مياهنا في أزمة!! \ 3
إذا كان سكان المناطق النظامية في دمشق يتلقون المياه كل يومين مرة، فإن سكان المناطق المخالفة والأطراف لا يتلقون أصلاً أي مياه للشرب فيضطرون لشراء المياه من السيارات الجوالة التي تستغل الضائقة على المياه فيتقاضون أكثر بكثير من التعرفة المقررة لمياه الشرب، وبالتالي يدفع الفقراء أكثر من الأغنياء فاتورة مياه شربهم، مع الأخذ بعين الاعتبار تدهور النوعية. ويقول أحدهم: إن فاتورة المياه المشتراة من السيارات قد تصل إلى 3000 ل.س شهرياً. وعلى طريقة ماري أنطوانيت يقول أحدهم: لم لا يشربون الزجاجات المعلبة المسماة بقين
لقد كان معظم الطلب على المياه المعبأة حتى وقت قريب مقتصراً على السياح والاجتماعات والمؤتمرات الدولية، ويستهلك معظم السكان مياه الشرب التي تضخها شبكات المياه العامة ويحتسب سعر المتر المكعب في التعرفة الرسمية بـ 2.5 ل.س بينما في الفاتورة يرتفع إلى ضعفي ذلك باعتبار كلفة إيصال المياه إلى المنازل. كما أن هناك شحاً في الطلب عموماً على المياه المعبأة مرده إلى محدودية قدرة الأسرة السورية على شرائها بشكل يومي. فسعر العبوة الرسمي 12.5 ل. س بينما تباع في المحلات بـ 15 أو 20 ل.س، وفي المطاعم بـ 25 ل.س. وإذا كان احتياج أسرة متوسطة من خمسة أفراد هو خمس عبوات يومياً فإن سعرها يصل إلى 75 ل.س كحد أدنى فتصبح الكلفة الشهرية نحو 2250 ليرة، أي ثلث الراتب الشهري أو نصفه لموظف يحمل شهادة جامعية.
ولكن، هل المياه التي نشربها نظيفة؟ لنفترض جدلاً أن المياه الواصلة عبر الشبكات نظيفة 100% ولكن المياه لا تصل غالباً إلى الحنفية مباشرة، بل إلى خزان في البيت أو البناء تسحب منه إلى الحنفيات أو تضخ إلى خزانات الشقق، وإذا كانت هذه المياه صالحة للشرب لحظة دخولها إلى الخزان فقد لا تبقى كذلك بعد دخوله، فقد تحمل معها بعض الأتربة مع المياه إلى الخزان بسبب تصليح الشبكة العامة، فتترسب في قعره حاملة معها الملوثات البيولوجية التي تتكاثر داخل الخزان. وفي كثير من البنايات المحاذية للشاطئ بئر ارتوازية تضخ المياه الجوفية إلى خزان مستقل. وهذه المياه ملوثة جرثومياً وكيميائياً بسبب تسرب مياه البحر الملوثة بالمواد العادمة غير المعالجة. وقد تضاف إلى مياه الشرب في الخزانات الخاصة مياه جوفية ملوثة تلبية لحاجات سكان البناء فيستعملها المواطن للشرب وغسل الفاكهة والخضار معتقداً أنها سليمة. لذلك يجب عدم خلط مياه الآبار بالمياه المعالجة. وأن تكون الخزانات مستقلة. وكثير من الخزانات تبقى مكشوفة ومعرضة لدخول الجرذان والحشرات الطائرة والزاحفة، ولتكاثر البعوض. ولذا يجب إقفال الخزان بإحكام وتنظيفه مرة في السنة على الأقل وإزالة الوحول المترسبة فيه ونزع الطحالب والفطريات المتراكمة على الجدران.
كما أنه من الضروري فصل شبكات مياه الشرب عن شبكات مياه الاستخدام المنزلي إذ ليس من المنطقي تعقيم المياه وتنقيتها لنصرفها في دورات المياه. ويبدو هذا الإجراء رغم تكاليفه الأولية العالية، منطقياً على المدى البعيد، إذا حسبنا التكلفة الموفرة في تنقية المياه إلى درجة صلاحيتها للشرب، والمياه الموفرة من مياه الشرب النقية التي تذهب في غير مكانها.
وفي مجال المياه النظيفة تبرز أزمة حفر الآبار العشوائية التي لا تدرس صلاحيتها للشرب بسبب كونها غير نظامية أصلاً. طبعاً لا يمكننا لوم المواطن الذي يحفر بئراً لأنه يريد أن يشرب ولكن يجب أن تتم الأمور تحت السيطرة البيئية، غير أننا يمكن أن نلوم المتنفذ الذي يحفر بئراً عميقة ليسقي نباتات مزرعته المسكينة العطشى ويملأ مسبحه الفارغ.
نعتقد أن هناك دوراً هاماً جداً من المنتظر أن تلعبه وزارة البيئة المعني الأول بهذه الأمور.