أليدا غيفارا في حديث لـ«قاسيون» العالم يعيش لحظة مميزة: الشعوب بدأت تفرض خياراتها!
التقت «قاسيون» السيدة أليد غيفارا ابنة المناضل الثوري العالمي الكبير إرنستو تشي غيفارا أثناء وجودها في دمشق أواخر العام المنصرم وأجرت معها الحوار التالي:
* ما هي رؤيتك لمعالم النهوض الثوري في العالم؟
أعتقد أن شعوب العالم الثالث جميعها تنظر الآن لترى ماذا سيحدث في أمريكا اللاتينية.. لنتخيل على سبيل المثال أن يكون هناك نهوض ثوري في أفريقيا وأن تستخدم أفريقيا مواردها الطبيعية لخدمة شعوبها.. أعتقد أنه سيكون هناك تطور كبير وهو شيء رائع جداً. إن التخلص من الهيمنة الأمريكية يعتمد علينا - نحن الشعوب - وعلى الوحدة التي سنحققها، وعلى القوة التي بإمكاننا أن نظهرها ونعتمد عليها، وعلى قدرتنا على مواجهة وسائل الإعلام الكبرى من أجل إيصال واقعنا والحقائق التي نحملها إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
السبيل الوحيد من أجل القضاء على الامبريالية هو تضافر ووحدة جهودنا، على سبيل المثال كوبا قطعت علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل منذ اللحظة الأولى للثورة وذلك احتراماً للشعب الفلسطيني، وعندما هاجمت إسرائيل لبنان لم نجد أي وحدة موقف بين الشعوب العربية ولم تعاقب إسرائيل على ما فعلته. إذا لم نتحد جميعنا ونتغلب على إسرائيل بإرادتنا.
* ما هي معالم الأزمة الأمريكية التي يمكن أن نستفيد منها نحن كدول عالم ثالث لتحقيق حركة نهوض ثورية عالمية؟
هناك العديد من نقاط الضعف: النقطة الأولى هي الوصول إلى الشعب الأمريكي لأنه من أكثر الشعوب التي تصلها معلومات خاطئة في العالم، فهم يهيمنون عليه كما يريدون، وأعتقد بأنها خطوة إلى الأمام بأن نوصل المعلومة الحقيقية والصحيحة لهذا الشعب.
هناك شيء آخر تقوم به الولايات المتحدة ويعتبر من نقاط ضعفها مثل أفغانستان على سبيل المثال والعراق وتهديد كوريا الشمالية وإيران والآن سورية وكوبا وفنزويلا، وهم لا يستطيعون السيطرة وضبط كل نقاط الضعف هذه فإن توحدنا كنقاط ضعف يمكنا الانتصار عليهم.
* ما هو موقفكم من التهديدات الأمريكية لسورية؟
هو نفس موقفنا من التهديدات التي تعرض لها لبنان وأي دولة من دول العالم الثالث.
هلا توجهين كلمة للشيوعيين السورين وقراء قاسيون.
العالم يبدو كوبياً جداً
نفس الرسالة التي أود أن أوجهها لكل الشيوعيين والمناضلين في كل أنحاء العالم، أهم شيء هو الوحدة، ودون الوحدة ستضيع جميع قوانا سدىً ويكون هناك التصاق بالشعب لأن الحزب الشيوعي الذي لا يهتم بمعاناة الشعب وواقعه سيضمحل، فالمهم هو العمل من أجل الشعب ومع الشعب.
كتب والدي في إحدى المرات أن العالم يبدو له كوبياً جداً، ففي الوقت الذي كان يكتب فيه أن الشيوعيين مجرمون، كان الشيوعيون يناضلون بجانب شعوبهم وهذا لا يزعزع قناعاتهم وإيمانهم بمبادئهم، ولذلك كان يقول إن هناك خطراً أن يبقى الشيوعيون منعزلين، لأن الشعوب يمكن أن تخاف من هذا النمط من الحياة. وكذلك كان خوسيه مارتي يقول: إذا حاول الإنسان أن يقلد الثور فسيتحول إلى هذا الثور الذي يقلده، ولن يكون لديه القدرة على الإبداع، والشيوعي يجب أن يكون دوماً إنساناً مبدعاً وفعالاً. أعتقد أن هذا الموضوع يتعلق فينا نحن الشيوعيين، فنحن لسنا قادرين على الوصول إلى أكبر عدد من الناس الفقراء والبؤساء ولسنا قادرين أحياناً على إقناع الناس بمبادئنا وقناعاتنا ولكن هذه الايديولوجيا هي حقيقية وعلينا حمايتها وتحديثها، أنا أحترم كثيراً أولئك الشيوعيين الذين يعيشون في الدول الرأسمالية ولا يغيرون قناعاتهم رغم المجتمع الاستهلاكي المحيط بهم وهم يحافظون على صلابة أفكارهم ومشاعرهم. أنا أحترم هؤلاء الأشخاص وأعجب بهم كثيراً.
