة في دعمه، فلا هي أفلحت، ولا هو أنقذ من فقر محدق، وخناق اقتصادي أحاط بحياته، وقلص الأمل لديه.
 
شراكـــة وزاريــة

الدراسة التي أخذت شكل مذكرة ساهم بإعدادها كل من وزارة النفط والمالية والزراعة والكهرباء والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والعمل.
وهذه الوزارات هي التي تعنى بالشأن المعاشي الذي يلامس اقتصاد المواطن المباشر، ويعطي أيضاً انطباعات عن جدوى الخطط الاقتصادية ونجاعتها.
المذكرة أوضحت أن معالجة مسألة الدعم أو إعادة توزيعه يجب أن تنطلق من رؤية شمولية واضحة مبنية على أسس اقتصادية واجتماعية سليمة تأخذ باعتبارها الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأهمية ربط الدعم بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية بحيث يكون توجيه الدعم للشرائح الأقل دخلاً، والقطاعات الإنتاجية الواعدة، والعمل على محاربة الهدر أياً كان شكله أو مصدره.
هل هذه الشراكة الوزارية تعني أيضاً محاولة من الوزارات - التي عانت العجز- لإعادة الاعتبار إلى دورها الذي وضع المواطن في مواجهة مباشرة مع أخطائها، وبالتالي إعادة سيطرتها على الأرض بعد أن قفزت أسعار الوقود، والسوق، واتسع حجم الفاقد الكهربائي، وزادت البطالة وهامش الفقر؟.
 
 المواطــن . . . أيــن؟

المذكرة جاءت لتتحدث عن مرحلة أولى بكلفة 150 مليار ليرة سورية، وجاء فيها أن ارتفاع سعر الغاز والبنزين الذي حدث مؤخراً قد تم إدراجه ضمن المقترح بهدف تحديد الوفر نهاية عام 2012 في المرحلة الأولى التي من المقرر البدء بها في بداية الشهر القادم، على أن يكون سعر ليتر المازوت 20ل.س و50ل.س سعر ليتر البنزين و500 ل.س سعر أسطوانة الغاز المنزلي، و 20 ألف ل.س سعر طن الفيول، و3 ل.س وسطياً سعر (ك و س) من الكهرباء.
في معادلة جديدة يخرج المواطن من حساب البيدر، وتسقط هذه الدراسة الواقع الذي ينشأ على الأرض بسبب الأزمة الراهنة وحجم الضغوطات الكبير على الاقتصاد السوري والذي يتحمله وحيداً المواطن.
وتشير المذكرة إلى أن البيانات المذكورة تؤكد أن 75% من حجم الدعم يتجه إلى حوامل الطاقة (الكهرباء والمشتقات النفطية) الأمر الذي يدعو للتساؤل حول مستوى الكفاءة في استهلاك حوامل الطاقة ومن ثم القيمة المضافة المحققة نتيجة تحمل أعباء هذا الدعم من جهة وإلى مستوى العدالة المحقق من تقديمه من جهة ثانية.
المذكرة ترى أن الحل وبحسب رأي وزارة النفط يقضي بجعل سعر مبيع المشتقات النفطية السائدة في لبنان سعراً مرجعياً، أما فيما يخص سعر الكهرباء فقد اقترحت الوزارة أن يتم تحديده وفق تكلفة الإنتاج آخذين بالحسبان الزيادات المقترحة في سعر المدخلات من الفيول والغاز.
 
تكاليف عامة

وضمن المذكرة وزارة الزراعة أوضحت أن التكاليف المباشرة المقدرة لرفع سعر مادة المازوت على كلفة الإنتاج في هذا القطاع تبلغ أكثر من 14 مليار ليرة وفق المدخلات والمخرجات وتقدر هذه الكلفة بـ4.3% من القيمة المضافة في القطاع الزراعي أي نحو 24 مليار ليرة تتضمن التكاليف المباشرة وغير المباشرة.
كما أن تحديد الآثار المباشرة قد جاء نتيجة رفع سعر مادة المازوت على قطاع النقل من مديرية الأسعار في وزارة الاقتصاد وحددت الكلفة الوسطية بما يعادل 10% تقريباً كمتوسط بينما تبلغ الكلفة المقدرة وحسب المدخلات والمخرجات نحو 27% تقريباً من القيمة المضافة في قطاع النقل أي نحو 15 مليار ليرة.
الأمر ذاته ينطبق على القطاعات الأخرى باستثناء الكهرباء والمشتقات النفطية ليصل بذلك حجم الأثر المقدر الإجمالي الصافي إلى نحو 2.45% من القيمة المضافة أي ما يقرب من 70 مليار ليرة انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية.
 
