كيف أصبحت شيوعياً

 ضيف هذا العدد هو الرفيق «خطار غالي»  أبو بشار من الرفاق بتنظيم (صوت الشعب) الذي وافانا بهذه الرسالة جواباً على سؤالنا: كيف أصبحت شيوعياً؟

 يقول الرفيق أبو بشار:
«أنا شيوعي متابع قراءة صحافة الحزب بفصائله، وأولها صحيفة صوت الشعب باعتبارها صحيفة الحزب الذي أنتمي إليه تنظيميا، ثم النور وقاسيون، وبعض صحف قوى اليسار، وبما أن صحيفة قاسيون تعبر عن هموم الشعب، كانت ومازالت، فأنا أواظب على قراءتها، وقد شدتني إليها أكثر زاوية كيف أصبحت شيوعيا؟
في الحقيقة فإن الكثير من الرفاق لا يعرفون إلا القليل عن تاريخ حزبهم، وبما أن هذه الزاوية تعتبر إضاءة لتاريخ الحزب فيما إذا تناولت كتابة مسيرة حياتهم الحزبية. لذا فأنا أدعوكم وكلي أمل أن تتابعوا اللقاءات مع الشيوعيين القدامى، وبما أنني أعتبر نفسي من ذاك الجيل رأيت من المفيد أن أجيبكم عن سؤالكم، وأن أكتب باختصار عن تجربتي الحزبية..
أنا من مواليد عام  1933 قرية الكيمة بمنطقة تلكلخ، وأكثرية أهلها من الفلاحين الفقراء الذين كانوا يعملون تحت سلطة الإقطاعيين، وحين بلغت سن الفتوة في السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية، كنت أسمع من الكبار أن روسيا هي دولة العمال والفلاحين، وهي تبني الاشتراكية وأنها سوف تنتصر على ألمانيا الهتلرية وتحقق الحرية والعدالة للشعوب، وترك ذلك أثره في نفسي، وأتذكر حدثاً ما زال نابضا في خاطري، ففي أحد أيام عام 1944، وبينما كنت ألعب مع رفاقي من الأطفال، تجمهر عدد كبير من أبناء القرية قريبا منا، وعلت أصوات تهتف «عاش الحزب الشيوعي.. عاشت دولة العمال والفلاحين»، وشاهدت الرجال يتناقشون، ولم أفهم الموضوع،  وكان بينهم اثنان غريبان عن القرية، عرفت فيما بعد أنهما الرفيقان دانيال نعمة وبدر مرجان اللذان أشرفا على تشكيل أول فرقة حزبية في القرية، كان أبي في عدادها، والرفيق سليمان جبور الموسى مسؤولها، ومن يومها دخل الحزب بيتنا، وصرت شيوعيا، وفي عام 1945 انتقلنا إلى حمص بقصد العمل، وأقمنا في حي الحميدية المعروف بسمعته الوطنية ووجود العديد من أبنائه الشيوعيين المعروفين، حيث عمل والدي في مجال البناء، وأنا عملت في التمريض لدى أحد الأطباء، وفي عام 1948 تعرفت على الرفاق علاء الدين الرفاعي وممدوح البواب ومحمد ذيبان أتاسي وصبحي الحبل ومدحت أبو خاطر، ومن ثم تعرفت على الرفيق راتب جبنة. وفي عام1949 كلفت بأول مهمة حزبية، وهي توزيع منشور للحزب في أحد الشوارع الرئيسية، وبعد أن وضعت عددا من المنشورات تحت أبواب البيوت والدكاكين، لمحت سيارة دورية الشرطة، فأخفيت المنشورات في (عبي)، وعندما وصلت إلى جانبي، توقفت ونزل منها رئيسها الملقب بـ(أبو شمسو)، وكان يعرفني من خلال عملي في عيادة صديقه الطبيب التي كان يزورها بشكل يومي، وسألني ماذا أفعل؟ قلت إنني ذاهب إلى بيتي فقال: (اطلع واركب معي لأوصلك إلى البيت)، وبالفعل أوصلني إلى باب بيتي!!
وفي عام1951 رجعنا إلى القرية لنعمل في الأرض، وتابعت نشاطي الحزبي، وانتظمت بفرقة الرفيق سليمان، وعملت إلى جانب أخيه الرفيق إلياس، وفي عام 1955 تركت الزراعة وتطوعت في الجيش والتحقت بدورة رقباء وصرت رقيبا، وبعد أربع سنوات  وأثناء حملة اعتقالات الشيوعيين المحمومة عام 1959 تم اعتقالي، وبقيت في سجن المزة العسكري لمدة شهرين، وقدمت بعدها إلى المحكمة العسكرية، ثم أطلق سراحي وطردت من الجيش، وعقب ذلك لوحقت من عناصر الأمن لفترة من الزمن، ثم غادرت الوطن إلى لبنان بناء على طلب قيادة الحزب، ومن هناك تابعت تنفيذ المهام الحزبية. وخلال عامي 1959 و1960، نفذت عدة مهمات حزبية سرية من لبنان إلى سورية وبالعكس، ومنها توزيع البيانات الحزبية، وبخاصة ذلك البيان الذي أصدره الحزب ردا على حملات الافتراء الظالمة التي سعت لتشويه مسيرة نضاله المشرفة، وقد أوضح موقفه المبدئي من الوحدة من خلال البنود الثلاثة عشر التي رأى فيها أسسا لحماية الوحدة واستمرارها بشكل صحيح، وقد كلفت مع رفيق آخر بتوزيع البيان في منطقة وادي النصارى، بدءا من قرية عناز ثم الحواش وعين العجوز والناصرة مركز الناحية ومرمريتا وأخيرا حبنمرة. دخلنا الحدود السورية سيرا على الأقدام وفق الخطة الموضوعة، وكان الوقت المحدد لبدء التوزيع الساعة التاسعة ليلا  في كل أنحاء سورية، وبدأ التوزيع وكان لنا في كل هذه القرى رفاق وأصدقاء، وأصعب ما واجهنا وجود كلاب الحراسة في أكثر بيوت تلك القرى، مما تطلب حذرا شديدا للحفاظ على سرية التنفيذ، ومررنا  خلال ذلك بمواقف محرجة وأخرى طريفة مضحكة، وقد وزعنا كميات كبيرة أمام الأبواب والمحلات وفي صناديق السيارات، وكان لذلك صداه الواسع، حتى أن البعض ظن أن طائرة هي التي ألقت ليلا بهذه المنشورات، وبعد حدوث الانفصال عدت إلى الوطن لأتابع مهماتي الحزبية، ومرت سنوات وسنوات وحدثت الانقسامات التي لم أكن أتوقعها، أو حتى لم تكن تخطر في بالي!!، ووصل الحزب إلى هذا الواقع المؤسف المؤلم، وتراجع عن أداء دوره الوطني والطبقي، وهذه الانقسامات دفعت بآلاف الشيوعيين - كما هو معروف - للابتعاد عن التنظيم، وكذلك أدت إلى ابتعاد الجماهير عن حزبها الذي كانت فيما سبق تجد فيه المدافع الصلب عن حقوقها، وأنا اليوم أشعر كما يشعر الآلاف من الرفاق في الفصائل وخارجها بالألم والمرارة، وبقناعتي أن الشيوعي الحقيقي هو الذي يريد ويعمل لوحدة الشيوعيين وحدة صوانية، فلندع (الخلافات المفتعلة) جانبا ولنركز على ما يجمعنا وهو الأساس والأهم... وحدوا الحزب يا رفاق إن كنتم شيوعيين حقا!!!