* هل هناك من شيء تودين قوله للشعب السوري؟
أتمنى له الأفضل دائماً، هناك العديد من الأشياء التي علينا القيام بها وتحسينها، فإذا كان هناك تلاحم في الشعب واتفاق حول قراراته المصيرية فلا يوجد أحد في العالم يمكن أن يوقف هذا الشعب وكوبا مثال حي على ذلك.
يقال أن الأنظمة اليسارية الحالية في أمريكا اللاتينية، منها الحقيقي ومنها ما يمثل اليسار غطاء لتغطية عيوبها؟
تعيش أمريكا اللاتينية لحظة مميزة وخاصة وما تعيشه الآن ليس موضوع يسار بل هو موضوع تقرير مصير، لأن الشعوب وبعد خمسة وعشرين عاماً من الأنظمة النيوليبرالية لم يعد بإمكانها الاستمرار بهذا الشكل فقد سرقوا كل شيء حتى الأرض، لذا فالناس عليها أن تقرر إما أن تموت من الجوع أو أن تموت محاولة تغيير هذا الواقع.
الخيار الفنزويلي
وهذا هو ما نراه الآن فهناك شعوب ليس لديها إيديولوجيا واضحة المعالم حتى الآن ولكن ليس باستطاعتها الاستمرار في العيش بهذه الطريقة ولهذا فهم يبحثون عن خيارات وفنزويلا مثلاً تبحث عن خيار أفضل شيئاً فشيئاً تتجه نحو الاشتراكية، وهذا ليس لأنهم قرروا اختيار الاشتراكية منذ البداية بل لأن الوضع يجبرهم أن يكون لهم ردة فعل وهو باتجاه الاشتراكية كما في فنزويلا حيث ولأول مرة يملك الشعب الفنزويلي النفط الذي ينتجه ولا تملكه عائلات من البرجوازية الوطنية بل الشعب هو من يستفيد من عائدات النفط، فنلحظ الآن تحسن الوضع الصحي العام في فنزويلا وكذلك تحسن قطاع التربية والتعليم، وهناك مدربون رياضيون في كل أرجاء البلاد ومرشدون ثقافيون في كل المجالات حيث قاموا بالقضاء على الأمية بمساعدة كوبا ولأول مرة، وقد قاموا بتحقيق ذلك لأنهم ولأول مرة يملكون ثرواتهم، بدل أن تذهب هذه الأموال لتعمير القصور فهي تذهب إلى خدمة الشعب هذا هو الخيار الأمريكي اللاتيني.
تأميم الغاز البوليفي
وكمثال آخر نتحدث عن بوليفيا ولكن بشكل أبطأ وأصعب من فنزويلا ولكن بخطىً واثقة أكثر فقد تم تأميم الغاز الطبيعي وعلى الشركات الآن أن تشترى الغاز بعد أن كانت تبيعه وتنفذ ما تراه الحكومة البوليفية وإلا فعليهم مغادرة البلاد، فقد احتجت الشركات الاسبانية على ما يجري في بوليفيا وهي الشركات التي سرقت خلال قرون الغاز الطبيعي البوليفي وعليها الآن أن تدفع ثمن الغاز وتتم مطالبتهم بتعويض عن السرقة التي قاموا بها في كل تلك الفترة الطويلة، والآن تذهب أموال تأميم الغاز لتحسين مستوى معيشة الشعب البوليفي، ليس بإمكاننا أن نقول أن في بوليفيا وضعا اشتراكياً ولكنها تذهب شيئاً فشيئاً نحو هذا الطريق لأنه لم يبق لديهم خيار آخر. وهكذا تتوجه أمريكا اللاتينية بالتدريج نحو الاشتراكية وما يدفعها إلى ذلك هو الحاجات اليومية لشعوب أمريكا اللاتينية.
هناك حركة هامة جداً في أمريكا اللاتينية، وهي حركة المشردين (الذين لا يملكون أرضاً) في البرازيل وعلينا أن نكون قريبين منها لأن هذه الحركة ليست مهمة فقط للبرازيل بل هي تمس التغييرات العميقة التي تجري في أمريكا اللاتينية والعالم.
قاتل المكسيك
* وماذا عن المكسيك؟
لدى المكسيك صعوبات كثيرة، فهي وقعت اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع كندا وهذا كان فيه مقتل الاقتصاد بالنسبة للشعب المكسيكي، وعلى ذلك مثال صغير: فشاحنة محملة بالمنتجات المكسيكية يمكنها حسب الاتفاق عبور الحدود نحو الولايات المتحدة بحرية كاملة ولكن تجري الأمور على أرض الواقع بشكل مختلف حيث لا يسمح لها بالمرور وعندما يسأل لماذا؟ يقال بأن المنتجات التي تحملها الشاحنة غير مطابقة للمواصفات المطلوبة وعندما تحل المكسيك هذه المشكلة يقال مرة أخرى بأن الشاحنة لا يمكنها العبور، لماذا؟ لأن الشاحنة لا تطابق المواصفات الأمريكية الصحية والتقنية وعندما تحل المكسيك هذه المشكلة تمنع الشاحنة أيضاً من عبور الحدود، لماذا؟ لأن السائق لا يتكلم اللغة الانكليزية. هذا مثال على التعامل وفق اتفاقية التجارة الحرة، مما يعني أن الاقتصاد الكبير (الولايات المتحدة) يبتلع اقتصاد الدول النامية وهذا كان قاتلاً للمكسيك.