خسارة الرفاهية

المذكرة تتحدث عن خسارة في مستوى رفاهية الأسرة السورية بما يعادل 6.15، بسبب  الأثر في ارتفاع الرقم القياسي للأسعار وفقاً لمستوى إنفاقها وتشكيلة السلة السلعية الخاصة بها.
وتشير المذكرة إلى أن هذه الزيادة تأتي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك بشكل رئيسي بنحو 92.4% في الزيادة الكلية المقدرة من الزيادة في أسعار المنتجات بما فيها الغاز بحدود 25.8% والمازوت 18% والكهرباء 14% والزراعة 12% والنقل 10% والصناعات النسيجية والملابس 5.7% أما الصناعات الكيميائية فالزيادة المقدرة بنحو 3.4% أما البنزين فبنحو 2.8% وبناء عليه تم تقدير الأثر على مستوى الرفاهية من خلال تقدير الزيادة في إنفاق الأسرة ضمن مختلف الشرائح نتيجة زيادة أسعار معظم المواد.
 
خطة أولية

إجمالي الأثر على الأسرة كما جاء في المذكرة بالنسبة إلى الأقل إنفاقاً قد بلغ 11 ألف ليرة سورية ويرتفع إلى ما يقارب 48 ألف ليرة سنوياً الأكثر إنفاقاً، وذلك في حال حافظت هذه الأسر على الكمية نفسها من السلع على الخدمات المستهلكة.
الخطة أولية ستعالج أسعار حوامل الطاقة وذلك بتخصيص ما قيمته 20 مليار ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي و5 مليارات ليرة لصندوق تنمية الصادرات، و5 مليارات ليرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة و15 مليار ليرة لشراء باصات نقل تعمل على الغاز، إضافة إلى 15 مليار ليرة توزع على دراسة لإصدار تعرفة وفق مقترح الأسعار الجديدة، والاستمرار في تقديم مادة المازوت للمخابز، وإعداد قاعدة خاصة للبيانات مع تحديد الحد الأدنى للأجور.
و30 مليار ليرة لتحديد أسس منح تعويضات الانتقال، مع وضع أسس للتخلص من السيارات المخصصة أو الحد منها.

شمولية . . وعسى
لم تنس المذكرة مخصصات تشغيل الشباب، وزيادة الأجور، واعتبرت أن الخطة الثانية تتطلب استخدام مخرجات المرحلة الأولى، وخاصة قواعد البيانات.
ولكن ما يهم المواطن هو انعكاسات الخطط الحكومية والمذكرات والدراسات على واقعه المعيشي الذي وصل إلى الخطوط الحمراء، وبالتالي أن يخرج من دور حقل التجارب الذي يزيد من أمراضه وأوجاعه، ولا يجد له حلاً خصوصاً عندما ترى الحكومة حتى الآن أنه يمتلك بعض الرفاهية.             

■■
  

أرقام من المذكرة ؟؟
 
قدّرت المذكرة حجم الدعم المقدم بمختلف أنواعه بمبلغ 386 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 29% من حجم الموازنة لعام 2012 ويفوق بقليل حجم الإنفاق الاستثماري المقدر بـ28% في موازنة عام 2012 أي ما يقارب 13% من حجم الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2012.
أوضحت المذكرة كيفية توزيع الدعم المقدر في الموازنة العامة للدولة لعام 2012 والذي خصص ما قيمته 154 مليار ليرة للكهرباء أي بنسبة 39.9 من الناتج الإجمالي و135 ملياراً للمشتقات النفطية أي بنسبة 35% من الناتج بينما خصصت الحكومة ما قيمته 72 ملياراً للدعم التمويني أي بنسبة 18.7% من الناتج الإجمالي، أما صندوق المعونة الاجتماعية فقد قدر الدعم المخصص له بحدود 15 مليار ليرة أي بنسبة إجمالية 3.9% و10 مليارات ليرة خصصت لصندوق دعم الإنتاج الزراعي.