الخيار البوليفاري لأمريكا اللاتينية
كوبا وبوليفيا تحاولان الآن إيجاد اتفاقية للتجارة المشتركة وهي تسمى اتفاقية الألبا (الفجر) وهي الخيار البوليفاري لأمريكا اللاتينية، فنحن نحاول في بلدان أخرى من العالم الثالث أن يكون لدينا تطور متساوي جداً وأن نساعد بعضنا البعض في عملية التطور وذلك بإمكانيات اجتماعية، وكمثال على ذلك هناك الآن ثلاثة وعشرون ألف طبيب كوبي يعملون في فنزويلا ما يخلق مساواة اجتماعية فهم بحاجة إلى أطباء فأرسلنا لهم أطباء لتحقيق مستوى صحي مناسب، وكذلك فالسفن الكوبية في المرافئ الفنزويلية لا تدفع رسوماً ضريبية وهذه مساعدة من فنزويلا لكوبا وكذلك السفن الفنزويلية في كوبا. وكذلك فثقافياً نحن نتعرف على بعضنا بشكل أكثر عمقاً ونحول أحلامنا إلى واقع وهو توحيد أمريكا اللاتينية.
* هل هناك ما تودين الحديث عنه بشأن كوبا؟
هناك شيء هام جداً الآن وهو أن كوبا تناضل نضالاً دولياً لأن لدينا رجالاً أبطال كوبيين مسجونين في زنزانات سجون الولايات المتحدة الأمريكية، وقد خلقت الولايات المتحدة نوعاً من حصار الصمت الإعلامي من أجل ألا تتسرب معلومات حول هؤلاء الرجال فهم لا يسمحون لأي وسيلة إعلامية صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون ، أن تتحدث عنهم وهذا هام جداً، لأن ليس من مصلحتها أن تتحدث عنهم حيث أنهم في كل يوم يبرهنون على نفاق الولايات المتحدة، لماذا؟ لأن الولايات المتحدة تقول أنها سوف تحارب الإرهاب في أي مكان في العالم. هؤلاء الرجال كانوا يناضلون ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية ضمن الولايات المتحدة، وكان هؤلاء الرجال الخمسة يعيشون ضمن هذه المنظمات الإرهابية من أجل أن يعرفوا كيف تعمل هذه المنظمات والعمليات التي تقوم بها ضد كوبا، أمريكا تقول شيئين: تدعى أن هؤلاء الرجال كاذبون، وأعتقد أن الحكومة الأمريكية كاذبة لأنها تدعي محاربة الإرهاب وبالوقت نفسه اعتقلت خمسة رجال يحاربون الإرهاب ضمن الولايات المتحدة الأمريكية أي أنها تقول أن هناك نوعين من الإرهاب أحدهما سيء والآخر جيد لأنه موجه إلى شعوب كالشعب الكوبي. أعتقد أنه في الوقت الحالي فقد تحولت الإدارة الأمريكية إلى الأكثر إرهاباً في العالم الحالي لأنهم دمروا بثوانٍ معلماً حضارياً إنسانياً في أفغانستان ففي قصف واحد على سبيل المثال هدموا سلسلة من المباني الباقية في الصحراء الأفغانية خلال قرون وما تم تدميره كان جزءاً من التراث الإنساني وبقصفه خلال ثوان قصفت الولايات المتحدة آلاف النساء والرجال والأطفال مع أن أحداً منهم لم يملك السلاح أي أنه تم اغتيالهم جميعاً مما يجعل حكومة الولايات المتحدة أكبر إرهابي في العالم،
الحكومة الأمريكية تحمي الإرهابيين
ولذا فمن المهم جداً أن يعرف العالم كيف تتصرف الحكومة الأمريكية عندما تحمي الإرهابيين كما الإرهابي كوفادا كوريليس وهو موجود الآن في الولايات المتحدة الأمريكية وهي حتى لآن لم تحاكمه ولا تعرف ماذا تفعل مع هذا الإرهابي الذي وضع قنبلة في طائرة كوبية وانفجرت في أثناء تحليقها وقتل أكثر من خمسة وستين شخصاً، وحاول أن يضع قنبلة في مدرج الجامعة في بنما عندما كان فيدل كاسترو يريد أن يلقي خطاباً، وقتل آلاف المواطنين من أمريكا اللاتينية وهو متهم بتعذيب العديد منهم ولا تدري الحكومة الأمريكية ماذا تفعل به وليس لديها أي ردة فعل تجاهه ولا تقوم بأي إجراء نحوه. ولديها بشكل شرعي في منطقة مغتصبة من شرق كوبا في غوانتانامو معتقل حيث تسجن هناك مئات المعتقلين الذين لم يوجه لهم أي اتهام. أعتقد أنه من المستحيل أن نحترم حكومة كحكومة الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن كل هذه الأشياء تبرهن على جبن ونفاق الحكومة الأمريكية.
■حاورتها: عروب المصري
تصوير: اسماعيل سويلم